علي سعد الموسى


لبضع دقائق، دخل الرئيس - الحماسي - إسماعيل هنية، في نوبة إغماء وهو يخطب في الحشود صائماً يوم الجمعة الفائت. لم يعد في العالم اليوم من يطيل الخطب إلا العرب وفيديل كاسترو وربما سجل التاريخ أن الاثنين، هنية وكاسترو، أول من دخل حالة الإغماء على أثر خطاب ملتهب. ومع كل دقيقة يزيدها كاسترو، أسبغ الله عليه ثوب العافية، في خطبه يزداد عدد القادمين إلى ما تحت خط الفقر في كوبا إن كان لا يزال فوقه أحد، وهنا في غزة لن تدفع الجمل البليغة ولا فقرات الحماس راتب شهر لموظف واحد من تلك الطوابير التي تنتظر منذ بضعة أشهر. وكنت أظن أن عهد الخطب العربية الرنانة قد ولَّى لولا تعاقب السيد حسن نصر الله وإسماعيل هنية على المنبر المحروس في جمعتين متتاليتين. لم يقل أحد لإسماعيل هنية جملة تختصر كل الحماس حتى وإن كانت الجملة قاسية مؤلمة. لم يقل له أحد: إن الثورة لا تقاد بفارس يأتي راكباً حصان الديموقراطية، لأنه حين قبل بالمقعد الساخن في رئاسة الوزارة كان يعرف - المسامير - التي تثبت هذا المقعد.

إنه يتحدث عن حكومة شرعية منتخبة، وهذا صحيح في المطلق، لكن الشرعية والانتخاب جاءا لأنه وحركته المصونة قد قبلا من قبل بقواعد اللعبة. وقواعد اللعبة التي ثبتت له الكرسي الساخن هي مسامير الاتفاقيات المبرمة بين السلطة وإسرائيل. لم تدخل حماس، ولا فتح من قبلها، إلى غزة على الخيول ولم يكن إسماعيل هنية على ظهر دبابة في طريقه للمبنى الرئاسي. هذه هي الحقيقة التي لا يريد سماعها، ولم نكن أيضاً نود أن نسمعها معه.

وأخشى ما أخشاه عليه، وقد وقعت الخشية بالفعل، أن يفيق زعيم حماس فلا يجد حوله من المخلصين إلا وزير خارجية من دولة عربية، ومن المؤسف جداً في المشهد الفلسطيني أن يتقزم الاهتمام ليصل الأمر إلى أن يصدق وزير مثل جاسم بن جبر أن لديه حل المعضلة الفلسطينية.

وإذا انفضَّ كل ثقيل عاقل من عواصم القرار العربي الكبرى من حوله، فلن يجد زعيم حماس إلا محور بشار ومشعل وحسن نصر الله وجبر بن جاسم وهو محور - طارئ - على التاريخ الفلسطيني والعربي حتى وإن سدوا الفراغ بالخطب أو تمويل القنوات القضائية. وهنا، وستثبت الأيام فرضيتي، ستتحول حماس إلى كابوس على هذا الشعب، لأن العالم سيعاقبه إن اختارها للسلطة وسيكون عقاب الحركة كارثياً مأساوياً لهذا الشعب إن طلب منها الراحة قليلاً حتى تفيق من الإغماءة.