أشارت تقارير إعلامية إلى أن طائرة بلا طيّار قد تكون قصفت أحد المباني في الضاحية الجنوبية لبيروت، مساء الثلاثاء 2 يناير/ كانون الثاني، ما أدّى إلى مقتل نائب رئيس مكتب حركة حماس السياسي، صالح العاروري، وعدد من قيادات الحركة في لبنان.
ولكن خبراء عسكريين يقولون إن العملية قد لا تكون نفذت بواسطة مسيّرة، ويطرحون سيناريوهات أخرى حول السلاح المستخدم في الاستهداف.
لم تتبنَ إسرائيل العملية، ولكن مسؤولاً أمريكياً صرّح قبل أيام لوكالة فرانس برس، من دون الكشف عن اسمه، إنّ "الهجوم كان هجوماً إسرائيلياً".
بدوره، قال مصدر أمني لبناني بارز للوكالة الفرنسية إن الهجوم تمّ بـ"صواريخ موجّهة" أطلقتها طائرة حربية إسرائيلية. وكانت المصادر الأمنية تحدّثت أولاً عن طائرة مسيّرة.
واستند المصدر الأمني الى عاملين، الأول "دقة الإصابة لأنّه لا يمكن لمسيّرة أن تصيب بهذه الدقة، والثاني وزن الصواريخ والمقدّرة بنحو مئة كيلوغرام لكلّ منها".
- من هو صالح العاروري الذي اغتيل في بيروت؟
- اغتيال صالح العاروري في لبنان يثير مخاوف من توسيع نطاق الحرب
تحدثت بي بي سي نيوز عربي إلى الخبير في التسليح وتطوير السلاح مصطفى أسعد، وطرحت عليه عدداً من الأسئلة المتداولة حول الاستهداف.
طائرة حربية أو طائرة بدون طيار؟
يقول الخبير العسكري مصطفى أسعد إن الحديث عن تنفيذ العملية بطائرة من دون طيار، نابع من عدم سماع صوت طائرة حربية عند وقوع الهجوم أو قبله؛ إذ عادة ما يسمع صوت الطائرة قبل تنفيذ غارة.
ويضيف: "التكنولوجيا الدفاعية تطورت خلال السنوات العشر الماضية بشكل كبير وسريع جداً، وأصبح هناك مئات الأنواع من الذخائر التي يمكن إطلاقها من مسافات بعيدة جداً".
وبحسب أسعد، فإن هذا النوع من الصواريخ يمكن إطلاقه من طائرة حربية عن بعد يصل إلى 70 كيلومتراً من الهدف.
وقال: "باستطاعتهم إطلاق الصاروخ من طائرة حربية تحلق فوق البحر أو فوق جنوب لبنان أو أي منطقة أخرى من دون الحاجة إلى التحليق فوق المنطقة المستهدفة".
ما نوع الصاروخ المستخدم؟
يقول أسعد إنه بالإمكان تحديد نوع السلاح المستخدم في أي عملية، بحسب طريقة التفجير، ومستوى الدمار الذي سببه، وشظايا الصاروخ المستخدم.
ويضيف أن الحصول على صور لشظايا الصاروخ ليس ممكناً دائماً، مع فرض طوق أمني سريع على المنطقة المستهدفة.
ويعتقد أسعد، أن عملية اغتيال العاروري نفذت بقنبلة صغيرة القطر، قد تكون من نوع "جي بي يو-39" الذي تنتجه شركة بوينغ الأمريكية، أو "جي بي يو-53" من صناعة شركة رايثيون الأمريكية.
يعرف هذا النوع من القنابل بوزنه الخفيف نسبة لأنواع أخرى (130 كيلوغراماً)، وعند رميها من الطائرة الحربية، يخرج منها جانحان، ومن ثم توجّه بتقنية الليزر للوصول إلى الهدف.
ويقول أسعد إن ما ساعده على تحديد نوع الصاروخ، هو أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) دائماً ما تعلن عن الأسلحة التي تبيعها أو تسلمها للدول.
وكانت الوزارة قد أعلنت للمرة الأولى عام 2012 عن تسليمها هذا النوع من الصواريخ لإسرائيل - المتهمة الرئيسية بعملية الاغتيال وإن لم تتبناها، ثم سلمتها كميات أخرى من هذا الصاروخ في تواريخ لاحقة ـ منها في العام 2021.
وبحسب أسعد فإن التقنيات الدفاعية باتت تسمح بتغيير تركيبة الأسلحة والذخائر حسب ما تتطلبه أهداف العملية، على سبيل المثال "يمكن استخدام قذيفة تخترق سقفاً واحداً أو سقفين لتصل إلى الهدف وتنفجر، كما يمكن التغيير في طريقة إسقاط القذيفة أو إجراء تغييرات على الفتيل الخاص بها مثلاً".
وأظهرت إحدى الصور من موقع اغتيال العاروري وجود 6 فجوات مختلفة في سطح المبنى المستهدف، مما يشير بحسب أسعد إلى استخدام 6 قذائف من النوع نفسه للتأكد من القضاء على الهدف من دون هامش للخطأ.
ويشير إلى أن التفجير كان "محدوداً، وتركز في الغرفة التي كان المستهدفون فيها، واقتصر الضرر المادي على الشقة المستهدفة، ولم يطل جميع شقق المبنى أو يدمره بالكامل".
ويقول: "بالتالي كان هدفهم هو القضاء على من كانوا في الغرفة وكانت لديهم معلومات استخباراتية بغاية الدقة بشأن ذلك، ولم يريدوا التسبب بأضرار جانبية كبيرة".
هل يحتاج تحديد موقع الاستهداف إلى عملاء على الأرض؟
بعد استهداف العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية، تحدث كثر عن فرضية وجود اختراق استخباراتي، سمح بتحديد مكان وجوده.
ويعتبر ترصُّد عملاء موجودون على الأرض للهدف المراد تصفيته، الطريقة الكلاسيكية، وربما الأكثر دقة، لتنفيذ أي عملية اغتيال.
إلا أن أسعد يقول في حديثه مع بي بي سي نيوز عربي إن هذا الأسلوب لم يعد ضرورياً، مع التطور التقني الهائل، إذ يمكن تحديد "موقع الهدف عبر إشارة الهاتف المحمول، أو بطاقة الائتمان المصرفية، أو البريد الإلكتروني، أو أي اتصال بشبكة الإنترنت، أو أي اتصال يجريه عبر الانترنت مثل اتصال هاتفي من خلال تطبيق واتساب".
وبذلك، فإن أي خلل في الإجراءات الأمنية التي يتخذها شخص ما لعدم كشف موقعه قد يعرضه للتتبع وبالتالي الخطر.
وفي ما يتعلق بتقنية توجيه الصاروخ بالليزر، يقول أسعد إنه يمكن استخدامها بطريقتين: الأولى بحاجة إلى مجموعة من العملاء على الأرض، لتحديد نقطة الاستهداف والإشارة إليها بدقة.
أما الطريقة الثانية، فهي أن يكون الصاروخ موجهاً بتقنية النظام البصري، ويعني ذلك أن يكون لدى الجهة المهاجمة صورة للمبنى، يتم تحميلها على نظام التوجيه الخاص الموضوع في رأس الصاروخ.
وبذلك يتحرك الصاروخ بحسب الصورة ونظام تحديد المواقع (جي بي أس) ويميل ويصحح مساره بالطريقة المناسبة للوصول إلى الهدف.
ويشير أسعد أيضاً إلى كاميرات المراقبة التي يستخدمها أصحاب المتاجر أو البيوت، إذ يمكن اختراقها بغاية السهولة لتتبع شخص ما أو مراقبة منطقة معينة.
ويقول إن حزب الله كان قد طلب من سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، قبل نحو أسبوعين، إطفاء كلّ الكاميرات وفصلها عن شبكة الإنترنت.
إلا أنه وبعد عملية اغتيال العاروري، شاهد أسعد على مواقع التواصل، مقاطع فيديو عدة مصورة من كاميرات مراقبة في المنطقة، ما يعني أن بعضها كان لا يزال يعمل.
كما أشار الى أنه من الممكن أن تكون قد استخدمت خلال عملية الاغتيال، طائرة بدون طيار بحجم اليد، للتصوير أو المراقبة، من دون أن يراها أو يسمعها أحد.
وكان شهود عيان قالوا إن سيارة كانت موجودة مقابل الشقة استهدفت في الوقت نفسه لحدوث الغارة على المبنى.
ويقول أسعد إن ذلك، إن ثبت، يرجح فرضية تدمير السيارة بالطريقة نفسها لسبب ما، وربما تكون استخدمت من قبل عملاء على الأرض لتنفيذ العملية.
التعليقات