حسان حيدر
لوهلة بدا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كأنه يقود تظاهرة لحركة laquo;حماسraquo; في غزة وقد أخذته الحماسة وأثارته عواطف المشاركين وحناجرهم الى درجة كاد يردد معها شعارات احمدي نجاد عن نهاية اسرائيل القريبة، لولا بقية من ديبلوماسية ورصانة.
فهو لم يفوّت خلال السنتين الماضيتين اي فرصة لانتقاد اسرائيل، حتى انه اعتبرها اصل البلاء في الشرق الاوسط وسبب كل مشكلاته والتوترات فيه. وصار خلال الفترة الاخيرة يعلق على اخبار الاشتباكات البسيطة التي تقع بين فينة واخرى على حدود قطاع غزة. وفي زيارته الى فرنسا قبل اسبوع رأى اردوغان ان المجتمع الدولي يغض الطرف عن برنامج اسرائيل النووي، وأعلن عزمه على اثارة هذه المسألة في قمة الامن النووي التي انعقدت في واشنطن الاثنين الماضي، وقال laquo;سأدعو الدول المشاركة في القمة الى اتخاذ موقف حازم تجاه ترسانة الاسلحة النووية في اسرائيل التي لم توقع معاهدة عدم الانتشار النووي وتفعل ما تريد بحرية مطلقة فيما يخضع برنامج ايران النووي للتمحيص والتدقيقraquo;.
لكن القمة مرت ولم يثر اردوغان المشارك فيها هذه المسألة لا من قريب ولا من بعيد، على رغم ما قيل عن ان تهديداته ادت الى عدول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو عن المشاركة وإرسال نائبه دان ميريدور. لماذا يا ترى؟
أولاً لأن ادارة باراك أوباما التي اطلقت فكرة القمة ورعت تفاصيلها ابدت حرصاً شديداً على انجاحها عبر دفع الدول المعنية الى اتخاذ خطوات عملية بعيداً من المزايدات السياسية اللفظية، ووضعت لها هدفاً واضحاً هو كيفية تأمين المواد النووية وحمايتها من الوقوع في ايدي ارهابيين. وانعكس ذلك تعهدات من دول عدة باتخاذ اجراءات كفيلة بإبعاد هذا التهديد خلال فترة زمنية محددة.
وثانياً لأن الدول الكبرى والمصالح الفعلية والخيارات الحقيقية كانت حاضرة في القمة، ولا بد من صوغ المواقف بمقاييس مختلفة عن معيار أكف الجمهور وصيحات استحسانه. وقد اضطرت الصين على سبيل المثال الى مراعاة مصالحها الأهم ومسايرة الإجماع الدولي بإبداء مرونة في الملف الايراني وتبني مبدأ laquo;المسار المزدوجraquo; للعقوبات والمفاوضات الذي تعتمده واشنطن في تعاملها مع ايران.
وثالثاً لأن اردوغان يدرك حدود التأثير الذي يمكن لبلاده ان تمارسه على السياسات الدولية، وكذلك حدود التغيير الذي يمكنه فرضه في علاقات بلاده وتحالفها مع الغرب، فهي عضو في حلف شمال الاطلسي وفيها قاعدة عسكرية اميركية ومعظم مبادلاتها الاقتصادية يتم مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وروسيا واليابان.
صحيح ان حزب laquo;العدالةraquo; سعى منذ وصوله الى الحكم في انقرة الى تقديم صورة مختلفة عن تلك التي طبعت طوال عقود علاقات تركيا بمحيطها العربي والمسلم، كونه ينطلق من اصول اسلامية ويستند الى قاعدة انتخابية اسلامية، وانه رأى فائدة في نسج قاعدة لمصالح مشتركة مع دول الشرق التي تشكل امتداداً تاريخياً وجغرافياً لبلاده، لكنه وقع في ازدواجية اضطراره الى اعتماد شعارات سياسية تتعارض عملياً مع مصالحه الأكبر، خصوصاً ان هذا الشرق نفسه منقسم وسياساته غير متجانسة. ولهذا دخلت المواقف التركية من اسرائيل خانة الخطابة التي يمارسها العرب منذ ستين سنة. خطابة لا يسمح لها بتجاوز حدود المصالح الفعلية.














التعليقات