السبت: 2006.09.23



دrlm;.rlm; رفعت السعيد



الآن وبعد أن هدأت العاصفةrlm;,rlm; وإن قليلاrlm;,rlm; ومع سهولة التنبؤ بالعودة إلي هبوبها مرة ومراتrlm;.rlm;
وإذ يتعين علينا برغم كل ما كان أن نواصل الحوار حول المزيد من حرية التعبير وتحرير الصحفي من الخوف إذ يمارس مهنتهrlm;.rlm; فإننا بهذه الكتابة ندعو إلي فتح حوار جديد حول هذا الأمر كي تستقر مفاهيم محددة حول ما هو صحيح وما هو خاطئrlm;..rlm; وما هو موجب للحساب أو موجب للعقابrlm;..rlm; وكي نعود فنحاول أن نتحول بما نصل إليه من مفاهيم إلي قواعد ملزمة لجميع الأطرافrlm;.rlm;
rlm;
ونتذكر كمحاولة لتقديم مثال علميrlm;,rlm; كيف أن ثورة يوليو أعلنت منذ يومها الأول أنها تسعي لتحقيق ديمقراطية سليمةrlm;..rlm; وقد كانت هذه الكلمة المطاطة هي محور كل الصراعات وربما كل الأخطاء التي وقع فيها رجال يوليو علي مدي حكمهم فما هو سليم في نظرهم كان مختلفا عما تصوره الآخرونrlm;.rlm;

كذلك يجري الحديث اليوم عن ممارسة الصحافة للحرية المسئولة وهي كلمة مطاطة هي أيضا إن أمسكت بالزئبق يمكنك الإمساك بهاrlm;.rlm;

ولهذا وجدنا من الضروري إعادة فتح هذا الملف بهدوءrlm;..rlm; وبعد أن هدأت العاصفة التي نخشي أن تتجدد مرة أخري ومرات عديدة كي يكون بالإمكان النظر الهادئ لما نحتاج إليهrlm;..rlm; صحافة حرةrlm;,rlm; وحقوق مصونة للأفرادrlm;.rlm;

وابتداء نقرر أن حقوق الصحفيين في التعبير والنشر مسألة مفترضةrlm;,rlm; بل ومفروضة بنصوص دستورية حاسمةrlm;.rlm;

لكن المشكلة التي تستحق دراسة متأنيةrlm;,rlm; ونقاشا مستفيضاrlm;,rlm; هي تلك المساحة الغامضة بين إطلاق حرية الصحفي في الكتابة وبين حقوق الآخرين الذين يتلقون هذه الكتابةrlm;,rlm; أو تمسهم مفرداتها سواء في أشخاصهم أو مهامهم أو سمعتهم أو شرفهمrlm;.rlm;

الصحفيون يستندون دوما إلي حقهم في نقل الخبرrlm;..rlm; وحق القارئ في معرفتهrlm;.rlm; وهنا يقع اختلاف في تحديد تعريف دقيق لما هو الخبرrlm;,rlm; وأعتقد أنه يمكن اتخاذ التعريف التالي هو الإعلام عن فعل جدير بالمعرفة حدث أو سيحدثrlm;..rlm; ولكن هذا التعريف يثير جدلا صاخباrlm;,rlm; فعبارة جدير بالمعرفة تستثير خلافات عديدةrlm;.rlm; جدير بالمعرفةrlm;..rlm; لماذا؟ ولمن؟ وعلي حساب من؟ ولمصلحة من؟ وجدير بالمعرفة في أي مجتمع؟ وتجاه أي تقاليد أو تعاليم دينية؟rlm;..rlm;

فالصحافة الفضائحية أو تلك التي تسمي أحيانا بالصحافة الشعبيةrlm;(rlm; وهي تسمية خاطئة بكل المقاييسrlm;)rlm; أو تسمي أوروبيا الباباروتي تعتبر أن أدق خصوصيات أشخاص وفئات معينةrlm;(rlm; الفنانين ـ السياسيين ـ المسئولين ـ الرياضيين ـ رجال الأعمالrlm;..rlm; إلخrlm;),rlm; هي بالضرورة ملك للجميعrlm;,rlm; أو بالدقة ملك لهذه الفئة من الصحفيين يتخذون منها سبيلا لزيادة توزيع صحفهمrlm;..(rlm; أليست هي الأكثر توزيعا بالفعل؟rlm;).rlm;

ولكنrlm;,rlm; وعلي الطرف الآخرrlm;,rlm; نجد أن الكثيرين يتضررونrlm;,rlm; ويساء إليهم من نشر مثل هذا النوع من المعلومات التي نعتقد نحن أنها ليست جديرة بالمعرفة لدي الغيرrlm;,rlm; لأنها تمس خصوصيات الإنسانrlm;,rlm; أي حقه في العيش دون أن ينتهك إنسان آخر حياته المسالمةrlm;.rlm;

وهذا ما تؤكدهrlm;(rlm; دون جدويrlm;)rlm; العديد من المواثيق الدوليةrlm;.rlm; ففي العهد الدولي لحقوق المدنية والسياسية تنص مrlm;17rlm; علي أن لكل شخص الحق في الحماية القانونية ضد التعدي علي شرفه وسمعتهrlm;.rlm; ويؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مrlm;12rlm; أنه لايجوز إخضاع أي شخص للتدخل المتعسف في خصوصيتهrlm;,rlm; أو عائلتهrlm;,rlm; أو منزلهrlm;,rlm; أو مراسلاتهrlm;,rlm; ولا للتعدي علي شرفه أو سمعتهrlm;.rlm;

لكن هذه الحماية تتفاوتrlm;..rlm; فالمسئولون والجهات الحكومية الإدارية والسياسيون وجميع من يتصدون للعمل العامrlm;,rlm; هم بالضرورة أقل قدرة علي الاستمتاع بهذه الحمايةrlm;..rlm; وقد استقر الفقه سواء في مصر أو العالم علي هذه الحقيقةrlm;.rlm; ويكاد جميع الدارسين لهذا الموضوع يكررون في كتاباتهم عنه قول الفقيه القانوني بارتلميrlm;:rlm; لا جدال في أن للشخص العادي الحق المطلق في أن يترك وشأنهrlm;,rlm; ولكن في ظل الديمقراطية عندما يقدم المرء نفسه إلي مواطنيه بأنه جدير بأن يحكمهمrlm;,rlm; فلا أعتقد أن له الحق في إقامة الحواجز والخنادق حول نفسهrlm;,rlm; وأن يصطنع مناطق محرمة حول تصرفاتهrlm;,rlm; فإن من يهب نفسه يهبها بالكاملrlm;.rlm;

وهذا ما يؤكده أيضا الفقه المصري في هذا الصددrlm;,rlm; إذ يؤكد أن درجة تحمل الشخص العمومي تتناسب طرديا مع نوع المسئولية التي يتولاها وجسامتهاrlm;,rlm; فكلما كان الموضوع الذي تصدي له حساسا ومتصلا بعواطف الجمهورrlm;,rlm; وكلما كانت المسئولية التي يتحملها جسيمةrlm;,rlm; زاد ما ينبغي أن يتحمل من وطأة حرية الفكر فيما يتعلق بالشئون العامة للرجل العامrlm;..rlm; ويجب أن يسلم بإمكان أن يحكم عليه بعض الناس وهم في حدود حسن النية حكما قد يكون مبناه إساءة الظنrlm;,rlm; نتيجة للقلق الطبيعي علي ما يعتقدون أنه حيوي بالنسبة لهمrlm;..rlm; ذلك القلق الذي هو مظهر لشدة شعور المواطن بواجبه العامrlm;(rlm; دrlm;.rlm; محمد عبدالله ـ جرائم النشر ـ صrlm;114).rlm;

ونتأمل هذه العبارةrlm;..rlm; فحتي الشخص العام تحصن حياته الشخصيةrlm;,rlm; وإنما يكون التعرض له في حدود الشئون العامة للرجل العامrlm;,rlm; كما يجب أن يكون الحكم في حدود حسن النية المبنية علي قلق ناجم عن شدة شعور المواطن بواجبه العامrlm;.rlm;
وهي حدود كثيرا ما يتم تجاوزها عند التعرض للشخص العامrlm;.rlm;

وتعبير حسن النية هنا يعني أنه يتعين ألا يكون هناك سوء قصد لدي الصحفيrlm;,rlm; وإنما أن يكون وبحسن نية قلقا علي عدم تحقق مصلحة عامة نتيجة لتصرف ما لشخص عامrlm;.rlm;

لكن مثل هذه المساحات من الكتابة تثير قضية ربما كانت أكثر تعقيداrlm;..rlm; وهيrlm;:rlm; علي من يقع عبء إثبات مدي صحة الوقائع التي نسبت إلي شخص ما وكانت ماسة به أو بسمعته أو شرفه؟

هنا يتعين علي النيابة العامة في حالة رفع الدعويrlm;..rlm; استكمال التحقيقات وإلزام جهة الإدارة بتقديم المستندات الدالة علي صحة أو عدم صحة الواقعة المنسوبة إليها أو إلي أحد رجالهاrlm;..rlm; ذلك لأن مهمة النيابة العامة ليست فقط إثبات التهمةrlm;,rlm; بل إن وظيفتها هي إثبات الحقيقة بجميع صورهاrlm;,rlm; وعلي المحكمة أيضا أن تثبت بنفسها من خلال إجراءات المحاكمة هذه الحقيقةrlm;,rlm; دون أن تجشم المتهم عبء إثبات براءتهrlm;,rlm; فهذه البراءة أمر مفترض ولا محل لإثباتها أمام المحكمةrlm;(rlm; دrlm;.rlm; أحمد فتحي سرور ـ الحماية الدستورية للحقوق والحرية ـ صrlm;750).rlm;

لكن ذلك لا يعني أن يقول الصحفي ما يشاء ويوجه ما يشاء من اتهامات مخليا مسئوليته عن إثبات مدي صحتهاrlm;..rlm; فعلي الصحفي أن يقدم بيانا بالأدلة علي صحة وقائع القذف مثل صور المستندات وأسماء الشهودrlm;,rlm; وبعد ذلك يترك الأمر للنيابة التي تقوم بتحقيق هذه الأدلةrlm;,rlm; حيث تستخدم سلطاتها لاستدعاء الشهودrlm;,rlm; وطلب أصل المستندات الدالة علي صحة وقائع القذفrlm;,rlm; وتحقيق هذه المستنداتrlm;(rlm; دrlm;.rlm; محمد باهي أبو يونس ـ التقييد القانوني لحرية الصحافة ـ صrlm;441).rlm;

كذلك فإنه علي الصحفي في واقعة تصديه بالقذف في حق أحد الأشخاص العامة أن يقدم ما يدل علي أمرين مهمينrlm;:rlm;

ــ صحة الوقائعrlm;(rlm; يقترب من إثبات ذلك ولو بصفة أوليةrlm;).rlm;

ــ حسن النيةrlm;:rlm; بمعني أن يعتقد الصحفي بمشروعية وصحة ما يقولrlm;,rlm; وأن يكون اعتقاده مبنيا علي أسباب معقولةrlm;.rlm;

ذلك أن ركن حسن النية في جريمة القذف يتمثل في أن يكون الطعن صادرا عن حسن نيةrlm;,rlm; أي الاعتقاد بصحة وقائع القذف ولخدمة المصلحة العامةrlm;,rlm; وليس عن قصد للتشهير والتجريحrlm;(rlm; نقضrlm;22rlm; ـrlm;12rlm; ـrlm;1959rlm; ـ سنةrlm;10rlm; قضائيةrlm;).rlm;

كذلك فإن حصانة الشخص العادي ضد القذف تزداد مناعةrlm;,rlm; ويحصنها أيضا افتقاد الشخص العادي للقدرة علي تقديم ما يدل علي براءته مما هو منسوب إليهrlm;..rlm; خاصة إذا كانت التهم أخلاقيةrlm;,rlm; فكيف يمكن لشخص أن يثبت أنه ليس لصا؟rlm;..rlm; أو أنه ليس غبيا؟rlm;..rlm; أو ليس زير نساء؟
كما أن هناك مسألة أساسيةrlm;:rlm; هي ما يتعلق بالأخلاق العامةrlm;.rlm;

وتركز المواثيق والعهود الدولية علي أهمية حماية الأخلاقيات العامةrlm;..rlm; حماية للمجتمع من أن تصيبه بعض الكتابات الصحفية بالضررrlm;.rlm;

ويتفق الكثيرون علي اتساع السلطة التقديرية الممنوحة لجهة الإدارة أو للمحكمة في مواجهة النشر الضار بالأخلاقيات العامةrlm;.rlm;

هنا تنشأ مسألة بالغة الأهميةrlm;,rlm; وهي متعلقة بالفارق الديني والأخلاقي من مجتمع لآخرrlm;..rlm;

وهكذا تنشأ مشكلات حقيقية عندما تحاول بعض منظمات المجتمع المدني الأجنبية أو حتي بعض الجهات الرسمية أو البرلمانية في الخارج فرض معايير غير مصرية للمعتقدات والأخلاقياتrlm;,rlm; كنموذجrlm;..rlm; إذا نشرت صحيفة أوروبية أن السيدة فلانة تقيم مع صديقها في المكان الفلاني وأنها تنتظر مولودا في القريب العاجلrlm;..rlm; هذا الخبر عادي جدا وفقا للمعايير الأخلاقية الأوروبيةrlm;,rlm; ولا يخضع ناشره لأي مساءلة ولا حتي لأي عتابrlm;,rlm; بينما يمثل نشره في مصر كارثة بكل المعاييرrlm;,rlm; سواء للقارئ أو للسيدة التي أشار إليها الخبرrlm;,rlm; أو حتي بالنسبة للقانونrlm;.rlm;

وهكذا وفي هذا الإطار يتعين عند محاولة البعض الاستقواء بضغوط أجنبيةrlm;,rlm; وعلي المتدخلين الأجانب أن يضعوا هذه الفوارق ـ وهي مهمة جدا ـ في اعتبارهمrlm;.rlm;
rlm;
ينبغي بعد ذلكrlm;..rlm; أن نشير إلي أمر بالغ الأهميةrlm;,rlm; بل لعله الأكثر أهميةrlm;,rlm; وهو دور نقابة الصحفيينrlm;,rlm; ليس باعتبارها فقط مسئولة عن الدفاع عن حرية الصحفيين في التعبير والنشرrlm;,rlm; وإنماrlm;,rlm; هذا أساس حماية المهنة وسمعتها وسمعة العاملين بهاrlm;,rlm; بل وحماية الصحفيين من سيف اللجوء إلي القضاء لمحاسبتهم ولا يكون ذلك بمجرد الحماس للدفاع عن كل فعل أو خطأ ارتكبه الصحفيrlm;,rlm; بل يتعين أن تكون هي الحامي الفعلي لشرف المهنةrlm;,rlm; وأن تتولي هي وعلي الفور مساءلة المخطئ من أعضائهاrlm;,rlm; وليكن العقاب بقدر الخطأrlm;,rlm; وإن احتاج الأمر لعقاب رادع فليكنrlm;..rlm; وساعتها لن يلجأ أحد إلي القضاء ولا لإعمال القانون الذي نختلف مع كثير من معطياتهrlm;,rlm; بل سيلجأون إلي النقابة التي ستصبح ساعتها حصنا حقيقيا لحرية الصحافة ولحرمة المواطنrlm;.rlm;

كذلك يتعين علينا أن نتوقف وأن تتوقف النقابة عند المفردات المستخدمة في الكتابةrlm;,rlm; فلقد يكون الخبر صحيحا ولدي الصحفي ما يكفي من مستندات لإثبات حسن نيته وصحة ما كتبهrlm;,rlm; لكن المفردات تأتي منافية لأخلاقيات الكتابةrlm;.rlm;

فالصحفي مسئول عن حماية المجتمع من ترويج مفردات لو شاع استخدامها لأصبحت التعاملات بين الأفراد متردية في هاوية لا أخلاقيةrlm;.rlm; كذلك فإنه علي الصحفي أن يحاذر من تقديم موضوعات تعد ترويجا لموضوعات تعمل علي جر المواطن والمجتمع إلي رؤي متخلفة ومناقضة للعقلrlm;,rlm; أو تروج لفكر متخلف وغير عقلانيrlm;.rlm;

وإذا لم تقم النقابة بدورها هذاrlm;,rlm; فإن جنايتها ستكون في نهاية الأمر علي الصحافة كمهنةrlm;,rlm; إذ ستتحول إلي غابة يسود فيها الأطول لساناrlm;..rlm; والأقل أدبا والأكثر تبجحاrlm;,rlm; وساعتها ستصبح حرية الصحافة عبئا علي المجتمع ككلrlm;,rlm; وهنا يصبح من السهل افتراس هذه الحرية وسط مباركة من جمهور عاني من هذه الحرية بأكثر مما استفاد منهاrlm;..rlm; ولا حيلة لنا نحن المتهمين بحرية الصحافة والمدافعين عنها إلا أن نسعي لحمايتهاrlm;,rlm; مما يأتي من داخلها قبل أن نشكو مما يأتي من خارجهاrlm;,rlm; ويتألق في خاطري بيت شعر قديمrlm;:rlm;
دواؤك فيك ولا تشعر
وداؤك فيك ولا تبصر