فؤاد مطر


قُضي الأمر الذي عليه غردت دولة قطر خارج السرب العربي، فلم تؤازر ابن أمتها الأمير زيد بن رعد في معركة الحصول على منصب الأمين العام للأمم المتحدة، مفضِّلة عليه الكوري الجنوبي بان كي مون، وذلك في مرحلة عمليات التصويت الاختبارية للدول الاعضاء في مجلس الأمن. ولقد صادف الاعلان عن التوصية الرسمية لمجلس الأمن باختيار وزير الخارجية الكوري ليكون اميناً عاماً في اليوم نفسه (الاثنين 9 ـ 10 ـ 2006) للاعلان الرسمي من جانب كوريا الشمالية عن إجراء تجربتها النووية تحت الارض غير مبالية بالنصائح التي جاءت في صيغة تحذيرات وتلويحات بالعقوبات. وهكذا يكون يوم الاثنين 9 اكتوبر 2006 هو يوم كوري على المستوى العالمي وبطبعتين: واحدة سياسية دبلوماسية ارادتها أميركا البوشية من نصيب كوريا الجنوبية، وإلاَّ فما هو مبرر تفضيل قطر للصديق الكوري البعيد على حساب الشقيق الاردني القريب.. هذا اذا اعتبرْنا وجود صداقة قَطَرية ـ كورية جنوبية وهو أمر غير ملحوظ من جانبنا كإعلاميين مهتمين بما يحدث في العالم من القطب الى القطب.

وفي معرض التوضيح لإعلان الصيغة الرسمية لاختيار الامين العام الجديد للأمم المتحدة الذي سيخلف مع مطلع العام 2007 الأمين العام الحالي كوفي انان، قال مندوب اليابان لدى الأمم المتحدة كينزو اوشيمو الذي يترأس المجلس، إن التوصية بانتخاب بان كي مون قُدِّمت رسمياً للدول الـ192 الاعضاء في الجمعية العامة بحسب ما ينص عليه ميثاق المنظمة الدولية ـ وبذلك انسحب المرشحون الستة الآخرون، ومن بينهم المخذول العربي من قطر الأمير زيد بن رعد مندوب الأردن لدى الأمم المتحدة. وعدم تصويت دولة قطر العضو الحالي في مجلس الأمن لمصلحة الأمير زيد كان تصرفاً غير مستحب لعدة اعتبارات من بينها أن الرجل عربي، وانه مرشح الجامعة العربية بما يعني انه مرشح كل الدول الاعضاء. ومن الاعتبارات ايضاً انه مسلم، وبات مطلوباً وبالذات في هذا الزمن الذي يواجه فيه الاسلام سهاماً من كل صوب ان يترأس الأمانة العامة للأمم المتحدة أحد أبناء أمة المليار ونصف المليار من دون ان يعني كلامنا هذا أن الدكتور بطرس غالي عندما ترأس الأمانة العامة من العام 1991 الى العام 1996، لم يكن يمثل هذه الأمة. فهو ابن الدولة العربية الكبرى مصر وكونه مسيحياً ومن المنظِّرين لعملية السلام وفق رؤية الرئيس الراحل انور السادات واتفاقية laquo;كامب ديفيدraquo; لا يلغي حقيقة انه يمثِّل الأمتين العربية والإسلامية.

وإلى ذلك ان الأمير زيد من النخبة العربية ذات الثقافة العالية والخبرة الدبلوماسية، وانه من العائلة المالكة.. وهو أمر له اعتباره في محيط العائلات الحاكمة في دول الخليج وفي الأردن والمملكة المغربية.

قد تكون هنالك حساسيات غير ظاهرة بين المملكة الاردنية ودولة قطر، أو بين المملكة ووزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم. لكن مثل هذه الحساسيات لا تجيز للوزير القطري ان ينشط لمصلحة مرشح كوريا الجنوبية ضد ابن الامتين الأمير زيد بن رعد. وحتى التبرير الذي خلاصته ان الشيخ حمد كان وعد كوريا الجنوبية بالتصويت لمصلحة مرشحها لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة وزير الخارجية بان كي مون، لا يبدو مقنعاً، ذلك ان هذا الوعد بافتراض حدوثه يتراجع امام بروز المرشح الأردني، واعتباره مرشح الجامعة العربية. وفي هذه الحال فإن اعتذار قطر لكوريا الجنوبية عن تغيير رأيها كان سيبدو مقبولاً وموضوعياً. وعندما لم تفعل قطر، فهذا يعني ان المسألة هي الإصرار على عدم تمكين المرشح الاردني من الفوز.

هذا التصرف تحوَّل الى ازمة دبلوماسية بين دولتين شقيقتين وصلت الى حد أن الاردن استدعى سفيره من الدوحة، فضلاً عن إدراج بعض المفردات الحادة في سياق التعبير الاردني عن الانزعاج مما حدث.

ومع ان هذا التصرف ليس جديداً على الحياة السياسية العربية، حيث سبق ان قطعت مصر قبل اربع سنوات الطريق على الدكتور غازي القصيبي (الوزير السعودي الحالي) اليسير فوزه بمنصب مدير اليونيسكو، وذلك بعدم سحب المرشح المصري العسير وصوله، وبذلك غدت الساحة لمصلحة المرشح الياباني تويشيرو ماتسورا، إلاَّ ان الواقعة التي نشير اليها تبقى في بعض جوانبها تندرج تحت بند المناكفة البسيطة، وليس بند المناكفة الخشنة على نحو ما فعلت قطر مع الأردن.

في أي حال لا بد من ضوابط في العمل العربي المشترك، ومن بينها انه عندما يكون للجامعة العربية مرشح يمثل كل الدول الاعضاء لمنصب دولي، ان يكون هنالك التزام من كل الدول هذه ليس فقط بالتصويت له من جانب من يملكون التصويت، وإنما العمل بإخلاص لتأمين فوزه بالمنصب. ومِن هنا فإننا عندما نتأمل في ما فعلَتْه قطر لا نملك سوى الاستغراب.. بل الاستهجان.