طاهر العدوان

تمثل جولة رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون في المنطقة ومن ضمنها الاردن الجانب الاقتصادي والتجاري بين بلاده وبين دول جنوب وشرق المتوسط. لكن الذي يمثل سياسة فرنسا الخارجية هو الرئيس ساركوزي لا غير. فقبل ايام شاهدت لقاء مع اريك رولو والآن غريش وهما من كبار السياسيين والاعلاميين الفرنسيين, وصفا فيه وزير الخارجية كوشنير بانه صوت ساركوزي ولا رأي خاصا به, ولهذا تظهر التناقضات في تصريحاته عندما يُدلي بموقف حول لبنان وفلسطين وايران, ثم يعود الى ما يناقضه بعد ان يستدرك بان لرئيسه موقفا آخر.

فكرة quot;التجمع من اجل المتوسطquot; التي تضم اكثر من 40 دولة, هي من مبادرات ساركوزي. ونحن في الاردن سعداء بانطلاقها وتنفيذها على ارض الواقع خاصة وان السفير الدكتور احمد المساعدة قد أُنتخب أمينا عاما لهذا التجمع.

مثل هذه الافكار, التي يطلقها ساركوزي او يحملها الى عواصم المنطقة الوزير الاول فيون تلاقي الترحيب من الدول والشعوب العربية على حد سواء, فالعلاقة العربية - الاوروبية هي من ضرورات الجغرافيا والمصالح اضافة الى التراث التاريخي والثقافي المشترك على مر العصور. لكننا, في هذا الجزء من النادي المتوسطي, واقصد شرق البحر, لا نرى جديدا في زيارات ومواقف تهدف للترويج لعلاقات تجارية واقتصادية وسياحية, فهذا تحصيل حاصل, لان السوق العربية كانت دائما ميدانا تجاريا للصناعات الاوروبية بينما ظلت العواصم الاوروبية محط انظار قاصدي السياحة والايدي الباحثة عن العمل من العالم العربي.

ان أي علاقة اوروبية - عربية على قاعدة منتدى برشلونة والتجمع من اجل المتوسط, لا يمكن لها ان تتقدم من دون تفاهمات سياسية على قضايا المنطقة, وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. كما انه لن يُكتب لها النجاح من دون الاحترام المتبادل للقيم والثقافات والعقائد الاسلامية والمسيحية.

من اللافت ان ساركوزي لم يظهر مواقف حازمة او حتى موضوعية من سياسات حكومة نتنياهو المتطرفة من الاستيطان, ومواصلة عملية تهويد القدس والاعتداء على المقدسات الاسلامية والمسيحية في المدينة بالاضافة الى جريمة اغتيال المبحوح في دبي التي تعتبر عملية ارهابية كاملة الاوصاف. واليوم تضاف اماكن مقدسة في الخليل وبيت لحم الى قائمة هذه الاعتداءات بدون اي رد فعل من الرئيس الفرنسي تجاه quot;الصديقquot; الاسرائيلي على العكس رأيناه - اي ساركوزي - متحمسا لفكرة مساعدة اسرائيل في الحصار البحري على قطاع غزة باسم منع تهريب الصواريخ الى حركة حماس بالمقابل لم يظهر هذا الحماس لرفع الحصار عن غزة.

من ناحية اخرى وفي قضية منع الحجاب في فرنسا نقل الرئىس ساركوزي quot;هذه الظاهرة الاسلاميةquot; الى الإعلام والمجتمع الفرنسي وكأنها مواجهة بين العلمانية الفرنسية وبين الثقافة الاسلامية, التي تم تقديمها على انها خطر على قيم الجمهورية والديمقراطية, وفي الوقت الذي يُستقبل فيه الدالاي لاما وانصاره في اوروبا وامريكا وعواصمها العلمانية كأنصاف إله بلباسهما الديني المعروف, فان quot;الحجابquot; وquot;مآذن المساجدquot; تحولت بفعل المفاهيم الساركوزية الى خطر وquot;مباهاة دينيةquot; تهدد الحرية الاوروبية!!

وعلى هامش الاستفتاء السويسري, الذي نجح في منع بناء المآذن فوق المساجد تردد دائما اسم الرئيس الفرنسي كملهم لهذا التوجه الشعبي غير المسبوق في الدول الاوروبية ضد مظاهر التدين عند الاوروبي المسلم. لقد غاب, عن ذهن ساركوزي ان الشرق لا يزال بثقافته مختلفا تماما عن الغرب وهو ما يتوجب عليه احترام هذا الاختلاف, لان الحجاب مسألة تقرها الاخلاقيات والتقاليد الاسلامية المعتدلة قبل المتشددة.

التعايش الاوروبي - العربي يجب ان يرتكز على احترام الاختلافات بين الطرفين. فالاختلاف بين الاديان والثقافات لا علاقة له بابن لادن والحرب على الارهاب وهذا ما لا تدركه مبادرات العلمانية الساركوزية, فالعلاقة بين جانبي المتوسط يتعين ان تكون شمولية في احترامها لعقائد الشعوب وثقافاتها وتقاليدها. بمثل هذه المفاهيم فقط يمكن بناء اسس متينة للحوار والتبادل والمشاركة بين الجانبين. اما تلخيص العلاقة (بموديلات ازياء النساء) فهي الوجه الآخر لفكر طالبان, الذي يرى في ارتداء البنطلون (والكرافته) عند الافغاني مروقاً وكفراً.