غسان الإمام

كل عام وأنتم بخير. النظام العربي أيضا يحتفل بعيده. بلغ الأربعين سالما. آمنا. يدخل في العام الجديد أولى سني كهولته. هذا النظام تشكلت ملامحه وسياساته، مع إطلالة سبعينات القرن الماضي، في أعقاب هزيمة النظام القومي، وغياب زعيمه.

يبدو أن العرب لا يستطيعون العيش بلا آيديولوجيا. في فرعه الوراثي، بدأ النظام العربي يرعى مشروعيته الدينية بالتمسك بإسلامه التقليدي، فيما راح فرعه الجمهوري يلوك الشعارات القومية المنقضية. أما المجتمعات العربية، فقد عرفت تنظيمات جديدة راحت تحول العقيدة الدينية إلى آيديولوجيا سياسية متزمتة. أو جهادية تتراوح بين التكفير والانتحار، في عمليات ضد laquo;جاهليةraquo; النظام والمجتمع.

النظام العربي الجديد تكيّف سريعا مع الهَبّة الدينية. من السبعينات إلى الثمانينات، بعض النظام ازداد صلاة وتُقى. بعضه ندم. ففقد رأسه أو سلطته. راح ضحية ركوبه الموجة. بين عامي 1981 و1987 اختفى ثلاثة رؤساء (السادات. بورقيبة. نميري).

استعاد النظام ثقته بنفسه ونهجه، بعدما رأى laquo;القديسraquo; كارتر يشهر السيف الديني في أفغانستان وإيران وأوروبا الشرقية، مستعينا بالجهاديات السنية. والبابا البولندي. والخميني المعتكف في ملجئه الفرنسي.

خلال الحرب الجهادية ضد laquo;الكفارraquo; السوفيات في أفغانستان، بلغ النظام العربي ذروة تكيفه مع الحالة الدينية التنظيمية والاجتماعية. غير أن راحة البال ما لبثت أن انقلبت وبالا. ظن الجيل الأول من laquo;الأفغانraquo; العرب العائدين laquo;منتصرينraquo; أن بإمكانهم إسقاط النظام العربي وlaquo;أسلمةraquo; المجتمع laquo;الجاهليraquo;، نكاية بأميركا التي تخلت عن دفع laquo;الجزيةraquo; لهم.

كانت المواجهة شاقة وخطرة، مع تنظيمات laquo;الجهاديةraquo; السنية. لكن النظام العربي سجل نصرا أمنيا مؤزرا. ففي سورية، سحق النظام التنظيم الإخواني الإرهابي (1982) الذي ظن أن تمترسه في قلعته المحافظة (حماه) كاف لتشجيع الغالبية السنية على تنفيذ اعتصام مدني يشل النظام الفئوي. لكن السنة السورية فضلت معرفة سلبيات نظام تعرفه، على تزمت نظام تتعرف عليه.

النصر الكبير هو الذي سجله نظام مبارك على التنظيمات الجهادية، في ظروف صعبة وصلت إلى حد محاولة الجهادية السودانية اغتياله في أديس أبابا. نصر مبارك الأمني ما لبث أن دعم بنصر آيديولوجي. ففي معتقلات laquo;التأهيلraquo;، راجع جهاديو laquo;الجهادraquo; وlaquo;الجماعة الإسلاميةraquo; الآيديولوجيا. قرروا التوبة. نبذوا العنف. تبرأوا من جهادية الظواهري وبن لادن.

غير أن المجتمع العربي دفع ثمنا معنويا غاليا. تأخرت الحرية، بتأجيل النظام العربي إصلاح الديمقراطية، لعدم ثقته بمجتمع تلقى جرعة هائلة من التلقين الديني. جرعة قد تدفعه إلى التصويت للإخوان الذين أخفقوا، في تقليد نظام أردوغان التركي ذي المرجعية السنية التي صالحت الشريعة مع الحرية الديمقراطية.

لماذا أخفقت أميركا في مكافحة laquo;الإرهابraquo; الديني في العالم الإسلامي؟ بعيدا عن مقولات الإعلام الغربي، فقد خاضت أميركا بوش حربا، بعنصرية laquo;صليبيةraquo; مستترة. بل أخفقت استراتيجيته في شن laquo;الحرب الوقائيةraquo;.

المؤسف أن أميركا أوباما تبنت استراتيجية بوش. تحت ضغط جنرالات المؤسسة العسكرية، وسع أوباما حربه في أفغانستان. وصعدها في باكستان. غير أن تقنية الحرب الحديثة، المتأثرة بشدة بالاستراتيجية القتالية الإسرائيلية (الصيد الصاروخي بطائرات بلا طيار. عمليات الاقتحام المخابراتية لتصفية قادة العنف في مخابئهم) أوقعت مئات ألوف الضحايا في العراق. أفغانستان. باكستان. الصومال. واليمن...

نتيجة لهذه الأخطاء الكارثية، باتت كراهية أميركا ثقافة اجتماعية يشجعها النظام العربي المنشق على نفسه، فيما ينأى بنفسه عن أميركا نظام عربي آخر. انتظر طرفا النظام العربي المنقسم، بصبر عجيب، انتهاء ولاية بوش الذي سلم العراق لإيران، وحاول فرض ديمقراطية مستوردة. باستثناء نظام محمود عباس الذي أجرى انتخابات laquo;حرةraquo;. فاز التنظيم الإخواني الذي أثبت في غزة أنه غير راغب في اعتناق الديمقراطية التعددية، الأمر الذي أثار حذرا وقلقا لدى جميع فصائل المعارضة للنظام العربي، إلى درجة أن إخوان الأردن عزفوا عن خوض الانتخابات التشريعية، فيما هم مصرون على تحدي تراجع شعبيتهم في الشارع الانتخابي المصري.

laquo;عيد. بأية حال عدت، يا عيد؟!raquo;. كيف يواجه النظام العربي نتائج فشل استراتيجية أميركا في العراق. أفغانستان. باكستان؟ أعتقد أن النظام العربي سيواجه تحديا مركبا ومعقدا. ليس فحسب من الجهاديات السنية، وإنما أيضا من الجهادية الشيعية في إيران ولبنان.

النظام العربي السعودي أكثر الأنظمة العربية أهلية. خبرة. تجربة، لمواجهة احتمال تجدد موجات العنف الدينية. إذا كان للشخص دور في الحسم، فإني أنوِّه بدور الأمير نايف بن عبد العزيز المسؤول الأمني الأول في المملكة. فقد تمكن خلال ثلاث سنوات (2003 / 2006) من حسم المعركة الأمنية مع تنظيمات العنف الديني، إلى درجة حدت بمعظم إرهابييها إلى الفرار خارج المملكة.

كرجل دولة وإدارة (هو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء. ووزير الداخلية)، خاض الأمير نايف معركة لا تقل أهمية عن المعركة الأمنية. إنها معركة التأهيل الديني والاجتماعي لأكثر من ألف شاب ضللهم الوعظ الجهادي المتزمت. وكرجل دولة وإدارة، تمتد مسؤولية هذا الرجل الكبير إلى حماية المؤسسة النفطية. وتوفير الوقاية الحدودية منعا للتسلل. وتأمين سلامة وراحة الحجيج، في بلد استقبل هذا العام 2.5 مليون حاج دفعة واحدة.

بل تمكنت المؤسسة الأمنية التي يعاونه في إدارتها نجله الأمير محمد بن نايف، من تنسيق التعاون لرصد تحركات التنظيمات الإرهابية في بلدان شقيقة مجاورة. كانت السعودية البلد الذي حذر العرب والعالم من خطر إرهابي وشيك. لولا التحذير السعودي، لانفجرت الطرود البريدية الملغومة. بطائرات تحمل ألوف العرب والأجانب.

لا خشية على مصر. نظام مبارك قادر على إدارة معركة جديدة ضد جيل جديد من الإرهابيين أشد عنفا. أكثر تمردا. أقل علما وتعلما. لا أخشى على الجزائر التي ربما كانت أكثر كفاية في ملاحقة الإرهاب الصحراوي، لو أنها أنهت صراعها مع المغرب، للتنسيق معه.

خشيتي أكبر على اليمن. فلهذا البلد، في قلبي، حنين بعيد. فمنه انحدرت أسرتي المهاجرة منذ أكثر من 300 سنة، لتتوزع في السعودية. الأردن. سورية. لبنان. اليمن كعب أخيل العربي، في الكفاح ضد الإرهاب. في العبرة المستخلصة من التعاون مع التنظيمات الحربية، إذا كان النظام العربي اليمني قد أفاق على التجربة المرة، فهناك قوى (الحراك الجنوبي) في اليمن، وقوى البعث العراقي التي تقدم على التجربة الخطرة: تجربة التحالف مع قوى لا ترعى للدين حرمة، ولا للمجتمع احتراما.