النص الديني لا يستوعب العالم مطلقا

المنامة - هشام عدوان

قال الشاعر علي أحمد سعيد (أدونيس) إن على العرب أن يتوقفوا عن الاهتمام بجائزة نوبل والجري وراءها، مؤكدا أن (نوبل) لا تضيف لرصيده شيئا، وألقى أدونيس لأول مرة في لقاء خاص بـ (المجلة) أضواء كاشفة على مواقفه خارج الإطار الشعري، وإن لم يمنعه ذلك من مناوشة افق الشعر والفن.أدونيس الذي التقته (المجلة) في حوار شامل، لعله يوضح موقفه كأحد رواد الحداثة العربية من جملة القضايا الراهنة الساخنة على الصعيدين العربي والدولي.

أدونيس لم يتردد في أن يعلن رفضه للتدخل الأميركي في العراق، وتفكيك منطق الحرب التقليدية لصالح إعادة تركيبها في نسق جديد لمواجهة قضايانا الساخنة. أدونيس لم يتردد في التحذير من انهيار قادم، انهيار شامل بحسب وصفه قد يصل بالعرب إلى الانقراض إن لم تواجه المجتمعات العربية مواقفها المصيرية عاجلا، وخارج أفق النص المغلق. قائلا : (لا يمكن فهم الحاضر بسياقات البخاري وابن حنبل) وزاعما أن العرب كأمة على مفترق تاريخي (إما أن نجدد ونتجدد وإما أن ننقرض).وفيما يلي نص اللقاء :

* في حفل تدشين كتابك الأخير (الكتاب) قال الشاعر الإسباني الكبير جيمغرير : (إن أدونيس هو الصوت الأهم في عالمنا المعاصر، شاعر مطلق يضاف إلى التقاليد الشعرية التاريخية الكبرى بقامة هوميروس، دانتي، بودلير، رامبو...)، بل وصنفك بـ (الصوت الشعري الأهم في عالمنا المعاصر).. السؤال قامة بقامتك الشعرية، لماذا لم تنل جائزة نوبل حتى اليوم؟!

- أنا أفرق بدقة بين القامة الشعرية وبين استحقاق (نوبل)، (نوبل) تحكمها اعتبارات ومعايير خاصة لا تقتصر على الشعرية أو الإبداعية أو الإنتاج الأدبي الثقافي، ليس جديدا أن نقول إن طابعها اليوم سياسي بالدرجة الأولى.
على العرب أن يتوقفوا عن الاهتمام بجائزة نوبل والجري وراءها، علماً بأن نوبل لا تضيف إلى رصيدي شيئا، شعراء كبار وشعوب كبرى لم ينالوها، خذ كوريا مثلا، خذ إفريقيا مثالا.

* لعل أحد أهم شروط جائزة نوبل ndash; بحسب المتابعين- أن يكون مستحقها متبنيا لقضية إنسانية محددة، الأمر الذي يطرح السؤال التقليدي: ماهي قضية أدونيس؟

- القائمون على (نوبل) وهيئات التحكيم أحرار في انتقاء معاييرهم، وللجان التحكيم آراؤها، وفيما يختص بي لا تشكل لي (نوبل) هماً لدي على الإطلاق سواء نلتها أو لم أنلها، ثق أن ذلك لا يعني لي شيئاً كبيراً ولا يغير في مواقفي ولا في آرائي، (نوبل) لا تضيف لي ولا تنتقص مني.

* هل لا يزال أدونيس يتبنى قضايا السلام الإنساني على الرغم من كل ما جرى ويجري في عصرنا الراهن من عنف مجنون، غزو العراق، حرب لبنان الأخيرة، حصار الفلسطينيين، التوغل الأميركي، هل بقي سلام مع طروحات نهاية التاريخ وصراع الحضارات؟

- أنا من حيث المبدأ ضد منطق الحرب، ومع الحوار الإنساني المتحضر ومع السلام الدولي، الحرب في مفهومي حالة استثنائية خاصة أتناولها نقديا بهذا المنطق، أنا أفهم الحرب والمقاومة خارج الإطار التقليدي للحرب بالسلاح التقليدي، الحروب ليست دائما تجرى بالسلاح، هنالك حروب أشد فعالية تستعر دون استخدام أسلحة الدمار التقليدية، حرب الأخلاق وحرب الثقافة، ولنا في نمط المقاومة التي اعتمدها المهاتما غاندي خير دليل، لقد أسقط غاندي الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس في عصرها بحرب دون أسلحة دمار، وانتصر.

الحرب في مفهومي لا تقتصر على الأسلحة، بل وأجزم أن الأكثر أهمية هو العقل الذي يوجه تلك الأسلحة، وأجزم أنني لا أستطيع أن أحاربك وأقاومك وأنتصر ndash; مهما كانت قضيتي عادلة- بأسلحة اشتريتها منك، من يريد أن يحارب يجب أن يبتكر ويصنع ويملك أسلحته، ليست أسلحته المادية فحسب بل والمعنوية أيضا ليكون متمكنا وقادرا على الصمود.

انظر إلى الظرف التاريخي المعاصر والمأزق العربي الراهن، واحكم بنفسك هل بالإمكان أن ننجح في قضية دون ان نستوعب التجارب التاريخية ونسترشد بها؟

نأخذ قضية فلسطين كقضية مركزية، وهي حالة خاصة لا مثيل لها في التاريخ البشري، جاءت في ظروف لم تكن فيها الأنظمة العربية الحاكمة في مستوى ولو بحد أدنى قادرة على مجابهة أية قضية كبرى أو مصيرية، أنظمة منهارة هاجسها الذاتي أن تستمر وتبقى في السلطة، وشعارها المعلن المخفي (أبقوني في السلطة وخذوا ماتشاؤون). وسط ظروف بهذه الدرجة من البؤس كيف يمكن لأمتنا أن تنجح في المقاومة؟ بل والأكثر غرابة أن نصف قرن من الصراع العربي الإسرائيلي ليس كافيا بعد - بحسب ما أرى- لأخذ العبرة فيما يجب أن نفعل؟! دعنا نقيم نصف قرن من النضال العربي ونصل إلى تحديد ماذا حقق كيان إسرائيل، وماذا حققنا نحن العرب طيلة نصف قرن من الصراع، نحن ازددنا انهيارا، لقد دخلنا اليوم في صراع الفصائل الفلسطينية بعضها البعض، لم تعد حتى الفصائل الفلسطينية متفقة على الحد الأدنى المشترك من مطالبها في شأن قضيتها! بل أجزم أن الصراع مع إسرائيل أصبح اليوم وسيلة من وسائل تفتيت الجسم الفلسطيني الواحد، أصبحت الحرب عنصر تدمير للطاقة الفلسطينية.
أنا هنا أميز بدقة بين اليهود والصهاينة ويجب أن ألفت إلى هذا الأمر المهم، ليس جديدا أن أقول إن هنالك يهود يناصرون قضية فلسطين أكثر بكثير وبما لا يقاس حتى من العرب، وهؤلاء أعرفهم بل وأعتز بمعرفتهم.

ما أطرحه بخصوص الصراع العربي الإسرائيلي يستلهم التجربة بأعماقها ومستوياتها الحضارية جميعا، ولذلك قلت إن الحرب التقليدية ليست هي الحل، كيان إسرائيل تأسس على رهاب تاريخي لايتمكن من الاستمرار في الحياة إلا بتجسيد عدو أمامه وبخلق أعداء له، وحين يفقد العدو تتبدد عبقريته. ما أدعو إليه هو أن نحرم هذا الرهاب التاريخي اللاعقلاني من نعمة أن يكون له عدو، وذلك بأن نعلن حرب السلام على جميع الأصعدة، حرب السلام القائمة على رؤية شاملة سياسية اجتماعية حضارية تاريخية لمواجهة الرهاب الإسرائيلي بأسلحة غير تقليدية.

*.... ماذا عن العراق؟

- هل سأصطدمك لو قلت إننا يجب أن نكون جميعا ضد التدخل الأمريكي أو الأجنبي ليس في العراق فحسب بل في كل موقع بأرضنا العربية، لكن أيضا برغم وضوح موقفي في هذا الصدد لست أتردد أن أتساءل لماذا نلحظ ونلمح التدخل الأمريكي في العراق فقط ونتجاهله في بقية الدول العربية؟

الإجابة بسيطة لأن التدخل الأميركي في العراق تدخل احتلالي مباشر على الأرض!

مشكلتنا أننا ننظر إلى ورقة من الشجرة ونتجاهل عروق الشجرة بكاملها، المعالجة لا تكون بهذا التسطيح السياسي، لأمريكا حضور بالغ في العالم العربي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، الحضور الأميركي الذي يرفضه الجميع اليوم في العراق كان مقبولا حين كان في أوجه إبان الحرب العراقية الإيرانية، ما أراه أنه ينبغي على العراقيين أن يتحدوا ضد التدخل الأجنبي في العراق مهما كان نوعه كما توحدوا ضد ديكتاتورية صدام.
الحضور الأميركي في منطقتنا العربية قائم بوجود إسرائيل التي هي بجدارة ولاية أميركية غير جغرافية في الشرق الأوسط، وهذه الولاية غير الجغرافية أشد خطرا.

وأكرر سؤالي: لماذا نرى بوضوح التدخل الأميركي في العراق ولانراه في الدول المجاورة؟

* كتبت عددا من المقالات التي انتقدت فيها بحدة زيف كيان إسرائيل، الأمر الذي عده بعض المتابعين تحولا رؤيويا لأدونيس، هل هو فعلا كذلك؟!

- موقفي من قضية فلسطين كقضية مركزية واضح، وهذا ليس جديدا إطلاقا، ولا أزال أتبناه منذ 1948، لكنني حملت مواقف نسبت إليّ دون أن يكون لها أي سند من الواقع على الإطلاق، لقد قرأني كثير من الفلسطينيين والقوميين والوطنيين قراءة غير عادلة بتاتا في موقفي من القضية الفلسطينية، وذلك بسبب موقف قديم لي من مسألة الالتزام السياسي في التجربة الشعرية، هذا النقاش جرى على صفحات الحياة حينما كان غسان كنفاني مديرا لتحريرها، وناقشت هذه القضية نقاشا طويلا في (الحياة)، وبرغم أن كنفاني وافقني على طرحي (وهو بالمناسبة طرح أدبي لا علاقة مباشرة له بالحراك السياسي) إلا أنه منذ ذلك الوقت تشكلت ضدي جبهة شعرية فلسطينية، والجبهة لا تزال ndash;برغم علاقاتي الصداقية الوثيقة بالشعراء الفلسطينيين- لا تزال قائمة بشكل أو بآخر، وهذا مع الأسف غير لائق بتاتا، وبرغم وجود تلك الجبهة إلى اليوم لم يؤثر ذلك على مواقفي الثابتة تجاه قضية فلسطين على الإطلاق.

لقد نشأت على القضية الفلسطينية وأتبنى ولا أزال منذ نصف قرن عدالتها، بل لعل الغالبية لا تعلم أنني كنت أول من تناول قضية اللجوء الفلسطيني بين شعراء العرب المعاصرين، في أولى قصائدي والمنشورة في كتابي الشعري الأول الصادر عام 1948. ما يؤلمني أنهم يتجاهلون نشأتي السياسية والثقافية التي كان الحزب القومي السوري حاضنها الرئيس، ذلك الحزب الذي كان ولا يزال شغله الشاغل قضية فلسطين.

* ما صحة الخبر عن مصادرة كتابك الأخير (الكتاب) من معرض القاهرة الدولي للكتاب قبل بضعة أشهر، هل هذا موقف ضد أدونيس؟

- ثق أني لم أسمع بتلك المصادرة، وبإخلاص أؤكد أنني لا أتابع إن صودر إنتاجي، وأتجنب مثل هذه السجالات بجهد جهيد، برغم أن عديدين يتمنون لو تنجح محاولاتهم لجذبي إلى مثل تلك السجالات.

* هل تجنبك لمثل هذه السجالات هو ما يمنعك أو يجعلك تتحفظ على زيارة القاهرة؟

- من قال ذلك؟! من قال إنني أتجنب زيارة القاهرة؟! لقد كنت الأسبوع الفائت في زيارة طويلة نسبيا للقاهرة، وبدعوة كريمة من مكتبة الإسكندرية وألقيت أربع محاضرات هناك في الإسكندرية، ثم عرجت على القاهرة استجابة لدعوة من المجلس الأعلى للثقافة والفنون.

* لكن ماهو معروف أن الثقافة المصرية، أو لعل الثقافة الرسمية المصرية تتخذ منك موقفا!

- دعني أوضح وبدقة أن علاقاتي في الوسط الشعري والثقافي المصري واسعة ودون حدود ومنذ الستينيات، لقد كان صلاح عبد الصبور واحدا من أقرب أصدقائي، وأتحدث بصراحة أن هنالك بعض الشعراء المصريين المتنفذين سياسيا هم وراء الإشاعات المثارة حول موقفي المتحفظ حول الثقافة المصرية، وهي قلة محدودة لكنها تتمتع بنفوذ سياسي مؤثر وتخلط بين الشأن السياسي والثقافي، ومهما كان الأمر فليس هذا الأمر مصدر تنغيص لي ولست معنيا به كثيرا، لكن ما يهمني هنا أن أؤكد أن لا موقف سلبي أتبناه من الثقافة المصرية.

* يقول عبد القادر الجنابي في رسالة مفتوحة لأدونيس : (إذا كانت ثقافة قدماء العرب قد احتوت كل معالم الحداثة الأوروبية، فما حاجة عرب اليوم إلى شاعر من طرازك؟).. ما قولك؟

- دعني أؤكد هنا أنه لايعنيني بتاتاً لا الجنابى ولا كاظم جهاد، ولا أريد مناقشة أشخاصا يتخطون الحدود الفكرية والأخلاقية للنقاش، خاصة حين يتجاوز النقاش الأدبي حدوده الأدبية ويفقد مصداقيته الأساسية.. لذلك لا أناقشه.

* الدكتور عبد الله الغذامي نقدك نقدا لاذعا وخصوصا في (المرأة واللغة) و (النقد الثقافي).. ما قولك في نقوداته؟

- أعترف إنني حتى اللحظة لم يتح لي أت أقرأ الغذامي قراءة دقيقة ومنهجية تتيح لي تكوين موقف نقدي من طروحاته، وهذا خطأ أعترف به ولا بد أن أصححه، لكني قرأت كتاباته ووجدت أنه لا يقرأني بشكل شمولي، بل يجتزئني ويقتطع إنتاجي من سياقه ومن ثم يصدر أحكامه، وهذا مستغرب من ناقد وأستاذ بحجم الغذامي.

المسألة لدي شعرية وليست فردية، الغذامي للأسف لم يفرق لدى تناوله إنتاجي بين طبقات الأنا داخل بناء خطابي الشعري، لم يفرق بين الأنا الفردية، الأنا الذاتية، الأنا الجمع.
وما أخرج به من نقد الغذامي نقطة جوهرية أساسية وهي الأهم على صعيد المجتمع العربي، ألا وهي قضية تفكيك النواة التي تمنع الديمقراطية وتعرقل الاعتراف بالآخر بل وتنفي الآخر، رمز تلك النواة/الإشكالية هي مفهوم الجماعة/القبيلة، هذه النواة التقليدية هذا المفهوم الإشكالي اللامعاصر يجب تحطيمها إذا أردنا أن ننتقل كشعوب معاصرة إلى مرحلة الديمقراطية والمجتمع المدني، بحيث يكون لكل صوت فردي قيمته واستقلاليته.

إن المسألة التاريخية لا تزال فاعلة وقائمة ومؤثرة بعمق في المجتمع العربي، لا يزال مفهوم الكلي/الجماعي/العشائري فاعلا في تربة مجتمعاتنا العربية، وتشكل معوقا رئيساً للحراك الديمقراطي والمجتمع المدني، لذلك فإن الأولوية - إن أردنا مجتمعا مدنيا- تفكيك هذه النواة، هذا المفهوم الذي أطرحه في إنتاجي غائب تماما عن الأستاذ الغذامي، ومع الأسف أن هذا الغياب هو ما يجعل الغذامي يبدو كخطيب جمعة حين ينقد إنتاجي!

* نشهد صعودا لتيار الأدب النسوي عربيا وسعوديا على وجه الخصوص، ماتقييمك؟ هل هنالك فعلا أدب نسوي؟

- أعتقد أن هناك نهضة كتابية نسوية مهمة جدا، لا تقتصر، كما هي تقليدياً، على فن الرواية، بل تمتد إلى فنون رئيسية كالشعر، وأوافق أن هنالك اليوم يقظة نسوية كتابية على الصعيد السعودي، ولا أبالغ حين أقرر أن هنالك اليوم شاعرات عربيات شابات وواعدات في السعودية، مصر، ولبنان، لا تقل أهميتهن في هذه اللحظة عن الشعراء الذكور، ولا أريد أن أطرح أسماء بذاتها، لكن لا أتردد أن أؤكد على أني أثق تماما في قدراتهن، وليس هذا جديدا فلقد كانت شاعرات مثل سنية صالح ونازك الملائكة وفدوى طوقان رائدات في الشعر العربي المعاصر.

ولا أقيم الشعر النسوي تقييما كميا، فالقضية الشعرية ليست كمية أساسا، لذلك أقول إن الشعر النسوي العربي لايقل أهمية عن الشعر الذكوري، شرط أن يواصل الإنتاج النسوي الأدبي بعامة تبني قضايا المرأة، مع ملحظ رئيس أن اللغة التشكيلية باتت رهانا أكثر تقدما من اللغة الشعرية وخصوصا على صعيد الإنتاج النسوي.
* هل يعني هذا أن زمان الشعر انتهى؟

- لا... دون شك، زمن الشعر لا ينتهي، وتطور التشكيل يضيف أبعادا جديدة نكسبها للحراك الأدبي والفني العربي، تطور يعمق ويفتح آفاقا عمودية جديدة في التجربة الفنية العربية تتيح لقارئ الشعر تذوقه بشكل أعمق... لاينتهي زمن الشعر طالما هناك حب وحياة وموت

* (الكتاب) عنوان إصدارك الأخير، هل هو منتج نهاية الرحلة؟ هل هو منتج ختامي تنهي فيه مسيرتك؟

- مفهومك لـ(الكتاب) ودلالته كمفهوم تاريخي صائبة، لكني لم أقصد أن يكون ختاميا بتاتا، لقد تتبعت الشاعر الفرنسي مالارميه في وضعه لـ(الكتاب) والذي وضعه متأثراً بالعقلية المشرقية التي تعتمد هذه الصيغة من الشكل الفني لتودع فيه كل ما تريد قوله، لكن فيما يختص بـ(الكتاب) فقد أردت به أن أضيء المسكوت عنه عربياً، وأن هنالك عناصر ثقافية عربية جوهرية لم تقل بعد في التاريخ العربي.
نحن لايمكن أن نفهم الضوء العربي دون أن نفهم الظلام الذي أحاط به، وأردت بالكتاب أن أنظر إلى التاريخ العربي نظرة كلية لاجزئية ولا تجزيئية ولا انتقائية، وبهذا المعنى عنونته (الكتاب).
وبمفهوم ان يحوي النقاط المضيئة والمعتمة في التاريخ العربي، نصاً مركباً مفتوحاً على جميع المعارف البشرية.

* بما طرحته وبحسب مفهوم العرب للكتاب، هل قلت كل ما تريد قوله في (الكتاب)؟

- يستحيل أن يقول الإنسان كل ما يريد قوله، لا في الكتاب ولا في غيره، الكلمات لا تستوعب الأشياء إطلاقا استيعابا كاملا، ومن يقول بذلك يقع في الخطأ ذاته الذي يقع فيه الفكر الديني الذي يدعي أن النص الديني استوعب العالم ماضيا وحاضرا ومستقبلا، هذا المفهوم يقتل النص، يحيله إلى نص مغلق نهائي لا يصلح له وقتها إلا المتاحف مستقراً، مشكلة الفهم الديني للنصوص أنه يقتل النص من حيث يريد إحياءه.

* إلى أين تسير أمتنا العربية وسط هذه الفوضى التاريخية؟

- إذا صح أن نحكم على المستقبل بناء على الحاضر فليس أمامنا إلا الانهيار الشامل، انهيار تاريخي شامل نتاج نصف قرن من الإخفاق في التحديث إذا لم نتدارك الانهيار منذ اللحظة الراهنة.
غير أنه ينبغي أن يكون مفهوما أن الشعوب لا تموت، الحضارات تموت نعم، لكن الشعوب باقية حيث لا تتوقف الشعوب عن إيجاد حلول لمجتمعاتها استنادا إلى واقعها السياسي والثقافي والاجتماعي.
ليس ما أقوله بدعاً في مسيرة البشر التاريخية، الحضارات تموت بحكم التجربة التاريخية، أين هي اليوم حضارة الفراعنة على ما بلغوه من تقدم؟ أين هم السومريون؟ الآشوريون، اليونان، الإغريق، ماتوا اندثروا بادوا، صفهم بما تشاء، لكن الشعوب تبقى، وبهذا المعنى لا أجد هنالك أي عاصم من أن ينقرض العرب بالمعنى الحضاري.

* أين هي المشكلة؟ أين هي مسببات هذا الذي وسمته بالانقراض الحضاري؟

- المشكل الرئيس أن المفكرين العرب لا يزالون يفكرون في السياق الذي لم يعد له تاريخيا وحضاريا أي قدرة على فهم الحاضر، أنا أزعم أنه لا يمكن فهم الحاضر بل وفقه الحاضر بسياقات البخاري وابن حنبل و مالك وأبي حنيفة!

وأزعم أنه يستحيل فهمنا لحاضرنا انطلاقا من أولئك، ونحن كأمة على مفترق تاريخي، إما أن نجدد ونتجدد وإما أن ننقرض، وينبغي بإخلاص أن نتوقف عن السير في الأوهام، التاريخ لن يرحم أحدا، فإما أن ننتبه منذ اللحظة وإما أن ننقرض .

تعريف

* علي أحمد سعيد إسبر، المعروف بأدونيس ولد في 1930 في قرية قصابين في سوريا. تبنى اسم أدونيس الذي خرج به على تقاليد التسمية العربية. تابع أدونيس دراسته الجامعية في قسم الفلسفة في جامعة دمشق وفي سنة 1956 اتجه نحو بيروت حيث بدأ حياة شعرية وثقافية جدية وحاسمة, من خلال مساهمته المستمرة في مجلة (شعر) إلى جانب يوسف الخال. أسس مجلة (مواقف) في 1968 التي اجتمع حولها مثقفون وشعراء من المشرق والمغرب. غادر بيروت في 1985 متوجها إلى باريس بسبب ظروف الحرب. حصل سنة 1986 على الجائزة الكبرى في بروكسيل. ثم جائزة التاج الذهبي للشعر في مقدونيا- أكتوبر 1997.

ولعل أدونيس هو أكثر الشعراء العرب إثارة للإشكالات, فمنذ أغاني مهيار الدمشقي استطاع أدونيس بلورة منهج جديد في الشعر العربي, يقوم على توظيف اللغة على نحو فيه قدر كبير من الإبداع والتجريب , وكأنه يبتدع لغة جديدة غايتها أن تسمو على الاستخدامات التقليدية دون أن يخرج أبدا عن اللغة العربية الفصحى ومقاييسها النحوية.استطاع أدونيس أن ينقل الشعر العربي إلى العالمية، ومنذ مدة طويلة يرشحه النقاد لنيل جائزة نوبل للآداب. كما أنه - فضلا عن منجزه الشعري- يعد واحدا من أكثر الكتاب العرب إسهاما في المجالات الفكرية والنقدية.

وهو رسام من الدرجة الأولى خاصة بالكولاج، وصفه أحد المفكرين العالميين بـ (الضوء المشرقي)، وقد صدر كتاب عنه بهذا العنوان قدمه المفكر العربي العالمي إدوارد سعيد بأنه الشاعر العربي العالمي الأول. كتب كثيرة تناولته بالنقد والتجريح، وكتب كثيرة خلدته محاوراً بامتياز. أما صوته في قراءة الشعر فيعيدك إلى الصوت العربي الواضح النقي، اشتهر بمخطوطته التي طبعت تحت اسم (الثابت والمتحول) رشح من قبل بعض المؤسسات الثقافية لجائزة نوبل غير أنه لم يحصل عليها.