إيلاف من الرباط: حافظ المغرب على مكانته كواحد من أكثر الدول أمنًا واستقرارًا، بعدما جاء ضمن الدول الخالية من الإرهاب، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام.
ووفقًا للتقرير، سجل المغرب درجة صفر في المؤشر، ما يؤكد غياب أي نشاط إرهابي داخل أراضيه خلال السنوات الخمس الماضية، ليحتل المرتبة 100 عالميًا. هذا الإنجاز يعكس نجاح السياسات الأمنية الاستباقية للمملكة ونهجها الشامل في التصدي للإرهاب والتطرف، رغم تصاعد التهديدات الأمنية في عدة مناطق حول العالم، إذ كشف التقرير عن تصاعد النشاط الإرهابي بشكل مقلق في عدة مناطق، خاصة في إفريقيا ومنطقة الساحل، التي أصبحت بؤرة الأكثر نشاطًا عالميًا، مسجلة 51٪ من إجمالي وفيات الإرهاب في 2024.
وتصدرت بوركينا فاسو قائمة الدول الأكثر تضررًا، تلتها باكستان، وسوريا، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، ما يشير إلى تدهور خطير في الوضع الأمني بهذه المناطق.
ورغم تسجيل انخفاض بنسبة 50٪ في عدد الوفيات الناجمة عن الهجمات الإرهابية خلال 2024، إلا أن التهديدات لم تنحسر بالكامل، إذ برزت عمليات "الذئاب المنفردة" كإحدى أخطر الظواهر الإرهابية، لا سيما في أوروبا وأميركا الشمالية، مما يعزز المخاوف من موجات عنف جديدة غير تقليدية.
نهج أمني مغربي استباقي ومتعدد الأبعاد
لم يكن تصنيف المغرب ضمن الدول الخالية من الإرهاب مجرد صدفة، بل هو نتاج استراتيجية أمنية متكاملة ترتكز على النهج الاستباقي، والتعاون الدولي، والمعالجة الفكرية. حيث اعتمدت المملكة على سياسة صارمة لتفكيك الخلايا الإرهابية قبل تنفيذ مخططاتها، من خلال الرصد الاستخباراتي الدقيق والمراقبة المستمرة لمصادر تمويل الجماعات المتطرفة.
إلى جانب الإجراءات الأمنية الاستباقية لملاحقة وتفكيك الخلايا الإرهابية، بما فيهم ما بات يصطلح عليهم أمنيا ب"الذئاب المنفردة"، تبنى المغرب برامج لإعادة تأهيل المتطرفين، أبرزها برنامج "مصالحة"، الذي يهدف إلى إعادة دمج السجناء المدانين في قضايا الإرهاب داخل المجتمع، عبر مراجعة فكرية وإصلاح نفسي واجتماعي، ما يعكس رؤية شاملة تتجاوز الحلول الأمنية الصرفة إلى معالجة جذرية لأسباب التطرف.
دور محوري في مكافحة الإرهاب دوليًا
لم يقتصر دور المغرب على حماية أمنه الداخلي، بل أصبح فاعلًا أساسيًا في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. فقد عزز تعاونه الأمني والاستخباراتي مع عدة دول، خصوصًا الولايات المتحدة، وأوروبا، ودول إفريقيا، مما مكّنه من الإسهام في إحباط عمليات إرهابية عابرة للحدود.
كما أن انخراط المغرب الفاعل في التحالف الدولي ضد "داعش" جعله شريكًا استراتيجيًا في محاربة الإرهاب العالمي. وأشاد التقرير بنموذج التنسيق الأمني المغربي، معتبرًا أن المملكة لعبت دورًا رئيسيًا في التصدي لشبكات التطرف في المنطقة المغاربية والساحل الإفريقي.
استثناء مغربي في بيئة مضطربة
رغم نجاحه في الحفاظ على استقراره، يبرز المغرب كاستثناء في بيئة إقليمية تعاني تحديات أمنية متزايدة. فقد صنف التقرير الجزائر في المرتبة 42 عالميًا بدرجة 2.415، بينما جاءت تونس في المرتبة 43 بدرجة 2.184، وسجلت ليبيا تحسنًا طفيفًا محتلة المرتبة 53 بدرجة 1.612.
أما في منطقة الخليج العربي، فقد شهدت سلطنة عمان أول هجوم إرهابي منذ عام 2010، بينما سجلت السعودية وقطر والكويت تحسنًا ملحوظًا في مستويات الأمن، ما يعكس تباينًا واضحًا في المؤشرات الأمنية بين دول المنطقة.
هل يستمر النجاح المغربي؟
نجاح المغرب في التصدي للإرهاب وسط عالم مضطرب يعكس فعالية سياساته الأمنية، لكنه في الوقت ذاته يطرح تساؤلات حول مدى استدامة هذا الاستقرار في ظل التهديدات المتجددة. ومع تصاعد المخاطر في إفريقيا ومنطقة الساحل، يبقى التحدي الأكبر هو تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمنع تمدد هذه المخاطر إلى الدول المستقرة.
وفي ظل التطورات الأمنية المتلاحقة، يواصل المغرب عمليات التحديث المستمر للاستراتيجيات الأمنية، وتعزيز اليقظة الاستخباراتية، والعمل على اجتثاث جذور التطرف.
التعليقات