إيلاف من بيروت: لا شك في أن هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر كان مفاجئًا بكل المقاييس. فقد فاجأ المجتمع الإسرائيلي الذي نام على حرير بطولات "دورون كابيليو" ومستعربي الوحدة 8200 في مسلسل "فوضى" الذي بثت منه "نتفليكس" أربعة أجزاء، تمكن فيها هذا "البطل الصهيوني ذو القلب الرقيق" الذي يتقن العربية من مجابهة حماس والجهاد وحزب الله، وحده.

الفشل الإسرائيلي في تنبؤ الهجوم كان كبيرًا، فلجأ العقل الإسرائيلي إلى اختراع جملة من "نظريات المؤامرة" للتخفيف من وطأة الخسارة، بعدما وصل عدد ضحايا الهجوم من الإسرائيليين إلى 1400 بين مدني وعسكري، إضافة إلى أسر حماس أكثر من 250 إسرائيليًا.

ثمة نوعان من نظريات المؤامرة: النوع الأول، كيف دخل مسلحو حماس إلى جنوب إسرائيل؛ والنوع الثاني، لمذا دخل مسلحو حماس إلى جنوب إسرائيل.

من خان؟

تقول إحدى نظريات المؤامرة الشائعة في إسرائيل، بحسب "هآرتس" العبرية، إن عملية "طوفان الأقصى" اخترقت الحصون الإسرائيلية بسبب "الخيانة". تقول الصحيفة إن في الأمر ما دبر في الظلام، وإلا كيف يمكن المجتمع الإسرائيلي أن يتقبل صورة مدنيين يفرون في صحراء النقب بهذه السهولة؟ تضيف الصحيفة إن ما حصل مُدبر وإسرائيل كانت تعلم به"، فيما يرى إسرائيليون أنها خدعة سياسية قام بنيامين نتنياهو ليبقى في منصبه رئيسًا للوزراء، وليبدو في صورة مخلص إسرائيل من الهلاك، "والدليل هو تصميمه على الاستمرار في قتل المدنيين في غزة لإطالة أمد الحرب"، كما يقول معارضوه ومنتقدوه.

ما ساهم في المقاربة السابقة هو فيديو تم تداوله ولم يتم التأكد من صحته، عن مجندة إسرائيليّة، عملت في وحدة المراقبة حول الجدار المحيط بغزة أثناء عملية "كسر الصمت-2014"، تؤكد فيه استحالة اقتراب أي أحد من الجدار من دون رصده، فقد كانوا يوقظونها ليلاً بسبب حمامة أو لقلق يقترب من الجدار الفاصل. فكيف إذا اخترق الجدار، ودخل مئات من المسلحين عبره، ثم عادوا إلى غزة ومعهم رهائن؟

أذيال الخيبة

الخيبة في إسرائيل دفعت بالإسرائيليين إلى تصديق أي شيء وكل شيء، خصوصًا أن الجيل السائد اليوم لم يعرف يوماً إلا أن جيشه لا يقهر، وأن بلاده متفوقة دائمًا، وأن البقاء للأقوى، أي لدولة إسرائيل. من الشائعات التي تداولها إسرائيليون، وحتى نشرها بعض المواقع الإخبارية الإسرائيلية، خبر اجتماع أمني طارئ حصل فجر 7 أكتوبر، وتداول المشاركون فيه من الجيش والموساد والشاباك أخبارًا عن حوادث توشك أن تحصل في "غلاف غزة"، من دون اتخاذ أي قرار بالمواجهة. وقيل إن معلومات وصلت إلى المجتمعين حينها تفيد بأن غلاف غزة سيشهد تسللاً لاختطاف جنود ومدنيين، من دون أن ترفع فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي مستوى جهوزيتها القتالية.

وثمة من يسأل لماذا تأخر الجيش في التحرك؟ ويجيبون بأنفسهم أن الأمر كله كان في يد نتنياهو، الذي سمح بحصول هجوم حماس ليقضي على التظاهرات المناهضة لحكومته، أو الجيش نفسه سمح بخصول ما حصل من فظاعات لأنه متواطئ مع المعارضة في إطاحة نتنياهو، وإلا لماذا يتأخر جيش متأهب مثل الجيش الإسرائيلي 5 أو 6 ساعات لينقذ مواطنيه وجنوده وقواعده العسكرية التي اجتاحتها مئات من مسلحي حماس؟ كذلك، تقول الصحفية الإسرائيلية الشهيرة يائيل زين المناصرة نتنياهو: "ثمة جواسيس في الجيش كانوا متواطئين". ويأتي هذا الكلام موازيًا لمحاولة نتنياهو تحميل الجيش والقوى الأمنية مسؤولية الفشل.

هذه كانت أبرز نظريات المؤامرة في "كيف دخلت حماس إلى إسرائيل". أما "لماذا دخلت حماس إلى إسرائيل"، فلها روايات أخرى ونظريات أخرى.

نوفا سيتي على أنقاض غزة

من منكم سمع بمدينة "نوفا سيتي"؟ فقد تداول بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي خبرا زعموا فيه نية إسرائيل بناء مدينة جديدة تسمى نوفا على أنقاض قطاع غزة. ويُعتقد أن أليكس دانيال، وهو رجل أعمال لديه أكثر من 133 ألف متابع، كان من أوائل الذين شاركوا صورة متخيلة لكيفية ظهور "نوفا سيتي" المزعومة بعد بنائها محل غزة، مغردًا على منصة "أكس": "أقدم لكم المدينة السياحية والسياحية الجديدة في الجنوب التي سيتم بناؤها قريبا في إسرائيل: نوفا". تظهر صورة مدينة نوفا المزعومة والمتخيلة مباني عالية ومنطقة متطورة للغاية تدعي أنها ستكون منطقة جذب سياحي.

@ebrahim_ka My podcast: @Famous Faces Unmasked #palestine #gaza #israel research credits to @Fahad Khan #PodTok ♬ original sound - Ebrahim

صفقة القرن وروسيا

من النظريات الأخرى نظرية العودة إلى "صفقة القرن". فثمة من يقول إن هجوم حماس في 7 أكتوبر خدم إسرائيل، بإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة على حساب آلاف القتلى من المدنيين الفلسطينيين، ليتم تهجير من بقي في غزة إلى سيناء في مصر، بحسب أحد بنود "صفقة القرن" التي أعدتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي. وفي خضم الحرب في غزة اليوم، عاد الكلام عن هذه الصفقة، وغرد الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين على حسابه في "إكس": "توطين الفلسطينيين في سيناء مقابل إلغاء ديون مصر الخارجية، فكروا فيها". وأضاف كوهين في مقابلة إذاعية إن مصر ستقبض ثمن توطين الفلسطينيين في سيناء.

ثمة من يقول أيضًا أن سبب هذه الحرب هو وقف التفاهم السعودي – الإيراني الذي بدأ في الصين، وهذا في صالح إسرائيل التي تريد الدفع نحو تطبيع العلاقات مع السعودية بأي ثمن، لذلك أتى هذا الهجوم بالتنسيق معها، لجر الولايات المتحدة إلى المنطقة مجددًا، ولتعود إسرائيل هي شرطي المنطقة، قبيل العودة المتقعة لترمب إلى البيت الأبيض.

في خط مواز، وبعد تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المناهضة للحملة الإسرائليلية على المدنيين في غزة، ثمة من يرد المسألة كلها إلى لعبة إقليمية دولية، مفادها أن روسيا وإيران ورطتا حماس في هذه المعمعة لافتعال حرب إقليمية تتورط فيها واشنطن، وهكذا تضرب موسكو عصفورين بحجر واحد: تعود قوية إلى المنطقة، وتورط الولايات المتحدة في رمال الشرق الأوسط المتحركة، وبالتالي يخف الضغط على الروس في أوكرانيا.

تردد نصر الله ومؤامرة إيران

في خطٍ موازٍ، شاعت نظرية مؤامرة متصلة بالموقف الإيراني مما يجري في غزة وفي جنوب لبنان. يقول ناشطون فلسطينيون إنهم يشعرون بخيبة أمل كبيرة من تعاطي حسن نصر الله، أمين عام حزب الله في لبنان، مع ما يجري، إذ يرون أن ما يفعله من اشتباكات مع الإسرائيليين في جنوب لبنان ليس كافيًا، إنما كان المطلوب هو شن حزب الله هجومًا من شمال إسرائيل، حين كان الجيش الإسرائيلي في ذروة الارتباك. من ناحيتها، تنكر حماس أي تدخل إيراني في هجوم 7 أكتوبر، فقد نسبت "أسوشيتد برس" إلى على بركة، وهو قيادي في حماس – لبنان نفيه أي تدخل لمسؤولين إيرانيين في التخطيط للهجوم، "ولم نعط إيران أي ضوء أخضر، وهناك عدد قليل من قادة حماس كانوا على علم بساعة الصفر"، فيما يقول أحمد عبد الهادي، أحد مسؤولي حماس في لبنان، لمجلة "نيوزويك": "نسقنا مع حزب الله وإيران ومحور المقاومة قبل وأثناء وبعد المعركة". ثمة من يقول إن إيران ورطت حماس ومنعت حزب الله من التدخل، لأسباب عدة، منها استخدام "سنة" حماس وقودًا في صراع إقليمي على النفوذ، وعملية عض أصابع مع الأميركيين...

وإلا، لماذا تفرج الولايات المتحدة، في خضم الأزمة، عن مليارات من الدولارات كانت مجمدة في أرصدة إيرانية بالولايات المتحدة؟ سؤال مهم، والإجابة عنه هي ورطة فعلية.