باسم الطويسي

من المنتظر ان يدخل الشرق الأوسط مرحلة تهدئة حتى نهاية العام بعد ما أفضت اليه قمة دمشق من اصطفافات وتوازنات حرجة تمنع أو تحد على اقل تقدير من الحركة، وفي انتظار الانتخابات الاميركية تتوقف أيضا الحركة في جهة أخرى، حيث يعني السباق الأميركي دخول الوظيفة القيادية في النظام الدولي في مرحلة من التجمد، بمعنى ان هذا العام قد انتهى مبكرا في الشرق الأوسط.

النهاية السياسية المبكرة لهذه السنة تعني تراجع احتمالات المفاجآت من العيار الثقيل؛ فلا توجد مؤشرات قوية على حروب قادمة، كما تتراجع فرص الصفقات السياسية الكبيرة وعلى رأسها احتمالات تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فمعظم هذه الملفات ستدخل عمليا ثلاجة السياسة الدولية، بينما سيتحدث الإعلام الدولي عن تقدم في هذه القضية وتفاؤل حول قضايا أخرى، بمعنى هيمنة الإنشاء السياسي أي المناقشات دون تفاعلات سياسية جادة على الأرض. ومن المرجح ان يدار زخم التفاعلات الخالية من المضمون من خلال كواليس العواصم الدولية والعواصم الإقليمية التي يراد لها موطأ قدم جديد والعواصم الأخرى الطامحة دون توقف على حد سواء.

يبدو للوهلة الأولى ان الأحداث تجري بسرعة في الشرق الأوسط؛ وكأن الوجه الآخر للتاريخ في هذا الجزء من العالم أسرع من غيره، وبينما تبقى الجغرافيا التقليدية هي المهيمنة؛ وهي جغرافيا النفط والمضائق والممرات المائية ونقاط التماس الاستراتيجي حول البؤر الساخنة، فان حركة الأحداث التي لا تحمل مضامين هي في المحصلة خارج التاريخ.

وبرغم الكثافة السياسية التي اتسم بها الصراع في الشرق الأوسط وحوله خلال السنوات الأربع الماضية وما شهدته من احتلالات، وأزمات طاحنة واستخدام مفرط للقوة وأنماط لم يألفها الإقليم من الفوضى، إلا أن نمط الجغرافيا السياسية التقليدية قد حافظ على استقراره؛ لم تولد كيانات جديدة، ولم تزول دول، ولم تتفكك بشكل كامل مجتمعات أو دول أخرى، بينما تبقى كل البذور التي زرعتها هذه المرحلة من فوضى وحروب أهلية وأزمات وصراخ سياسي قابلة للحصاد في الجيل القادم من استراتيجيات الصراع التي من المحتمل ان يكون عنوانها البارز التصدعات الجغرافية العميقة.

في حين يبدو ان التفاعلات الجارية على الأرض والممتدة على مدار الشهور الأربعة الماضية لم تقدم أدلة عميقة على التقدم أو التراجع، فالأحداث تدور حول الملفات الرئيسة ذاتها؛ دون ان تترك تغيرات ملموسة في أي منها، ويتضح ذلك في حالات تفاقم الاشتباك العراقي الداخلي مع استمرار الاحتلال والنفوذ الإقليمي بعدما قيل الكثير عن تراجع العنف، والأزمة اللبنانية وملف الحرب والسلام في السودان، وتأثيرات الملف النووي والنفوذ الإيراني، وعودة الصراع حول الصومال، وقبل ذلك تراجع مكانة القضية الفلسطينية لصالح استمرار صراعات الفصائل الفلسطينية وغيبوبة حركة التحرر الوطني.

وبينما تنتظر الأطراف الرسمية العربية تداعيات أفعال الآخرين، وتتلقف بعضها ردود الأفعال لتجعلها إطارا لفهمها الاستراتيجي للوقائع المتغيرة، فان بعض المراجعات الراهنة ستقود إلى ان يتحول من كانوا جزءاً من المشكلة في السابق إلى جزء من الحل في بعض الملفات ما يعني ان العام القادم سيبدأ مبكرا أيضا.