الجمعة 16 مارس 2007
سورية أمام مجموعة فرص اختبارها الأساسي المحكمة الدولية
صوفيا - د. محمد خلف، الوطن
الممثل الاعلى للشؤون السياسية والامنية في الاتحاد الاوربي خافير سولانا تحدث مع الرئيس السوري بشار الاسد غيابيا من بيروت حينما وجه رسالة له في مؤتمره الصحافي مع رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السينورة قائلا ان موقف دمشق من لبنان وحماية استقراره والمحكمة ذات الطابع الدول هو المحك الاساسي الذي يترتب عليه مستقبل العلاقات الاوربية - السورية، موضحاً ان الاوربي كلفه نقل هذه الرسالة للاسد آملاً بان يتجاوب معها لان الفرصة مازالت متاحة لسورية لان تكون جزءاً من الحل وليس المشكلة.
خريطة سولانا
وكانت دمشق اتخذت موقفا متشدداً من هذه المطاليب الاوربية خلال المحادثات التي اجراها وزير الخارجية البلجيكي فيرهوفشتات مع نظيره السوري المعلم والتي وصفها سولانا بانها لم تكن ايجابية ولا مشجعة وتستدعي منا التشدد مع السوريين وفق تعبيره.
فيرهوفشتات كان كشف ماسبق لنظيره الالماني فرانك شتايمر ولشخصيات سياسية بريطانية مالمسه عن نية دمشق في التعاون في الشأنين العراقي والفلسطيني وامتناعها الكلي عن التفاعل مع المشكلة اللبنانية او حتى مناقشتها.
وكما قال سولانا شخصياً فانه سيعرض على الرئيس الاسد خريطة يحملها معه كمثل لبنان وحدوده الواضحة توضح كما قال ايضا ان تهريب السلاح لـ حزب الله وحلفائه لا يحصل عبر البحر حيث يوجد الاوربيون ولاحتى عبر الجنوب لانه امر غير منطقي، متسائلا يوجد في لبنان الكثير من السلاح، فما هو مصدره اذن؟
في هذا السياق كانت مصادر دبلوماسية اوربية كشفت ان اسرائيل سلمت المسؤول الدولي مايكل ويليامس الذي كان زارها قبل ايام معلومات معززة بالادلة والوثائق عن تهريب الاسلحة من سورية الى لبنان فيما اعلنت سلطات الامن اللبنانية عصر الثلاثاء الماضي ماوصفته أول انحاز منذ اغتيال الحريري مشيرة الى اعتقال اربعة سوريين من اصل مجموعة من ستة اشخاص ينتمون لتنظيم فتح الاسلام نفذت التفجير المزدوج في بلدة عين علق في 13 فبراير الماضي وهي ترتبط بالمخابرات السورية مباشرة.
ويعتقد العديد من المحللين الاوربيين ان بامكان السياسة الخارجية الأوروبية ان تساعد في تقوية الحوار مع دمشق فيما يتعلق بملفات المنطقة وبشكل خاص اللبناني. ويرى باحثون في المعهد الالماني للشؤون الدولية والامنية ان سورية يمكن ان تكون جزءاً في العالم المرتبط بالغرب وذلك من منظور انه ليس لدى الاتحاد الاوربي (محور شر) كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة.
ويعتقد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البوندستاغ روبرت بولنز ان على سورية ان تعترف بلبنان كدولة وتنشىء لها سفارة هناك وتعمل على دمج حزب الله بالدولة مشيراً الى ان هذا سيساعدها على الحصول على جار قوي افضل من جار على حافة الحرب الاهلية.
تردد ومقاطعة
وبعد اشهر في التردد الاوربي سبقتها اشهر في المقاطعة بدأت حركة سياسية اوربية .. امريكية باتجاه العاصمة السورية بشكل يعكس استجابة النصائح وتوصيات لجنة بايكر - هاملتون التي اعتبرت في تقريرها الحديث مع دمشق بشأن الملفات الساخنة في الشرق الاوسط ضروري ومحتم وهو (توجه لم يكن ليحدث لولا المرونة الامريكية من سورية والتي بدأت مع ارسال مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون اللاجئين والسكان ايلين سوربر ي الى مدشق وهي ارفع اتصالات بين البلدين منذ زيارة نائب وزير الخارجية السابق ريتشارد ارميتاج في يناير 2005 قبل قرار الرئيس بوش سحب سفيرته مارغريت سكوبي من العاصمة السورية بعد يومين على اغتيال الرئيس الحريري، والتي يبدو انها ـ الاتصالات ـ ستنتهي بالدردشة التي استغرقت بضع دقائق بين الوفد الامريكي لمؤتمر بغداد الذي ضم السفير خليل زاد ومنسق شؤون العراق في الخارجية ديفيد ساترفيلد مع اعضاء الوفد السوري برئاسة معاون وزير الخارجية احمد عرنوس.
ومما لا شك فيه ان الموقف الامريكي الجديد من سورية وإيران يحمل في جوهره تحولاً في اطار الاستراتيجية الجديدة لبوش نحو البراغماتية وسياسة الاحتواء في التعامل مع المأزق العراقي، تقف خلفه الوزيرة رايس التي اصبحت وفق المحلل في التايم سكوت ماكلويد المحرك الاقوى لهذه السياسة على حساب نائب الرئيس تشيني.
ثوابت أوروبا اللبنانية
وتشير التطورات السياسية إلى ان اوروبا التقطت المرونة الامريكية وربما يكون بتوافق مشترك بينهما، وسخرتها لتقوية التيار الداعي للانفتاح على دمشق والذي يتزعمه وزير الخارجية الالماني شتاينمر الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الاوروبي على الرغم من علامات الجمود السوري وتشدده في الملف اللبناني.
ولعل زيارة سولانا تمثل (فرصة الربع الساعة الاخير) المتاحة للرئيس الاسد لاثبات نيته على التغيير والتعاطي الايجابي مع المسائل الحساسة التي تلبد اجواء المنطقة، لأن البديل سيكون كارثيا على النظام نفسه لا سيما وان الاوربي كرر في قمته الاخيرة قبل ايام في بروكسيل (الثوابت) ازاء لبنان وبشكل خاص المحكمة ذات الطابع الدولي التي ستقر تحت الفصل السابع ولكن بصيغة لا تعتبر لبنان دولة من دون سيادة وانما اعتبار بعض مؤسساته معطلا وممنوعا من العمل وبالتالي منح الحكومة اللبنانية حق اختيار القضاة وفق القانون اللبناني.
بازار اقليمي
وتعكس التطورات الاخيرة المتسارعة على خطة ايران سورية قبيل انعقاد مؤتمر بغداد الدولي والقمة العربية في الرياض تنسيقا بين الدولتين هدفه مواجهة الاستحقاقات والتحديات المقبلة امامهما، وهو في المحصلة النهائية يستهدف رفع ثمن سورية السياسي وتعزيز اوراقها ما دام البازار السياسي شرع ابوابه، وهذا ظهر جليا في زيارة وزير الدفاع الايراني اللواء مصطفى النجار لدمشق في اواخر الاسبوع المنصرم واعلان (ان ايران تضع كل ما تمتلكه من قدرات دفاعية في متناول سورية وتعجيل تنفيذ الاتفاقات المعقودة) ومن ثم زيارة النائب الاول للرئيس الايراني برويز داوودي، وهما الزيارتان اللتان عكستا ليس رغبة الجانبين في توجيه رسائل عبر التعاون العسكري والاقتصادي والاستراتيجي بينهما فقط والذي يخفي بدوره مخاوف من استفراد أي منهما مما يضعف موقع كل منهما في هذه المرحلة الحرجة التي تستلزم وجودهما المشترك، بل تعكس ايضا انعدام التمايز الايراني ـ السوري وان اختلفا في التكتيك، المنعكس في موقفهما من الاعتصام الشامل لـ (حزب الله) في بيروت والمحكمة ذات الطابع الدولي.
وهذا التمايز التكتيكي يبقى هامشيا على خلفية المصالح المشتركة التي تربطهما وتتحكم فيه عوامل متعددة ذات بعد اقليمي يرتبط بموقف العربية السعودية من القضية اللبنانية والصراع المذهبي الشيعي - السني في المنطقة.
تراجع وتعاون
ومع مواقف التهدئة التي تبنتها دمشق خلال الفترة الاخيرة ومحاولة اوربا تطويرها ودفعها نحو التكامل وفق حسابات متقابلة، الا ان ما يجري ربما يدخل في اطار رصد النيات في الملفات المتعددة واطلاق بالونات اختبار تمهيدا لمرحلة جديدة من العلاقات مع سورية التي بدأت تتراجع عن نهجها الصدامي مع البلدان العربية التي توصف بـ (المعتدلة) والتي كان الاسد وصف قادتها بـ (انصاف الرجال).. وربما يدخل في هذه الدائرة الغاء الرئيس الاسد خطابا كان ينوي القاءه في ذكرى الثامن من مارس.
وبرأي وزير الخارجية الامريكي الاسبق جيمس بايكر فإن الاسد مستعد لارغام حماس على الاعتراف باسرائيل اذا وجد ان ذلك يصب في مصلحته، مرجحا حدوث تغييرات دراماتيكية اذا ما منحت الادارة الامريكية حوارا مباشرا مع سورية التي ابلغت الوفد الامريكي لمؤتمر بغداد رغبتها الصريحة للحوار مع واشنطن حول كل ملفات المنطقة لمصلحة الطرفين.
وايا تكن التكهنات ومهما تكن التغييرات فإن زيارة سولانا وردود الفعل السورية التي استبقتها بايفاد نائب الرئيس الشرع الى القاهرة هي محاولة لتوسيط الرئيس مبارك لاسترضاء الملك السعودي عبدالله قبل القمة، تهدف الى ابلاغ الاسد بأن اوربا موحدة في موقفها في المحكمة ذات الطابع الدولي ولبنان ككل ولن ترضى باقل من رفع يده عن هذه الدولة ووقف تزحلقها نحو الحرب الاهلية.
التعليقات