سعد محيو
هل كان نائب الرئيس السوري فاروق الشرع محقاً، حين قال إن المؤتمر الدولي في بغداد ldquo;جاء متأخراً سنتين؟rdquo;.
وهل صحيح أن القمة السعودية - الإيرانية، وبرغم محصلات إيجابية ما متوقعة منها إزاء لبنان، جاءت بدورها متأخرة بدورها سنتين او ثلاث؟
ثم: ماذا عن القمة العربية في الرياض، والقمم العربية - ldquo;الإسرائيليةrdquo; السرية منها والعلنية، والقمة السباعية الإسلامية في إسلام أباد، والقمم الثنائية العربية الخفية منها والمعروفة، ولقاءات وصفقات مجلس الأمن، هل جاءت هذه كلها أيضاً بعد أوانها؟
الإجابة على هذه القضايا المعقدة، تتطلب أن نرد أولاً على السؤال الأهم: ما هو هذا الأمر الذي جاء متأخراً؟
إنه، ببساطة، فرصة، أو فرص، الحلول السلمية في الشرق الأوسط الكبير. وهي فرصة، أو فرص، بدا بالفعل أنها جاءت سريعاً ورحلت سريعاً.
بداية القصة انطلقت أواخر العام ،2004 حين اتضح أن أمريكا المنتصرة عسكرياً في العراق، انهزمت سياسياً. آنذاك، توافرت ظروف دولية وإقليمية كانت ستؤدي لو تم اقتناصها إلى إعادة ترتيب منظومة الشرق الأوسط الكبير، وفق الأسس الناجحة نفسها التي أرسى عليها النظام الاوروبي في إطار منظمة التعاون والتنمية.
وهذا كان يمكن أن يحدث لو أن مؤتمر بغداد المقبل بعد أيام، وقبله مبادرة بيكر - هاميلتون، أقرتا ونفذتا في وقت مبكر.
لماذا أجهضت هذه الفرصة؟ لأسباب عدة:
إدارة بوش لم تكن (وربما لا تزال الآن) في وارد التخلي عن طموحاتها الكبيرة في الشرق الأوسط الكبير. وهي، بالمناسبة، طموحات لا علاقة لها سوى بالصدفة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ولها كل علاقة عن سابق تصور وتصميم بالنفط وحرب الموارد. هذه الادارة كانت، والأرجح أنها لا تزال، مصممة على الاستفراد بكل النفط العربي، والقزويني، والسوداني، والإفريقي الشمالي. وبالطبع، حين توجد إرادة الاستفراد، تتبخر إمكانات التسويات الجماعية.
ldquo;إيران- الجديدةrdquo;، التي ولدت مع انتخاب رئيس يعتقد أنه على صلة مباشرة، أو تحت رعاية شخصية، من العناية الالهية، كانت مؤشراً على أن الجمهورية الإسلامية قررت الانغلاق الايديولوجي على نفسها داخلياً، مع شن ldquo;الجهاد السياسيrdquo; في الخارج. وجاء التعثر الأمريكي في العراق ليعزز قناعاتها بأن المجابهات أمضى سلاحاً من التسويات، فتم إطلاق المشروع النووي من عقاله، وفتحت الخزائن لتمويل الحلفاء في الهلال الخصيب العربي بمئات ملايين الدولارات، ومدت الأذرع الأمنية والاستخبارية والتمويلية إلى العراق.
أوروبا وروسيا، اللتان أصيبتا بالهلع من ابتلاع أمريكا للعراق، قررتا الجلوس فوق السور لمراقبة الثور الأمريكي وهو يتخبط بدمائه في الحلبة الشرق أوسطية، برغم أن هزيمة هذا الأخير كانت ستطلق في وجههما كل شياطين الارهاب والهجرات واللااستقرار. هنا أيضاً تغلب همّ الطاقة والنفط على الاهتمامات الإستراتيجية الأخرى.
الدول العربية الإقليمية الرئيسة (كما أشرنا في هذه الزاوية قبل أيام)، انكفأت على نفسها خوفاً على أنظمتها، ولم تتحرك إلا بعد أن بدا واضحاً أن واشنطن لم تعد قادرة على الحركة.
كل هذه العوامل مجتمعة، مع ما رافقها من متغيرات وتغييرات في موازين القوى، جعلت الشرع على حق حين تحدث عن ldquo;الحدث المتأخرrdquo;، وأثارت الشكوك حول احتمالات نجاح كل المشاريع الدبلوماسية الراهنة في المنطقة.
وإذا ما صح هذا الافتراض، والأرجح أنه صحيح، فهذا يفرض طرح سؤال آخر: إلى أين من هنا؟
التعليقات