إيلاف من الرباط: أدان المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب "استعمال الرصاص الحيّ من طرف قوات خفر السواحل الجزائرية بالمياه الإقليمية الشرقية بالبحر الأبيض المتوسط، اتجاه مواطنين عزل، عوض المبادرة_كما هو متعارف عليه عالميًا_ لتقديم الإغاثة لأشخاص تائهين في مياه البحر ومساعدتهم، في انتهاك جسيم للمعايير الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان".

وتساءل المجلس عن "أسباب لجوء السلطات البحرية الجزائرية إلى استخدام الرصاص والذخيرة الحية ضد أشخاص غير مسلحين، لا يشكلون أي خطر أو تهديد وشيك للحياة".

تجميع المعطيات
وأوضح بيان للمجلس أنه "تبعا لفاجعة حدود المياه الإقليمية بالسعيدية، التي استعملت فيها قوات خفر السواحل الجزائرية الذخيرة الحية"، مساء يوم الثلاثاء 29 اغسطس(آب) الماضي_ والتي "خلفت وفاة شابين مغربين والمسّ بحقهما في الحياة(جثمان أحدهما لا يزال موجودًا بالجزائر)، ومسًا خطيرا بالسلامة الجسمانية لشاب ثالث لا يزال في غرقة الإنعاش بوجدة، واعتقال شاب مغربي، تقررت إدانته بثمانية عشر شهرًا"_ قام وفد يضم محمد العمارتي، رئيس اللجنة الجهوية بجهة الشرق، وعدد من أعضائها وطاقمها الإداري، بتكليف من رئيسة المجلس، بتجميع المعطيات والاستماع للناجي محمد قيسي ولأفراد أسرة الضحية بلال قيسي، الذي ووري جثمانه الثرى بالمغرب، وأسرة الضحية عبد العالي مشيور، الذي ما زال جثمانه موجودا بالجزائر.

واعتمادا على ما تم تجميعه من معطيات أولية والتقاطعات الموضوعية، أكد المجلس على أن "ما تعرّض له الضحايا يعد انتهاكًا جسيما لحقوق الإنسان وحرمانًا تعسفيًا من الحق في الحياة. وهو حق مطلق، يتوجب حمايته، مهما كانت الظروف والأسباب والملابسات والحيثيات، خاصةً أن الضحايا كانوا في خط حدودي غير واضح، وفي منطقة بحرية غير متنازع عليها.


مشيّعون يحضرون جنازة بلال قيسي، الذي قُتل برصاص خفر السواحل الجزائري عندما ضل هو وزميله متزلجًا عبر الحدود البحرية بين الجزائر والمغرب، في مدينة السعيدية في شمال شرق المغرب في 31 أغسطس(آب) 2023

انتهاك القوانين والمعاهدات
وأشار المجلس إلى أن "إنقاذ حياة إنسان في البحر يعتبر مبدأ أساسيا في القانون الدولي لا يحتمل التقييد ويسمو على جميع الاعتبارات الأخرى".
واعتبر المجلس أن "الفعل الذي ارتكبته قوات خفر السواحل الجزائرية يعد انتهاكًا خطيرًا للمعايير الدولية المتعلقة بحماية حياة الأشخاص وسلامتهم في البحار"، لاسيما منها، مقتضيات الاتفاقية الدولية لحماية الحياة البشرية في البحر المعتمدة، فاتح نوفمبر(تشرين الثاني) 1974 والاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ في البحار المعتمدة في 27 أبريل(نيسان) 1979، كما تم تعديلها في 2004 وخاصة الفصول 1 و 2 و3 من مرفق هذه الاتفاقية، فضلا عن خرقها الصريح للمادة 98 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار المعتمدة في 10 ديسمبر(كانون الأول) 1982.

مطالب الأسر
وشدد المجلس على الحق المشروع لأسرة عبد العالي مشيور في استلام جثمانه، حتى يتسنى لها إكرامه ودفنه وفق العادات الاجتماعية والثقافية بالمغرب.
كما استغرب المجلس "السرعة التي طبعت "محاكمة"إسماعيل الصنابي، الذي تقررت إدانته بثمانية عشر شهرا. وشدد على مشروعية مطالب أسرته الداعية إلى إطلاق سراحه وتسليمه للسلطات المغربية.
وأضاف المجلس أنه سيتابع حق الناجي محمد قيسي وأسر الضحايا في الانتصاف والولوج إلى العدالة. وسجل، في هذا السياق، قرار النيابة العامة مع دعوتها إلى نشر نتائج التحقيقات التي ستتوصل إليها.
وقال المجلس إنه راسل، في سياق الفاجعة، المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بالجزائر، من أجل العمل على تمتيع اسماعيل الصنابي الموجود رهن الاعتقال بالجزائر بكافة ضمانات المحاكمة العادلة والعلنية والسماح لملاحظين دوليين بحضورها، وضمان سلامته الجسدية والنفسية.
وأضاف المجلس إنه سيواصل تتبعه عن كثب لتطورات هذه الفاجعة وإعمال قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعاير الدولية في كل ما يرتبط بها، صونا للعدالة وللحقوق الجوهرية للضحايا وأسرهم في الانتصاف.

المجلس الوطني لحقوق الإنسان
يشار إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة. أستُحدث في مارس(آذار) 2011 ليحل محل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي أنشئ سنة 1990.

ويتولى المجلس النظر في جميع القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في إطار الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال.

وتفعيلا لمضامين دستور 2011 ذات الصلة، وتنفيذا لالتزامات المغرب الدولية بموجب اتفاقيات حقوق الإنسان ولاسيما ما يتعلق بآليات التظلم في مجال حقوق الإنسان، تمت المصادقة سنة 2018 على القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس والذي استحضر وضعه الدستوري بوصفه هيئة لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وكذا مبادئ باريس الناظمة لعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومبادئ بلغراد حول العلاقات بين البرلمانات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.

ووفقا لهذا القانون، أستُحدثت لدى المجلس، في إطار مهامه الحمائية لحقوق الإنسان، كل من الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، والآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل، ثم الآلية الوطنية الخاصة بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة. كما يتوفر المجلس على 12 لجنة جهوية لحقوق الإنسان تساعده على ممارسة مهامه على المستوى الجهوي.