نبيلة حسني محجوب

استمع الشيخ محمد الغزالي إلى خطيب مشهور وهو يصيح بأسى وغضب قائلًا: رحم الله أيامًا كانت المرأة فيها لا تخرج إلا ثلاث مرات: من بطن أمها إلى العالم، ومن بيت أبيها إلى بيت الزوج، ومن بيت زوجها إلى القبر! قال الشيخ الغزالي قلت: لا بارك الله في هذه الأيام، ولا أعادها في تاريخ أمتنا إنها أيام جاهلية لا أيام إسلام، إنها انتصار لتقاليد جائرة، وليست امتداد للصراط المستقيم!
وهو يرد على الحديث الوارد عن فاطمة الزهراء رضي الله عنها: ldquo;أن المرأة لا ترى أحدًا ولا يراها أحدraquo; بأنه حديث منكر، لم يذكره كتاب سنة محترم، حديث يخالف ما تواتر من القرآن الكريم والأحاديث الصحاح، وسيرة النبي الكريم والخلفاء الراشدون. وهو يشير إلى اختلاق الوضّاع لأحاديث تفرض الأمية على النساء، وهو يلوم من صدقهم ويصفهم بالمخدوعين الذين لم يفتحوا مدرسة للبنات، واختلقوا أيضًا أحكامًا تمنع المرأة من ارتياد المساجد، ومضوا في جهالاتهم حتى قصروا وظيفة المرأة دينًا ودنيا على الجانب الحيواني وحده!! من موسوعة (تحرير المرأة في عصر الرسالة) د.عبدالحليم أبو شقة.
وأبوحامد الغزالي يرى أن المرأة وإن كانت كيانًا إنسانيًا لكن وجودها ينطوي على عشرة عورات، فصوتها العورة لابد من ستره بإقصائها عن النشاط البشري وحبسها في بيتها، أما التسعة الباقية من العورة فسيتكفل القبر بسترها!
كما يقول أبوحامد الغزالي في إحياء علوم الدين: (القول الجامع في المرأة أن تكون قاعدة في مقر بيتها، قليلة الكلام لجيرانها، لا تخرج من بيتها، ولا ترى الرجال ولا يراها الرجال، فإذا اضطرت للخروج بإذن زوجها، خرجت خفية في هيئة رثة وقذرة).
الرأي الأخير هو المسيطر على الخطابات المناهضة لمشاركة المرأة في المراكز القيادية وصناعة القرار، لذلك هوجمت نورة الفايز، وكل شخصية نسائية اعتبارية، وأصبحت تحركاتهم تحت مجهر نظرتهم الضيقة، وهي النظرة المسددة لمشاركة المرأة في الغرفة التجارية، التي أفسحت المجال للمرأة السعودية للمشاركة في صنع القرار والتنمية، ولست أبالغ إذا قلت: إن كل المنضمات إلى مجلس الغرفة التجارية في دورتيه هن من الكفؤات الفضليات، ليس تحيزًا أعمى بل حقًا وصدقًا، لكن أصحاب الخطاب العنصري والمتأسلم، يصمون آذانهم عن الخطابات المعتدلة، كالشيخ محمد الغزالي، وغيره من علماء الأمة المستنيرين، ولا أقول ابن رشد لحساسة وضعه لأنه محسوب على سيئة الذكر laquo;الفلسفةraquo; حسب رأي المتشددين، الذين يصيبهم الرعب من مشاركة المرأة ربما لضعف ذواتهم ولعدم قدرتهم على استيعاب حركة التغيير والتقدم التي تجتاح كل شيء.!
لو كان هذا الوضع الذي يسعى لفرضه الخطاب الديني المتشدد سواء عبر فتوى كفتوى هدم الحرم، لمنع اختلاط الرجال بالنساء، أو كبيان المحتسب كما جاء في مقال د. عبدالله دحلان في جريدة الوطن، فهو اجترار واستمرار للمطالبات بالفصل التام بين النساء والرجال في المستشفيات والأسواق، وإدارات ومحاكم خاصة بالنساء، وهو يتنافى مع الإرادة الإلهية والسنة الكونية التي جعلت الحياة على الأرض تشاركيه بين ذكر وأنثى!
لو كان الأمر بهذه الحدية -الفصل التام- كما يتوهمون، لكان الأمر الإلهي أقدر على تنفيذه بداية، قبل أن يفتي به المفتون، ويتبناه المحتسبون؛ أليس الله بقادر على أن يخصص للرجال كوكبًا للحياة فيه، وهو -سبحانه - أقدر على خلقهم بصورة اكتفائية، للإخصاب والتكاثر دون حاجة إلى نصف آخر، تتم به الحياة، ويكتمل الدين والمنظومة التنموية والثقافية والاقتصادية والحضارية!
كان يمكن أن يخلق الله المرأة على كوكب زحل أو المشتري، ويضخ فيه أسباب الحياة، ويجعل الأرض من نصيب الرجل بما أنهم أفضل من المرأة كما يزعمون!
لكن الله سبحانه وتعالى خلق الرجل والمرأة من نفس واحدة، وجعل منها زوجها ليسكن إليها وجعل الخلافة شراكة بينهما، لذلك نشأت المشكلات الاجتماعية والاقتصادية عندما تدخلت العنصرية والتطرف لتغيير سنة الله في خلقه وإقصاء النساء وعزلهن ومنعهن من تعلم الكتابة والقراءة وجعلهن أوعية للمتعة!!
هذه أم سلمه في عصر النبوة تعي دورها ووضعها الإنساني فتسارع مجيبة النداء: (أيها الناس) عندما سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول على المنبر وهي تمشط شعرها: laquo;أيها الناسraquo; فقالت لماشطتها: استأخري عني. قالت الجارية: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء. فقالت أم سلمة: إني من الناس.raquo; رواه مسلم.
والمرأة الخثعمية -وهي جارية شابة- يشغلها معرفة حكم الحج عن أبيها: عن عبدالله بن عباس قال: أردف النبي -صلى الله عليه وسلم- الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته.. وأقبلت امرأة من خثعم laquo;قبيلةraquo; وضيئة laquo;من الوضاءة وهي الحسن والبهجةraquo; تستفتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. فقالت: يا رسول الله: إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على راحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: laquo;نعمraquo; رواه البخاري ومسلم (عبدالحليم أبو شقة).
فلو كان الفصل بين الرجال والنساء دينيًا بهذه الصورة التي يسعى إليها من أفتى بهدم الحرم وبيان المحتسب وكل دعوات الفصل المتطرفة أما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحرص من كل هؤلاء على الدين، أما كان قادرًا -صلى الله عليه وسلم- على ردع أم سلمة وإرجاعها إلى بيتها وكذلك فعل مع المرأة الخثعمية؟!
أخيرًا وبناء على ما سبق أوجه دعوة لأصحاب دعوات الفصل، إذا كان في قدرتهم، تهيئة كوكبي زحل أو المشتري أو حتى القمر للحياة، فليفعلوا ولن نتأخر في الانتقال إليهما فورًا كي نريحهم ونستريح من فتاويهم وبياناتهم والحملات المناهضة لحركة التقدم والمتعارضة مع السنة الكونية!