إيلاف من بيروت: حسن نصر الله، زعيم "حزب الله"، شخصية غامضة ومثيرة للجدل، يعيش في الظل بعيداً عن الأنظار رغم أنه يقود واحدة من أقوى الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط منذ ما يقارب الـ32 عاماً.

منذ أن تولى قيادة "حزب الله"، صنع من الحزب قوة عسكرية وسياسية مهيمنة في لبنان، وزاد نفوذه إلى ما هو أبعد من ذلك، ليصبح عنصراً مؤثراً في الصراعات الإقليمية، لا سيما ضد إسرائيل. وحسن نصر الله صرح من قبل علانية بأنه جندي من جنود الولي الفقيه في إيران.

إلى ذلك، ارتكب حزب الله اللبناني تحت قيادة نصر الله عدة جرائم تتعلق بالاغتيالات السياسية والقمع الداخلي والانخراط في أنشطة عسكرية خارجية تسببت في معاناة العديد من المدنيين.
ويعتبر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في عام 2005 أحد أبرز الجرائم التي يُتهم حزب الله بارتكابها. وقد أشارت التحقيقات الدولية إلى تورط عناصر من الحزب في العملية، التي كانت بمثابة شرارة لانقسام سياسي واسع داخل لبنان. الاغتيال أظهر دور الحزب في التخلص من الشخصيات السياسية التي تعارض سياساته أو تلك المقربة من القوى الغربية.

ومنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، تورط حزب الله بأمر مباشر من نصر الله في دعم نظام بشار الأسد. الحزب أرسل قواته للقتال إلى جانب الجيش السوري، مما أدى إلى قتل الآلاف من المدنيين الأبرياء وتدمير مدن وقرى بأكملها. هذه المشاركة ساهمت في إطالة أمد الصراع السوري وزيادة معاناة الشعب السوري.
أما داخلياً، فقد استخدم نصر الله قوته العسكرية لفرض سيطرته على الساحة اللبنانية. أبرز حادثة هي أحداث 7 أيار 2008، عندما نزل مقاتلو الحزب إلى شوارع بيروت واستخدموا القوة لفرض سيطرتهم على الحكومة بعد قرار ضد شبكاتهم الأمنية. هذا التدخل المسلح كشف عن الطبيعة القمعية للحزب وعدم تردده في استخدام العنف لترهيب خصومه.
ويُتهم نصر الله بإدارة شبكات تهريب للأسلحة والمخدرات في مناطق مختلفة من العالم، خاصة في أميركا اللاتينية وأفريقيا. هذه الأنشطة غير القانونية تعتبر مصدراً رئيسياً لتمويل عملياته العسكرية والسياسية، مما يعزز قدرته على مواصلة نشاطه المسلح على حساب استقرار المنطقة.

نصر الله، الذي يبلغ من العمر 64 عاماً، يُعتبر واحداً من أخطر أعداء إسرائيل وأبرز حلفاء إيران في المنطقة.
لقد تحولت لحيته، التي تميز وجهه تحت عمامته السوداء، إلى اللون الأبيض مع مرور الزمن، وهو رجل يعيش بتواضع بعيداً عن الأضواء، يتجنب الظهور العلني منذ سنوات خوفاً من استهدافه بالاغتيال. فعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، نجح في إبقاء حياته سرية إلى حد بعيد، متنقلاً بين مخابئ تحت الأرض خوفاً من الغارات الإسرائيلية، ولا يتواصل مع العالم إلا عبر خطابات متلفزة.

مقتل زينب نصر الله وطهران تؤكد جاهزيتها لاستبدال أي زعيم
ولد نصر الله عام 1960 في حي "الشرشبوك" وهو احد الأحياء الفقير في بيروت، وسط بيئة متعددة الطوائف، ما شكّل لديه رؤية قومية ودينية مبنية على العدالة الاجتماعية والمقاومة ضد ما يعتبره الاحتلال الإسرائيلي. انضم إلى "حزب الله" عام 1982 عندما كان لا يزال شاباً يافعاً، وأصبح سريعاً أحد رموز المقاومة ضد إسرائيل، خصوصاً بعد قيادته للحزب في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان في الثمانينات.

ولكن ما يميز نصر الله عن غيره من القادة هو براعته في الخطابة. فهو ليس فقط قائداً عسكرياً ماهراً، بل أيضاً خطيباً مفوهاً يستخدم اللغة العربية الفصحى ببراعة، ويعرف كيف يخاطب عواطف الناس وقلوبهم. لطالما دعا نصر الله إلى تحرير القدس، مستخدماً لغة تحفيزية تجمع بين الإيمان بالقضية الفلسطينية والحرب على ما يسميه "الكيان الصهيوني"، كما أنه غالباً ما يستخدم خطاباً يجذب فيه القومية العربية، مما يعزز من شعبيته في العالم العربي.

ورغم التزامه بالقيم الدينية كزعيم شيعي، فإن نصر الله يظل مرناً في تعامله مع المجتمعات المختلفة. فهو لا يدفع بشكل صارم بالقواعد الإسلامية المتشددة، بل يركز على خلق بيئة اجتماعية وسياسية تخدم أهداف "حزب الله" وتعزز مكانته كقوة داخل لبنان.

وليس من المبالغة القول إن نصر الله قد بنى دولة داخل الدولة في لبنان، فبتمويل إيراني ودعم لوجستي من شبكة المغتربين الشيعة في الخارج، استطاع "حزب الله" أن يقيم شبكة من المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية التي توفر الخدمات الضرورية لملايين اللبنانيين، بما في ذلك المستشفيات والمدارس. هذه المؤسسات جعلت من "حزب الله" لاعباً رئيسياً في الساحة السياسية اللبنانية، حيث يشارك بشكل فعّال في البرلمان والحكومة.

ولكن نصر الله لم يكتفِ بتوسيع نفوذ "حزب الله" في لبنان فقط. فقد أرسل مقاتلي الحزب لدعم الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية، مما جعله عنصراً أساسياً في إنقاذ النظام السوري من الانهيار. كما يشارك الحزب في دعم الميليشيات الشيعية في العراق واليمن، ويُعتبر حزب الله لاعباً محورياً في شبكة الحركات المسلحة التي تدعمها إيران في المنطقة.

ولم يكن هذا التأثير الإقليمي ليمر دون تحديات. فمنذ سنوات طويلة وإسرائيل تسعى جاهدة لاغتيال نصر الله. ورغم أنه نادراً ما يظهر علناً، إلا أن حياته محاطة بفرق أمنية مدربة لحمايته، وهو يعيش في أماكن سرية بعيداً عن أنظار العامة. حتى عندما يجري مقابلات نادرة مع وسائل الإعلام، كما حدث في عام 2002 مع صحيفة "نيويورك تايمز"، يتم تعصيب عيني الصحفيين قبل اللقاء، ولا يُسمح لهم بمعرفة مكانه.

يظل نصر الله، رغم غيابه الفعلي عن الساحة العامة، مؤثراً للغاية في مجريات الأمور في لبنان والمنطقة. فحزب الله يمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ باليستية تهدد إسرائيل. ورغم تصنيفه كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، يواصل الحزب تعزيز نفوذه السياسي والعسكري، ويبقى نصر الله قائداً قوياً يستحوذ على ولاء آلاف المقاتلين والمناصرين.

خطابه الأخير
في خطابه الأخير، الذي ألقاه في 19 أيلول (سبتمبر)، أشار نصر الله إلى الضربات التي تعرض لها الحزب نتيجة تفجيرات أجهزة الاتصال في جنوب لبنان، والتي أدت إلى مقتل العشرات من عناصره وجرح الآلاف. ورغم أن نبرة خطابه كانت مليئة بالغضب، إلا أنه أكد أن "الانتقام قادم"، مشيراً إلى أن الرد سيكون مدروساً وموجعاً. لكن نصر الله، كما هو متوقع، احتفظ بتفاصيل خطته لنفسه، تاركاً الحيرة تسود بين المحللين حول كيفية وموعد تنفيذ هذا الانتقام.