الحسين الزاوي

لا شك أن الكلمات لم تعد قادرة على وصف السياسات والسلوكيات ldquo;الإسرائيليةrdquo; الفاضحة في تعبيراتها، والمقززة من حيث وقعها وتأثيراتها، والغريبة في توقيتها وأسلوب صوغها . ففي اللحظة التي يسعى فيها الراعي الأمريكي إلى مسلسل المفاوضات المباشرة بين حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية من أجل توفير الأجواء التي يمكنها أن تساعد على استئناف ما تبقى من عملية السلام، تجتهد المخيلة ldquo;الإسرائيليةrdquo; في نسج وابتداع قرارات ومواقف شديدة الرعونة والصلف، خاصة أنها باتت تدرك جيداً أن أمريكا لم تعد تقوى بقضها وقضيضها وكل سطوتها وهيلمانها، على أن تجبرها على فعل ما لا ترضاه، والأصح هو أن أمريكا هي التي أضحت مجبرة، أكثر من أي وقت مضى، على الإذعان والرضوخ لابتزاز اللوبي الصهيوني المهيمن على دوائر صنع القرار في واشنطن . فكلما تراجع دور الإمبراطورية الأمريكية في العالم، ازداد حجم ومدى التغلغل الصهيوني داخل الإدارة الأمريكية، إذ إن النخب السياسية الأمريكية مازالت ترى في الصهيونية العالمية، ضمانها الوحيد من أجل المحافظة على زعامتها للعالم .

فبعد أن كانت ldquo;إسرائيلrdquo; تتعامل مع أمريكا بمنطق الطفل المدلل الدائم التبرم والشكوى الذي لا تقف مطالبه عند حدود معقولة، أصبحت الآن تمارس معها سلوكيات أقرب إلى ما يفعله وسيط الفحشاء مع ضحاياه من الجنس اللطيف إلى درجة باتت معها المواقف الأمريكية تثير الشفقة أكثر مما تدعو إلى الغضب . فقادة واشنطن لم يجدوا كرد مناسب على تصريحات ldquo;إسرائيلrdquo; الاستفزازية لجيرانها، أكثر من القول إن ما تعتزم الحكومة الصهيونية القيام به هو شأن داخلي، حتى وإن كان سيؤدي إلى التضحية بالسلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وبمستقبل النفوذ الأمريكي بالمنطقة .

إن ldquo;إسرائيلrdquo; التي أقامت كيانها على نموذج ما هو قائم لدى الأنظمة الأوروبية من ممارسة سياسية تعتمد على الديمقراطية غير المباشرة التي تمنح صلاحيات واسعة للمؤسسات والهيئات المنتخبة، تقوم حالياً بتوظيف هذه الهيئات وفي مقدمها البرلمان من أجل أن يُشرع لها قوانين تؤدي إلى تجاوز هذه الهيئة المنتخبة ذاتها، واستثارة الغرائز الغوغائية للمستوطنين من أجل الالتفاف على قوانين ومقررات الشرعية الدولية بدعوى احترام إرادة شعبوية موغلة في التطرف وقائمة على الرغبة في الهيمنة والتوسع والاستيطان، وكأننا أمام مسلسل سياسي سيّئ الإخراج ينتخب فيه ldquo;الإسرائيليونrdquo; برلماناً ليمثلهم في سياق ممارسته لصلاحياته الدستورية، فيلجأ البرلمان إلى التخلي عن هذه الصلاحيات بطريقة هزلية من أجل استفتاء الناخبين في أمور لا تعنيهم . فأية ديمقراطية هذه التي يُستفتى فيها الغوغاء عن أراض محتلة ليست ملكاً لهم؟ ولماذا تريد الدولة الصهيونية أن تتفاوض مع السوريين والفلسطينيين واللبنانيين ما دامت قد سلمت مصيرها ورهنت إرادتها لإرادة وشطحات الغوغاء وغلاة المستوطنين؟

من غير المستبعد، وفقاً لهذا المنطق المقلوب، أن تكون الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; قد مارست عن وعي وتصميم قياساً فاسداً طبقت فيه بشكل خاطئ ومغلوط ما سبق أن اشترطته بعض دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمها فرنسا، التي سبق أن اعترضت على انضمام تركيا إلى الاتحاد، واشترطت أن يُعرض الملف التركي على استفتاء شعبي بعد نهاية مسلسل المفاوضات مع حكومة أنقرة، والحقيقة أن باريس سعت من وراء ذلك إلى ممارسة حق الفيتو على الطلب التركي بطريقة أرادت أن تكون أقل صلفاً وغطرسة، وهي تعلم جيداً أنها لا تملك في النهاية وبشكل مسبق القدرة على توجيه إرادة الناخبين الفرنسيين وحسم نتيجة الاستفتاء لمصلحتها، مع أن قوانين الاتحاد تتيح للفرنسيين وللألمان أيضاً، هامشاً كبيراً للمناورة داخل تنظيم يكاد يكون ملكاً لهما . أما الإدارة الصهيونية التي لم يستفتِ جيشها الغاصب أنصاره حينما احتل الأراضي العربية، فإنها تريد أن تُنظم مهزلة انتخابية لا تستدعي نتائجها وضع ترتيبات مسبقة لكون حصيلتها النهائية محسومة سلفاً من قبل نظام يتقارب فيه الناخب مع المُنتخب إلى درجة التطابق الكامل .

ولأن حماقات ldquo;إسرائيلrdquo; لا تقف عند حد معين، فإن آخر سفاهات بعض أقطاب النظام العنصري في ldquo;تل أبيبrdquo;، تمثلت في إنشاء لجنة تبحث مشروع قانون يدعو إلى إعلان القدس ldquo;عاصمة للشعب اليهوديrdquo;، بحيث لا يحق لسكانها من العرب المطالبة بحقوقهم المشروعة في أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم الفلسطينية المرتقبة . أجل، كل دول العالم وكل أتباع الديانات يؤمنون بوجود أماكن مقدسة تُؤَدّى فيها الشعائر الدينية، وحده الكيان العنصري في ldquo;إسرائيلrdquo; يريد أن يحول مدينة بكاملها إلى عاصمة خاصة بالدين اليهودي، لتصبح بذلك الرموز الدينية غير اليهودية رموزاً دخيلة يتوجب محاربتها وإزالتها . هكذا تؤكد ldquo;إسرائيلrdquo; من خلال سلوكياتها أن الأمم المتحدة قد أخطأت سابقاً، حينما اكتفت بوصف الصهيونية أنها شكل من أشكال العنصرية، لأن مضمون الصهيونية، هو أوسع بكثير من مضمون العنصرية بالرغم من ثقل وقسوة الدلالات الإيحائية لهذا المضمون .