أثير جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، بعد تسريب مقاطع مصورة خلسة لمن قيل إنهم قيادات في حزب الوفد العريق، وهم يتفاوضون على صفقة لبيع قطع أثرية.

وظهر في مقطع الفيديو الأول شخص يجلس تحت صورة لمؤسس الحزب، الزعيم المصري الراحل سعد زغلول، وهو يتفاوض مع آخر على إتمام صفقة آثار. هذا الآخر الذي يظهر في الفيديو بصوته، يقول إنه على صلة بشخص لديه "مكان كبير" يحوي الكثير من القطع الأثرية.

ويقول أحد الطرفين إن صاحب "المكان الكبير" سيبدأ بقطعتين أثريتين حتى يحصل على "الأمان"، فيما أخبره الطرف الآخر بأن يقوم بتصوير القطعتين تصويراً شاملاً وإرسال الفيديو تحت مسمى "الدكتور طارق"، موضحاً أن هذا المسمى هو الشفرة بينهما.

وعلق رواد مواقع التواصل على الخبر في غضب واستنكار، حيث وصف أحدهم الواقعة بأنها "مهزلة سياسية وجريمة جنائية"، وأشار أحدهم إلى أن مقطعاً كهذا يوضح كيفية وصول الآثار المصرية إلى مختلف متاحف العالم، فيما استشهد آخر بمقولة "مفيش فايدة" للزعيم سعد زغلول الذي اُلتقط الفيديو لأحدهم تحت صورته المعلقة على الحائط.

وفور انتشار المقطع الأول، نشر حزب الوفد بياناً عبر منصاته الرسمية، مؤكداً فتح "تحقيق عاجل بشأن الفيديو المسرب، والتحقيق مع كل من نُسب إليه أو اتصل بهذا الفيديو".

وقررت لجنة التحقيق وقف عضوية كل من اللواء سفير نور، مساعد رئيس الحزب، وعبد الوهاب بركات سيد محفوظ، نائب رئيس لجنة الوفد بمركز الجيزة، و"منعهما من دخول الحزب إلا للتحقيق وسؤالهما في الواقعة"، قبل أن يقرر الحزب فصل الاثنين من كل تشكيلات الحزب.

لجنة التحقيق في حزب الوفد تصدر قراراً بوقف المتهمين
موقع حزب الوفد
لجنة التحقيق في حزب الوفد تصدر قراراً بوقف المتهمين

وأوضح الحزب أن لجنة التنظيم المركزية بالوفد في حالة انعقاد دائم، "نظراً لخطورة الواقعة وتأثيرها على سمعة وتاريخ الوفد، مشيراً إلى مقطع آخر مصور "يتعلق ومرتبط بالواقعة".

وكشف المقطع الثاني، الذي تداوله رواد مواقع التواصل، عن مشادة كلامية بين اثنين، تحدث أحدهما عن لقاء سابق في مزرعته الخاصة، يخص تجارة الآثار، وعن شخص ذي صلة بالأمر.

وبحسب الفيديو، فإن ذلك الشخص عقد اتفاقاً مع وزارة السياحة والآثار على تأجير بعض القطع الأثرية لفترة محددة، مقابل آلاف الدولارات سنوياً، كما تحدث عن أحد الأجانب الذي أخبره بأن بعض القطع الأثرية التي لديه "مضروبة" أي أنها ليست أثرية.

وقد أصدر أعضاء في حزب الوفد بياناً طالبوا فيه الوفديين بالتكاتف دون خوف لتغيير قيادة الحزب.

وقال محمود أباظة، الرئيس السابق للحزب وأحد الموقعين على البيان، إن الواقعة الأخيرة تأتي بسبب ما وصفه بسوء الأداء السياسي الذي ضرب الحزب تحت قيادة يمامة، وتضارب القرارات وارتباك الوضع المالي، مشيرا إلى أن تغيير النظام الوفدي أصبح ضرورة في ظل الجمهورية الجديدة التي تقوم على الشفافية والمصارحة، على حد قوله.

واتهم رئيس الحزب، عبد السند يمامة، في تسجيل مصور بثه عبر صفحة الحزب الرسمية على فيسبوك مجموعة لم يحددها بتدبير ما وصفها بالـ"مؤامرة" ومحاولة تشويه الحزب ومحاربة تجربته في الرئاسة، مهدداً باتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم.

فيما أكد الدكتور ياسر الهضيبي، المتحدث باسم حزب الوفد، في مداخلة هاتفية بأحد البرامج التلفزيونية، أن مقطع الفيديو الأول يعود لعام سابق، يخص ثلاثة متهمين، توفي أحدهم، وأن المتهميْن الآخرين عضوان عاديان "وليسا من قيادات الحزب"، مشيراً إلى عدم الجزم بمكان تصوير المقطع، الذي قيل إنه كان في مقر الهيئة العليا لمقر الحزب.

وأفادت مصادر لصحيفة الدستور المصرية بأن الأعضاء الذين ظهروا في الفيديو الأول لم يمْثلوا أمام اللجنة التنظيمية للتحقيق معهم لليوم الثاني على التوالي، فيما يتعلق بالاتهامات الموجهة إليهم ومخالفة نظام العمل الحزبي.

وقد اعتمد الدكتور عبد السند يمامة رئيس الوفد القرار الصادر من لجنة التنظيم المركزية بإسقاط عضوية الاثنين المشار إليهما في المقطع الأول، وإحالة الواقعة إلى النيابة العامة لاتخاذ إجراءاتها.

وعلق الباحث في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن بأن تجارة الآثار "اتسعت في بر مصر على أكتاف شخصيات، من اتجاهات عدة، لا تخطر أسماؤهم ومواقعهم ومناصبهم على بال عموم الناس".

يُذكر أن تاريخ حزب الوفد يعود لأكثر من قرن؛ حيث بدأت فكرته في مصر عام 1918، بتشكيل وفد للتفاوض مع الإنجليز على استقلال مصر وجلاء قوات الاحتلال الإنجليزي.

خريطة الأحزاب السياسية في مصر بعد الثورة

صورة من أوائل عشرينيات القرن العشرين تُظهر سعد زغلول (يسار)، رئيس حزب الوفد وزعيم ثورة 1919 المصرية ضد الاحتلال البريطاني، مع مصطفى باشا النحاس (يمين)، خليفته في رئاسة حزب الوفد، خلال جلسة برلمانية
AFP
صورة من أوائل عشرينيات القرن العشرين تُظهر سعد باشا زغلول (يسار)، رئيس حزب الوفد وزعيم ثورة 1919 المصرية ضد الاحتلال البريطاني، مع مصطفى باشا النحاس (يمين)، خليفته في رئاسة حزب الوفد، خلال جلسة برلمانية

وتحول الوفد إلى حزب بزعامة سعد باشا زغلول زعيم ثورة 1919، وأطلق عليه "حزب الأغلبية" وتولى تشكيل الوزارات منذ العشرينيات وحتى الخمسينيات التي شهدت انتهاء عصر الملكية مع ثورة يوليو/تموز عام 1952.

وعاد الحزب إلى مزاولة نشاطه السياسي في عهد الرئيس الراحل أنور السادات بعد سماحه بالتعددية الحزبية، ليطلق الوفد على نفسه حزب الوفد الجديد" عام 1978.

ويترأس الحزب حالياً عبد السند يمامة منذ عام 2022، وهو أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي الخاص بكلية الحقوق بجامعة المنوفية، ونال درجة الدكتوراه في الاستثمار الأجنبي بمصر من إحدى الجامعات الفرنسية، كما عمل محاميا لرابطة العالم الإسلامي.

رئيس حزب الوفد عبد السند يمامة
Getty Images
رئيس حزب الوفد عبد السند يمامة

كما أعلن يمامة ترشحه لانتخابات الرئاسة في مصر في شهر ديمسبر/كانون الأول 2023، بعد جدل وخلافات داخل الهيئة الوفدية العليا التي عارض بعض أعضائها ترشحه لخوض هذه الانتخابات منافسا للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي فاز في تلك الانتخابات بولاية ثالثة.