أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، رفضه الضغوط الدولية لمنع التحرك الإسرائيلي المتوقع في رفح، والمضي قدما في خططه لاجتياح المدينة الحدودية مع مصر.

وقال نتانياهو: "سأواصل مقاومة الضغوط، وسندخل رفح ونكمل القضاء على ما تبقى من كتائب حماس، ونستعيد الأمن ونحقق النصر الكامل لشعب ودولة إسرائيل".

وقد أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيقيم "جزرا إنسانية" خارج رفح، لنقل الفلسطينيين إليها قبل بدء العملية العسكرية في المنطقة الحدودية مع مصر.

وقال دانييل هاغاري، كبير المتحدثين العسكريين الإسرائيليين، إنه "سيتم التنسيق مع الجهات الفاعلة الدولية، استعداداً لغزو رفح المتوقع. ونحن بحاجة للتأكد من أن 1.4 مليون شخص، أو عدد أكبر بقليل من ذلك، سوف يتحرك، لكن إلى أين؟ إلى الجزر الإنسانية التي سوف ننشئها مع المجتمع الدولي".

ما هي الجزر الإنسانية المقترحة؟

نازحون فلسيطينيون قرب الحدود المصرية
نازحون فلسيطينيون في مخيم برفح قرب الحدود المصرية

وحول طبيعة هذه الجزر الإنسانية، قال المحلل الفلسطيني عبدالمهدي مطاوع، لبي بي سي: "في الواقع، ستكون أشبه بمعسكرات أو مجمعات للسيطرة على السكان، وعددها قد يبلغ 25 مخيما كبيرا، يتسع كل مخيم منها لآلاف السكان، تبدأ من خان يونس وحتى الشيخ عجلين، وتهدف إسرائيل منها للسيطرة على المساعدات التي تدخل إلى غزة وتوزيعها كما تريد".

ويرى مطاوع أن هذه الجزر المقترحة ما هي إلا "مصطلح تدغدغ به حكومة نتانياهو مشاعر العالم بدعوى الإنسانية".

وزاد عدد السكان بشكل كبير في المنطقة الجنوبية لغزة، والتي أصبحت المأوى الأخير لمئات آلاف النازحين من شمال ووسط القطاع ومن خان يونس، التي شنت فيها إسرائيل عملية مكثفة، ودمرت العديد من منازلها ومنشآتها.

وتصف نيفين النمر، إحدى النازحات من وسط غزة إلى مدينة رفح، لبي بي سي، الوضع في المدينة بأنه "أشبه بمعسكر اعتقال كبير".

وتقول نيفين: "إسرائيل وضعتنا في سجن كبير بدون طعام أو مياه نظيفة، والآن تريد منا الرحيل إلى المجهول تحت مسمى الجزر الإنسانية. لكننا لا نملك القرار، وسوف نغادر خوفا من القصف".

وتهدد إسرائيل بأنها لن تتراجع عن الهجوم على رفح، ويقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن حماس تحتفظ بأربع كتائب هناك، وتريد إسرائيل تدميرها.

ويشير مطاوع إلى أن هناك إجماعا في إسرائيل من الجيش والحكومة وحتى المعارضة على ضرورة اقتحام مدينة رفح، لإعادة الرهائن، أو الضغط على حماس للتفاوض على إعادتهم.

تحذيرات مصرية أميركية

وأعربت مصر عن رفضها التام لخطة اقتحام رفح، وحذرت من هذه الخطوة وتأثيرها على المنطقة، وحياة النازحين الفلسطينيين.

ويقول دكتور شفيق التلولي، الكاتب والمحلل الفلسطيني: "اجتياح رفح يمثل مساسا بالأمن القومي المصري، وقد يتسبب في أزمة مع القاهرة، وربما تصادم يؤدي لمواجهة ما".

ويوضح التلولي أن الإدارة الأميركية تدرك خطورة هذه الخطوة، وعبرت عن مخاوفها، وطلبت التنسيق مع مصر. ويتابع قائلا: "بايدن لا يريد أن يخاطر بخسارة مصر التي تلعب دوراً كبيراً في المنطقة، ولها تأثيرها في القرار العربي والإقليمي والدولي، فضلا عن إثارة الرأي العام العالمي حال اجتياح رفح ووقوع خسائر بشرية كبيرة".

وحذر بايدن في مقابلة مع شبكة "إم إس إن بي سي" الأميركية من أن اقتحام رفح هو "خط أحمر" بالنسبة له.

وقال بايدن في المقابلة: "نتانياهو يؤذي إسرائيل أكثر من مساعدتها، من خلال دفع بقية العالم ليعارض ما تمثله إسرائيل. وأعتقد أن هذا خطأ كبير".

ولم يذكر الجيش الإسرائيلي متى سيتم إخلاء رفح، ولا متى سيبدأ الهجوم عليها، لكن هغاري قال إن إسرائيل تريد أن يكون التوقيت مناسبا من الناحية العملياتية "وأن يتم تنسيقه مع مصر".

ورغم التحذيرات المصرية الأميركية، فإنه من الواضح أن نتانياهو، وقادة في الجيش، وكذلك اليمين المتطرف، عازمون على تنفيذ عملية رفح، وسيضغطون على السكان للنزوح منها مرة أخرى.

وتقول نيفين لبي بي سي: "لو طلبوا منا الخروج من رفح إلى الجزر التي يزعمون أنها إنسانية فسوف نفعل، فلا يوجد من يوقفهم وليس لنا مهرب آخر".

وقد وزعت إسرائيل بالفعل منشورات على سكان رفح تطالبهم بالرحيل وتحذرهم من البقاء فيها.

وقال مطاوع إن "نتانياهو نجح في إثارة الرعب في نفوس الفلسطينيين، وأثبت أنه لا يمكن إيقافه، وإذا أراد قتلهم فهو يستطيع، لأنهم يعلمون أنه لا يوجد من يحميهم".

قافلة مساعدات إنسانية تدخل إلى قطاع غزة
إسرائيل تريد السيطرة على المساعدات التي تدخل غزة للتأكد من توزيعها وعدم وصولها إلى مقاتلي حماس

لماذا اقتحام رفح؟

تمثل رفح آخر نقطة لم يصل إليها الجيش الإسرائيلي في غزة، ويروج نتانياهو أن قادة حماس موجودون بها، وأن الرهائن محتجزون هناك أيضا ويمكن إنقاذهم.

لكن المحلل الفلسطيني عبدالمهدي مطاوع، يشير إلى أن الهدف الرئيسي من اقتحام رفح هو فرض أمر واقع جديد والسيطرة على المعابر وتصحيح ما يرى نتانياهو أنه كان من الخطأ السماح به، مثل السماح لحماس ببناء قوة عسكرية، وفرض سيطرتها على معبر رفح والمنطقة الحدودية مع مصر، وإنشاء أنفاق تحت الأرض.

ويؤكد نتانياهو على أن إسرائيل تريد إدارة مدنية غير مسلحة في غزة، ولا تتبع حماس أو السلطة الفلسطينية، بل تخضع لها مباشرة.

ويبحث نتانياهو عن قادة حماس وعلى رأسهم يحيى السنوار، الذي يرى أنه العقل المدير لهجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وكذلك محمد الضيف، قائد الجناح العسكري لحركة حماس.

لكن اقتحام رفح سيكون له تكلفة باهظة خاصة على المدنيين، وربما لن تستطيع الجزر الإنسانية التي تقترحها إسرائيل استيعاب كل هذا العدد الهائل من النازحين، بحسب الكاتب والمحلل الفلسطيني التلولي.

ويوضح التلولي أن تلك الجزر "لن تحمي المدنيين، ولن تكون آمنة أيضا"؛ مشيراً إلى إنه بالعودة لبداية الحرب على غزة كانت إسرائيل قد طالبت سكان شمالي القطاع ومدينة غزة بالتوجه إلى جنوبي القطاع، و"بالرغم من ذلك تم استهدافهم".

وشدد الكاتب الفلسطيني على أن المناطق التي ستقام فيها هذه الجزر "لا يمكن أن تتسع لهذا العدد الكبير من النازحين لأنها منطقة محصورة بشريط ساحلي محدود في وسط قطاع غزة، ناهيك عن إحكام حصارها الذي يزيد من تجويع النازحين".