عبده وازن


بادرة لافتة جداً تلك التي أطلقها المجلس الوطني للثقافة في دولة قطر معلناً عن جائزة للرواية العالمية تبلغ قيمتها ثلاثة ملايين دولار. هذه البادرة ليست إشاعة تروّجها الصحافة العربية كما قد يظن البعض، نظراً الى ضخامة المبلغ المادي، فالجائزة حقيقية وقد وضع لها المجلس القطري مشروع قانون، كما صرّح رئيسه محمد عبدالرحيم كافود متحدثاً عن رغبة دولة قطر في laquo;رعاية الآداب ومنها الأدب الروائي الذي يحظى باهتمام كبير في الثقافة العالمية المعاصرةraquo;.

الصحف العربية التي نشرت هذا الخبر سارعت الى المقارنة بين الجائزة القطرية وجائزة نوبل معتبرة ان الجائزة العربية تبلغ ثلاثة أضعاف الجائزة السويدية. هذا ما ركزت عليه الصحافة العربية التي لم تر في الجائزة إلا قيمتها المادية. ولعلها لم تخطئ في ذلك لأن قيمة الجائزة تكاد لا تصدق، ولم تبلغها حتى اليوم أي جائزة أدبية. والمثير في الأمر ان الجائزة كما افاد المجلس، تمنح لروائي واحد ولا يتقاسمها اثنان.

أياً تكن شروط هذه الجائزة ونظامها التأسيسي فهي تظل ظاهرة فريدة، عربياً وعالمياً. أولاً في قيمتها المادية، وثانياً في انفتاحها على آداب العالم كافة. ولم يعلن رئيس المجلس القطري استبعاد اسرائيل من معترك الجائزة. واذا سُمح للروائيين الاسرائيليين بالترشح اليها، فهي ستثير جدلاً كبيراً ولغطاً، هي في غنى عنهما. لكن هذا الامر لا بد له من ان يتضح لاحقاً.

لعل المشكلة الأولى التي تعتري هذه الجائزة هي قيمتها المادية التي ستلفت وحدها الروائيين والنقاد والاعلاميين. ومن دون هذه القيمة لن تتمكن من إثارة فضول الروائيين، لا سيما العالميين منهم. فماذا يعني ان يترشح الى هذه الجائزة روائيون مرشحون دائماً للفوز بجائزة نوبل لو لم تكن قيمتها مغرية، ومغرية جداً؟ هل ستضيف هذه الجائزة رصيداً آخر الى رصيدهم الاصلي، او هل ستزيد من شعبيتهم؟ ولا شك في ان الكثيرين سيعتبرونها جائزة مادية فقط، هذا إذا شئنا ان نكون صريحين.

ومن الاسئلة التي ستطرحها الجائزة سؤال حول قيمتها المادية نفسها: لماذا حَصْر هذا المبلغ الضخم بروائي واحد عوضاً عن منحه لثلاثة مثلاً؟ قد يُفهم من هذا الامر ان المجلس القطري يريد للروائي إما ان يكون ثرياً وفاحش الثراء، وإما ان يكون فقيراً او من مواطني الطبقة الوسطى على اقصى حد. تُرى أليس من العدل والإنصاف إتاحة الفرصة لثلاثة روائيين (وربما أكثر) كي يتنعّموا بهذه الجائزة ويتخطوا أزماتهم المادية والحياتية؟ هذه الثروة قد تصدم الروائي عندما يحصل عليها وحده وتنقله فجأة من ضفة الى اخرى ويصبح laquo;مليونيراًraquo; هكذا بالمصادفة، بين ليلة وضحاها.

السؤال الذي يمكن طرحه ايضاً هو: هل ستكون اللجنة التي تشرف على منح الجائزة، قادرة على متابعة الحركة الروائية العالمية وملمة بما يُنجز من اعمال مهمة، وعلى بيّنة من الاسماء الكبيرة في هذا الحقل؟ ثم ما هي المعايير التي ستعتمد في اختيار الروائي الفائز؟ هل هناك من محظورات سياسية وغير سياسية تحول دون موضوعية الجائزة ونزاهتها؟ السؤال يجر السؤال والأجوبة الشافية قد يمتلكها المجلس الوطني للثقافة في قطر وقد لا يمتلكها. فالصفة العالمية لهذه الجائزة تثقل كاهلها وتجعلها عرضة للنقد والمساءلة، عطفاً على قيمتها المادية التي لا يمكن إلا أن تسمها بطابع الاعتداد والغطرسة المالية.

لا أحد يدري ايضاً لماذا حُصرت هذه الجائزة بالرواية فقط وأُبعد الشعر عنها إبعاداً ظالماً؟ ألأن زمننا هو laquo;زمن الروايةraquo; كما عبر الناقد جابر عصفور في عنوان احد كتبه، ام لأن الشعر لا يستحق ان يُكرّم ويُحتفى به، مع انه من ارقى الفنون وأشدها عمقاً وجمالية؟ انها ربما laquo;الموجةraquo; الرائجة الآن في العالم الذي بات قراؤه ونقاده غير مبالين بالصنيع الشعري وميالين الى الفن الروائي الذي يجذبهم ويفتنهم ويسليهم.

وما تجب ملاحظته ان المجلس القطري أعلن عن جائزته عشية الاعلان عن منح جوائز laquo;نوبلraquo; خلال بضعة أيام. ترى أهي مصادفة بريئة ام ان الهدف مزاحمة laquo;نوبلraquo; على الفن الروائي؟