إيلاف من واشنطن: تتواصل توابع وارتدادات زلزال محاولة اغتيال دونالد ترامب، واللافت أن جميعها ليست في مصحلة الرئيس الحالي جو بايدن، حيث يبدو المشهد وكأن رصاصة كروكس التي كانت تستهدف ترامب ارتدت في صدر بايدن المهتز في الأساس بسبب الأداء الكارثي في المناظرة الشهيرة.

فمنذ محاولة اغتيال دونالد ترامب الفاشلة، أعلن المزيد والمزيد من الأسماء الكبيرة في وادي السيليكون عزمهم دعم حملة المرشح الجمهوري.

هذه ليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها إيلون ماسك تأييده لترامب. لذا فإن الدعم الذي أظهره له منذ محاولة الاغتيال الفاشلة، السبت 13 تموز (يوليو) لم يفاجئ أحدا. ولكن ماذا عن ذلك الدعم الذي أظهره كبار المستثمرين المليارديرات من أمثال مارك آندرسن، جو لونسدل، أو حتى الأخوين وينكليفوس، التوأمان المؤثران للغاية في عالم العملات المشفرة؟

قد يبدو تحولهم مفاجئا لمعسكر ترامب، وهم القادمون من بيئة تقنية تعتبر تقدمية وتصوت تقليديا للمعسكر الديمقراطي، وفقاً لتقرير "فرانس 24"، نقلاً عن فايننشال تايمز التي نشرت بالتفصيل قائمة لأسماء أباطرة وادي السيليكون الذين كشفوا عن عزمهم التبرع بملايين الدولارات "لأميركا باك"، وهي المنظمة المسؤولة عن جمع التبرعات لدعم ترشيح دونالد ترامب، والتي تم إنشاؤها في حزيران (يونيو) الماضي.

تحولات في قرارات قادة التكنولوجيا
مارك آندرسن، المؤسس المشارك لصندوق آندرسن هورويتز الاستثماري القوي للغاية، هو أحد أبرز المانحين "لأمريكا باك". ومع ذلك، فقد اعترف بأنه صوت دائما للمرشحين الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية الأمريكية حتى الآن. يبدو أن شريكه بن هورويتز قد تحول أيضا من المعسكر الديمقراطي إلى معسكر ترامب.

تقول كريستين هارلين، المتخصصة في شؤون الولايات المتحدة والاقتصاد السياسي في جامعة ليدز، إن تزايد هؤلاء المؤيدين لترامب من وادي السيليكون "ليس مفاجئا".

يقول نيكوس سميرنايوس، المتخصص في علوم المعلومات والاتصالات بجامعة تولوز 3 وعمل على التطور السياسي لنخبة التكنولوجيا في الولايات المتحدة: "هذا التطور جار منذ بضع سنوات، وأدى إلى تطرف بعض قادة وادي السيليكون".

وتبدو الآن الصورة التقليدية لوادي السيليكون المائل بشكل ملحوظ إلى اليسار بسبب تاريخه المرتبط بالثورة المضادة في 1970 في كاليفورنيا قد عفى عليها الزمن.

رجال الأعمال المسيطرون حاليا قد وضعوا على الرفوف تلك اليوتوبيا العائدة إلى زمن مضى. ويمكن بسهولة إلقاء اللوم في ذلك على الاضطرابات الاقتصادية والسياسية التي وقعت أواخر العشرية الأولى من الألفية الثالثة واستمرت حتى منتصف عام 2010. "لقد بات سياق العمل في القطاع أكثر صعوبة بالنسبة لهم مع نشوء الأزمة الاقتصادية عام 2008 والكشف عن عواقب غياب تنظيم للقطاع منذ عام 1990"، يؤكد نيكوس سميرنايوس.

ثم يكتشف بعد ذلك عامة الناس كيف تستغل منصات الإنترنت بياناتهم الشخصية في حين لا تقوم إلا بالحد الأدنى لمكافحة انتشار المحتويات المسيئة وعبارات الكراهية.

يؤكد نيكوس سميرنايوس أن "مديري هذه الشركات أصبحوا يتخلون رويدًا رويدًا عن الصورة الإيجابية التي كانوا يحاولون فرضها على الجمهور الذي يجد صعوبة متزايدة الآن في تصديقها". فهم يفترضون الآن بكل صراحة أن مصلحتهم الاقتصادية تفوق كل شيء.

من مافيا "باي بال" إلى دعم أوسع لترامب
وبهذا المعنى، فإن دعم شخصيات التكنولوجيا الغنية لدونالد ترامب ليس سوى تتويج لهذا التطور. فرواد الأعمال هؤلاء يقدرون أن المرشح الجمهوري "يتماشى بشكل أفضل مع مصالحهم الاقتصادية التي لها الأسبقية الآن على مبادئهم"، تلخص لورا فون دانيلز، المتخصصة في السياسة الاقتصادية لأمريكا الشمالية في معهد الدراسات الاقتصادية والسياسية في برلين.

هناك "خطر حقيقي من أن هذه الدورة الانتخابية ستشهد تحول وادي السيليكون لأول مرة بأغلبية ساحقة إلى المعسكر الجمهوري"، تلاحظ كريستين هارلين. فقد كان هناك بالفعل مليارديرات التكنولوجيا الذين رافقوا الأيديولوجيا الترامبية. وهي حالة بعض أعضاء "مافيا باي بال"، وهي مجموعة غير رسمية مكونة من موظفين سابقين في موقع الدفع الشهير "باي بال" وأصبحوا مؤثرين للغاية مثل بيتر تيل وديفيد ساكس وإيلون ماسك.

في عام 2024، توسعت هذه الدائرة لأن دونالد ترامب يستفيد من أكثر الظروف ملاءمة له. أولا، "ليس من قبيل المصادفة أن معظم المؤيدين الجدد للمرشح الجمهوري هم مستثمرون في قطاع التكنولوجيا"، كما تقول كريستين هارلين. فهم ألقوا بأنفسهم بين ذراعي دونالد ترامب بعد سماعهم إعلان جو بايدن، في مارس/آذار 2023، أنه يخطط لفرض ضريبة بنسبة 25 بالمئة على أرباح أصحاب الملايين.

وراء هذه الرطانة الضريبية عن قطاع التكنولوجيا يكمن الغرض الأساسي الذي يهدف إلى فرض ضرائب أكثر على الأغنياء الذين يمتلكون مجموعة كبيرة من الأسهم. "ومن بين هؤلاء هناك عدد كبير من مستثمري التكنولوجيا الذين يحافظون على هذه الأسهم. وينص هذا الإجراء على فرض هذه الضرائب من اللحظة التي يرتفع فيها سعر الأسهم وليس فقط عندما يحققون ربحًا عند بيعها"، تحدد كريستين هارلين.

مخاوف من استمرار بايدن
على نطاق أوسع، "هناك انطباع بأن رئاسة بايدن ليست شيئا جيدا لرواد الأعمال في مجال التكنولوجيا وأن الولاية الثانية ستكون أسوأ"، تشرح لورا فون دانيلز. بالنسبة لها، يعد هذا أمرا مثيرا للدهشة لأن العديد من الإجراءات التي اتخذتها إدارة بايدن – مثل التصويت على الإعانات لصناعة أشباه الموصلات الأمريكية - مواتية للغاية للشركات الناشئة في هذا القطاع.

إن خوف رواد الأعمال في وادي السيليكون ينبع من أن الديمقراطيين، في حال إعادة انتخاب بايدن، سيشددون لهجة فرض المزيد من اللوائح. "بالنسبة لهم، يود جو بايدن تبني النهج الأوروبي الأكثر تنظيما وحماية للبيانات الشخصية"، تحلل لورا فون دانيلز.

كما أنهم يخشون أن تكون مؤسسات مثل لجنة التجارة الفيدرالية (هيئة الرقابة التجارية) أكثر عدوانية. "إنهم ينظرون إلى ليندا خان، الرئيسة الحالية للجنة التجارة الفيدرالية، على أنها شخص، في حال فوز بايدن بولاية ثانية، يمكن أن يكون أكثر حدة مع حالات الاحتكار في قطاع التكنولوجيا والممارسات المضادة للمنافسة الشائعة جدا في وادي السيليكون"، يلخص مايكل بلوف، المتخصص في السياسة الأمريكية في جامعة كوليدج لندن. لذا فإن التصويت لترامب سيكون وسيلة للتخلص من هذا الخوف، لأن الرئيس هو الذي يعين مدير لجنة التجارة الفيدرالية.

كما أن المرشح الجمهوري للرئاسة قاد عملية إغواء كبيرة في هذا القطاع. فقد نظر إلى تعيين جي دي فانس، الذي عمل ذات مرة في صندوق استثماري في وادي السيليكون، على أنه وسيلة دونالد ترامب للوصول إلى عالم الشركات الناشئة في هذا القطاع.

ترامب يتراجع عن نظرية "احتيال العملة المشفرة"
في السابق، قام دونالد ترامب أيضا بتغيير رأيه 180 درجة فيما يتعلق بالعملة المشفرة بيتكوين. بعد أن تحدث عنها لفترة طويلة باعتبارها "عملية احتيال"، فإن المرشح الجمهوري يقدم نفسه الآن كمدافع كبير عن هذه العملة المشفرة. حتى إنه من المقرر أن يتحدث في مؤتمر بيتكوين في 27 يوليو/تموز الجاري.

ولا يهدف هذا الهجوم الساحر لمعسكر ترامب إلى جذب التبرعات من مليارديرات قطاع التكنولوجيا فقط. فكما تؤكد لورا فون دانيلز: "يحظى رواد الأعمال في وادي السيليكون باحترام كبير في الولايات المتحدة، وإذا تمكن ترامب من الحصول على دعمهم، فسيعطي ذلك مصداقية لبرنامجه الاقتصادي".

أخيرا، ربما أدت محاولة اغتيال دونالد ترامب أيضا إلى تسريع الأمور. يقول نيكوس سميرنايوس: "لقد تم تعزيز وضعه كمرشح مفضل، وكان هذا العمل هو من أقنع بعض كبار الشخصيات في قطاع التكنولوجيا بأنه من الأفضل الآن اتخاذ موقف رسمي".

ويقدر هذا الخبير بأن ذلك يعد ضربة كبيرة وعنيف موجهة للديمقراطيين. ويؤكد: "يجب ألا ننسى أنه في عهد بيل كلينتون وباراك أوباما ازدهر وادي السيليكون". فهما اللذان سمحا للقطاع بالنمو من خلال فرض أقل قدر ممكن من التنظيم عليه، وهو ما يعني شراء ولائهم السياسي إلى الأبد. لكن هؤلاء العمالقة أصبحوا مدمنين على غياب التنظيم أكثر من إدمانهم على الأيديولوجية" التقدمية".