الكرد وتقرير المصير.. هل دخل العراق مرحلة الكونفدرالية؟

محمد خروب
الراي الاردنية
ليست زلة لسان أو مراهقة سياسية, تلك التي ذهب إليها رئيس اقليم كردستان زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود برزاني,
عندما قال: أن اعضاء المؤتمر الثالث عشر لحزبه يطالبون بادخال حق تقرير المصير في منهج الحزب وبرنامجه, وسيطرح هذا المطلب على المؤتمرين لاتخاذ القرار بشأنه..
الرسالة واضحة, والابن الاصغر للزعيم مصطفى البرزاني، لم يشأ اللجوء الى المناورة أو لعبة التخفي خلف مجموعة قيادية أو كوادر متوسطة من حزبه لطرح مثل هذه المسألة الحساسة, ثم اصدار بيانات تفوح منها رائحة النفاق والخداع, والادعاء بأنهم مجموعة منعزلة وأقليّة لا تمثل الحزب الذي يؤمن بالعراق وطناً لجميع ابنائه وأعراقه وقومياته وطوائفه, على ما درجت القوى الكردية التأشير عليه بعد العام 1991 (عندما تم فرض منطقة الحظر الجوي واندلاع laquo;انتفاضةraquo; الكرد على الحكم المركزي في بغداد وبداية تَشَكّل الاقليم الكردي, التي laquo;هويتهraquo; اخذت زخماً متزايداً بعد الغزو الاميركي البريطاني للعراق, ما ادى لاحقاً الى كتابة دستور جديد نصّ على عراق فدرالي ومنح كركوك وضعاً خاصاً, عندما نصّت المادة 140 منه على اجراء استفتاء شعبي لتحديد مصير المدينة, ما اذا كانت ستغدو جزءاً من اقليم كردستان أم تبقى وفق صيغتها الراهنة)..
هل قلنا كركوك؟
نعم, فزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني واصل القاء مفاجآته التي عكست مواقف متصلبة ازاء عديد من الملفات والقضايا الخلافية مع الحكومة المركزية في بغداد, كانت تميّزت طوال السنوات السبع الماضية بالمهادنة والبحث عن صيّغ توافقية تلحظ هشاشة الاوضاع السياسية والامنية وتتوخى الحذر في مقاربتها, التي لم تصل مرحلة الحسم لقناعته بأن الاجواء السائدة بل المضطربة لا تسمح بتغيير قواعد اللعبة, التي تواضعت عليها الاطراف والنخبة السياسية التي جاءت على دبابات الاحتلال وبرعايته, ناهيك عن تعقيدات الوضع الاقليمي وتحالفاته المتقلبة, حيث تلتقي دول المنطقة في شكل لافت على رفض قيام أي كيان كردي مستقل, بل ثمة من عارضت الصيغة الفيدرالية القائمة الان..
laquo;حق الكرد في كركوك غير قابل للتفاوض أو المساومةraquo;, حسم مسعود برزاني متكأ على المادة (140) ومستبقاً أو قل مطمئناً الى نتائج الاستفتاء, رغم استطراده بالقول: بأننا نريد أن نجعل من كركوك نموذجاً للتعايش السلمي بين جميع المكونات ونحن نؤمن بالادارة المشتركة, لافتاً الى laquo;اننا لن نساوم على كركوكraquo;..
ألقى مسعود برزاني اكثر من حجر في بركة العراق السياسية, التي ما إن يجري تجديد بعض مائها حتى تعود مياهها الى الوضع laquo;الآسنraquo; الذي ألفناه, منذ بدء ما يوصف بالعملية السياسية وبروز نوري المالكي أو سعيه لاستنساخ نموذج حكم الرجل القوي غير الخاضع للمحاسبة أو المساءلة, كلي الحكمة والمعرفة وسداد الرأي، وغير القابل للعزل أو الاستبدال حتى ببعض الآليات الديمقراطية كالانتخابات، التي لم تُقنع المالكي بأن ثمة من هو laquo;أحقraquo; منه (رقمياً على الاقل) بتشكيل الحكومة, وواصل laquo;اقتناعهraquo; بأنه laquo;أفضلraquo; المرشحين لتولي هذا المنصب، مستعيناً بدعم اقليمي وقبول اميركي, رغم تراجع النفوذ الاميركي, الى أن laquo;نجحraquo; في الفوز بكتاب التكليف الذي ارسله اليه جلال طالباني..
كلاهما, طالباني والمالكي بل وإياد علاّوي واسامة النجيفي وشخصيات عراقية كردية وعربية, شيعية وسنّية ومسيحية, حضرت حفل افتتاح مؤتمر البارتي (كما يصفه الكرد انفسهم), وهم قبل غيرهم الذين تلا عليهم برزاني laquo;مزماريهraquo; حول حق تقرير المصير وعدم خضوع حق الكرد في كركوك.. للمساومة!!
لا نقصد الغمز من قناة برزاني أو الاستهانة بقراءته للمشهدين العراقي والاقليمي (دع عنك الدولي), عندما اراد فتح صفحة جديدة في الحال العراقية الراهنة، تنهض أو تؤسس لمرحلة laquo;الكونفدراليةraquo;, بعد أن لم يقتنع الكرد أو بعض مهم منهم، بصيغة الفيدرالية, التي ابقت laquo;حكومة اربيلraquo; اسيرة قرار المركز في بغداد، بهذا الشكل أو ذاك, بقدر ما نهدف الاضاءة على العناصر الجديدة التي أوجدها اكثر الزعماء الاكراد, انسجاماً مع قناعاته التي لم تتغير منذ أن تتلمذ على يدي والده الملاّ مصطفى برزاني, رغم أن جلال طالباني الزعيم المنافس والقائد للحزب الثاني في الاقليم (الاتحاد الوطني الكردستاني), اراد في رد غير مباشر وربما عن (غير) قصد, بعد أن laquo;فوجئraquo; بطرح برزاني, الاستعانة بنداء قديم للملاّ مصطفى laquo;..انني لم احارب ولن احارب الشعب العراقي الذي انا واحد منه, بل حاربت وسأحارب الاستعمار والرجعية الغاشمة, التي تشترك في امتصاص دماء قومي وتحد من كرامة وطني المقدسraquo;..
مياه كثيرة تدفقت تحت جسور اربيل والسليمانية وبغداد, والازمان تغيّرت من عهد الملاّ مصطفى الى عهود المحافظين الجدد، فالحلفاء باتوا اعداء والاعداء تحولوا الى اصدقاء..
لكن مسعود برزاني الذي يدرك قوته كردياً (بعد تصدع حزب طالباني وتراجع تمثيله في laquo;البرلمانيينraquo; المركزي والكردي، اثر انشقاق نشيروان مصطفى وقيادته لقائمة التغيير) ولهذا يصعب اعتبار laquo;تصعيدهraquo; هذا، مجرد قفزة في المجهول وخصوصا انه قال ما قاله، قبل تشكيل حكومة المالكي العتيدة وفي ظل شائعات عن ضمانات laquo;مكتوبةraquo; قيل ان المالكي قدمها له تتعلق بكركوك وملفات النفط والمناطق المتنازع عليها وحصة حكومة الاقليم في الموازنة العامة، مقابل تأييد الكرد له لتشكيل الحكومة الجديدة.
في انتظار ما ستؤول الامور اليه، بعد مفاجأت برزاني، يمكن القول ان مهمة نوري المالكي لن تكون سهلة حتى لو نجح في تشكيل الحكومة.
فلننتظر.. بخاصة ان ردود الفعل العراقية كما الاقليمية لم تُعرف بعد.
قنبلة برزانية
سعد محيو
الخليج
القنبلة التي فجّرها مسعود البرزاني بدعوة أعضاء حزبه إلى التصويت على حق تقرير المصير للأكراد، لم تُحدث أي دوّي ذي معنى في العراق ولا في باقي المنطقة العربية .
وهذا كان أمراً متوقعاً، فبلاد العباسيين تشظّت طائفياً ومذهبياً وإثنياً منذ اليوم الأول للغزو الأمريكي العام ،2003 ولم يكن الدستور الفيدرالي سوى الغلالة التي أراد بها الانفصاليون من كل الأنواع والأجناس ستر أجنداتهم ldquo;الاستقلاليةrdquo; الخاصة، ليس فقط في الشمال الكردي بل أيضاً في الوسط والجنوب العربيين .
فها هي العشائر في وسط البلاد تريد تأسيس ldquo;إقليم فيدراليrdquo; خاص بها . وها هي قبائل الجنوب تسعى إلى وضعية ldquo;اتحاديةrdquo; مماثلة . هذا في حين أن الميتروبوليتان البغدادية أصبحت مدينة مستباحة للإرهاب، والتنظيف العرقي، والمافيات الرسمية والخاصة .
وبالتالي، كانت قنبلة البرزاني أشبه بقذيفة سقطت ليس من سماء صافية إلى أرض هادئة، بل وسط ساحة حرب تعج بدويّ القذائف والصواريخ من كل الأنواع . ولولا صرخات الاحتجاج التي انطلقت من قائمة ldquo;العراقيةrdquo;، منددة بدعوات التقسيم، لظن الكثيرون أن البرزاني يتحدث عن الانفصال في دولة زيمبابوي .
وكما في العراق، كذلك في بقية أرجاء الوطن العربي: لا رد فعل . لاتفاعل من أي نوع كان . ولاحتى بضع نبضات توحي بحياة ما في الجسم العربي . ومرة أخرى، لم يكن هذا أمراً مفاجئاً: فالجامعة العربية لم تعد تجمع أحداً، وإذا مافعلت فبناء على ldquo;تمنٍrdquo; من الإدارة الأمريكية لتسهيل المفاوضات الفلسطينيةldquo;الإسرائيليةrdquo;، أو للتنديد بالإرهاب الدولي، أو (وهذا في أجمل العوالم) لجعل الشعوب العربية تأكل وعود التنمية والتكامل الاقتصادي العربيين بين الفينة والأخرى .
وفي هذه الأثناء، يواصل العراق مسيرته الانحدارية نحو التشظي، ويندفع السودان واليمن وفلسطين إلى حتفهم التقسيمي، وتبدأ طلائع مشاريع تقسيم لبنان وسوريا والأردن بالبروز . هذا في حين تنشغل مصر بتداعيات انتخابات مثيرة للجدل والانقسام، وتُغادر دول المغرب معلومها العربي نحو المجهول الأوروبي .
البعض، من محبي الفكر العلمي الصافي (خاصة في صيغته الاستشراقية المعهودة)، قد يرون في كل هذه التطورات التقسيمية ظواهر طبيعية . ففي نهاية المطاف، الكيانات السياسية العربية التي تتفتت الآن، ليس لها تاريخ يُعتد في نجاحه في مجال بناء الدولةالأمة . ثم يضيف هؤلاء سريعاً بعض السُكّر على الخبز المر: لماذا يخاف العرب إلى هذا الحد من الصيغ الفيدرالية؟ أليست أنجح الدول القومية في العالم، كالولايات المتحدة وألمانيا وكندا وسويسرا، هي من الصنف الفيدرالي؟
ربما كان ذلك صحيحاً، لو أن الفيدرالية عندنا تُطرح كمدخل للتوحّد الديمقراطي (كما حدث في الدول الفيدرالية آنفة الذكر، وكما يفعل اتحاد الإمارات العربية الآن) لا كمخرج للتقسيم، أو لو تتوافر للدول المرشّحة لمستقبل فيدرالي نخب وطنية تعمل على اكتشاف وتطوير المُشترك بين المقاطعات الفيدرالية تمهيداً لترسيخ الدولة المركزية .
بيد أن كل ذلك غير متوافر هذه الأيام في السوق السياسي العربي . وبالتالي، لانستطيع نحن المواطنين العرب العاديين سوى تذكّر التقسيمات الاستعمارية الفرنسية والبريطانية في المنطقة العربية غداة الحرب العالمية الأولى، في كل مرة نسمع فيها تعبير الفيدرالية . ونحن على حق .