الأربعاء13 ديسمبر2006
مارك كوبر
كان من مفارقات القدر أن يموت ديكتاتور تشيلي السابق quot;أوجستو بينوشيهquot; يوم الأحد الماضي بالذات والذي يوافق ذكرى الاحتفال السنوي بحقوق الإنسان.
في البداية أصيب quot;بينوشيهquot; بأزمة قلبية، ظن أنها قد جاءت في وقتها حيث استدعت نقله للمستشفى وجنبته بالتالي المثول أمام المحكمة لمقاضاته بتهمة قتل شخصين، كان قد أصدر أوامره بتصفيتهما منذ ثلاثين عاماً. والحقيقة أن تلك لم تكن هي المرة الأولى التي تلعب صحة quot;بينوشيهquot; المعتلة دوراً في إنقاذه حيث جنبته مرتين على الأقل خلال الخمسة أعوام الماضي من احتمال المثول أمام القضاء لمحاكمته بتهم تتعلق بالقتل والاختطاف والتعذيب.
وإذا ما كانت العدالة البشرية لم تنجح في الاقتصاص من الديكتاتور، فإن العدالة الإلهية أصدرت هذه المرة حكمها النهائي وشاءت أن يكون صدور ذلك الحكم في أنسب أيام السنة.
ومهما تحدث البعض عن إنجازات quot;بينوشيهquot; الاقتصادية في تشيلي(والتي لا تزال محل جدل من قبل الكثيرين حتى اليوم)، فإن تلك الإنجازات لا يمكن أن تخفي أبداً حقيقة فظائع فترة حكمه البشعة التي ساس فيها شعبه بالحديد والنار، وفرض عليه المذلة والخنوع، وطمس بين عشية وضحاها تراث تشيلي العريق في الديمقراطية والذي يبلغ عمره مئة عام.
ولكن نظراً quot;لأن لون الدم لا يمكن نسيانهquot;، كما يقول المثل الشعبي التشيلي، فإن وحشية quot;بينوشيهquot; كان لا بد وأن تستدعى أشباح الضحايا التي راحت تطارد الطاغية في كل مكان وتقض عليه مضجعه. تجسدت تلك الأشباح في صورة جمعيات ومجالس ولجان تحقيق راحت تنبش في كل مكان وراء الديكتاتور، وتقدم عنه عشرات من التقارير التي تفصل كافة وقائع عصر التعذيب والرعب الذي عاشته تشيلي أثناء حكمه.
وعلى الرغم من خروجه من الحكم، فإن quot;بينوشيهquot; ظل متمسكاً بغروره وخيلائه. غير أن ذلك لم يجده نفعا حيث تمكنت مجموعة صغيره من دعاة حقوق الإنسان في النهاية من اختراق جدار الحصانة الذي أحاط به نفسه وظن أنه سيحميه إلى الأبد.
وعلى الرغم من أن الحكومة المدنية التي خلفته في الحكم في تشيلي قد جبنت عن محاكمته، فإن مجموعة من القضاة الشجعان في إسبانيا لاحقوه بتهمة قتل بعض الإسبان البارزين خلال سنوات حكمه الديكتاتوري.
وقاد الغرور بينوشيه الذي كان لا يزال يظن أن حصانته كرئيس سابق ستحميه إلى ارتكاب خطأ فادح والقيام بزيارة للعاصمة البريطانية لندن. واستغل القضاة الإسبان الفرصة التي جاءتهم على طبق من ذهب وتقدموا بمذكرة للقبض على بينوشيه للسلطات البريطانية التي قبضت عليه بالفعل وقامت بوضعه قيد الحبس.
وبعد 500 يوم من الحبس في بريطانيا طردته سلطاتها وأعادته إلى تشيلي. وفي تشيلي كان المجتمع المدني الذي كان لا يزال يمر بمرحلة استعادة قواه على استعداد لمواجهة الرجل. وهكذا انهال على quot;بينوشيهquot; طوفان من الاتهامات والإدانات التي أطاحت بأي إنجاز كان يمكن أن ينسب إلى فترة حكمه. وتمت إدانته بالفعل بارتكاب تهم عديدة كما كان يواجه 200 تهمة أخرى تتعلق بارتكابه مخالفات جنائية.
لقد مات بينوشيه قبل أن يحاكم على تلك التهم كلها، غير أن عدداً من كبار قادته العسكريين أدينوا بالفعل بارتكاب مخالفات عديدة وانتهاكات خلال فترة حكمه، كما تم تعويض 30 ألفا من أبناء تشيلي من ضحايا التعذيب ومنحهم تعويضات مالية.
إن تشيلي لن تصحح مسارها أبدا إلا إذا ما تم كشف كل الحقيقة عما حدث خلال فترة حكم الطاغية، ومنها على سبيل المثال الكشف عن مصدر الأرصدة الضخمة التي قام بإيداعها في حسابات أجنبية. هل تلك الأرصدة تمثل نصيبه في صفقات أسلحة أو صفقات مخدرات أو الاثنين معاً ومن هي الشخصيات الأخرى التي تورطت معه في ذلك.
هناك أيضاً المئات من حالات الاغتيال والتغييب القسري للنشطاء السياسيين، كما لا يزال هناك طابور طويل من الأشخاص الذين شاركوا الديكتاتور في انتهاكاته الإجرامية ولم يتم تقديمهم بعد إلى المحاكمة.
لا شماتة في الموت ... هذا صحيح، بيد أن الاستجابة المطلوبة لموت الديكتاتور، تتمثل في قيامنا بمضاعفة جهودنا من أجل التنقيب عن وفضح كافة الممارسات البشعة التي تمت في عهده كي نقوم بدفنها بعد ذلك إلى الأبد مع جثمان مرتكبها.
أستاذ الصحافة الزائر بجامعة quot;ساوزرن كاليفورنياquot;- أميركا
التعليقات