محمد خلفان الصوافي

علينا كعرب أن ننظر إلى الاتفاق الذي وقعته كل من تركيا والبرازيل مع إيران، وعرف باسم اتفاقية quot;تبادل اليورانيوم الإيرانيquot; من زاويتين: الأولى تنامي دور القوى الدولية الصاعدة التي بدأت تبرز كقوى مؤثرة في محيطها، خاصة بعد أن أصبحت قادرة على تحقيق مستويات تنموية ملموسة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وبعد أن أبدت مرونة في استغلال ثقلها السياسي والجغرافي والسكاني. الزاوية الثانية، وهي الأهم هنا، تتعلق بما فعلته تركيا بشكل أساسي، وهو إعادة تقديم درس جديد في كيفية إدارتها للأزمات الإقليمية، وتكييفها في خدمة مصالحها، حتى لو أدى ذلك إلى انزعاج حلفائها التقليديين. فقد أدت الاتفاقية إلى حدوث ردة فعل غاضبة من الدول الغربية كلها تقريباً، وإن كانت حالة الغضب الأميركي هي الأبرز، باعتبار أن ملف العقوبات على إيران يدار بقيادة الدبلوماسية الأميركية، الحليف الاستراتيجي لتركيا، ويفترض ألا تخرج عن الإطار المتوقع منها. ومرد الانزعاج الغربي من تركيا أن الاتفاق يمنح إيران مزيداً من الوقت. ولأن تركيا تحديداً هي من وفرت لإيران فرصة الإفلات من العقوبات مبدئياً، وبالتالي أحدثت خللاً في الإجماع الدولي، وهو ما اعتبره الغرب رغبة تركية في إنقاذ إيران وليس حشرها في الزاوية التي تؤدي في النهاية إلى تطبيق العقوبات الاقتصادية.
الموقف التركي من الطموحات الإيرانية النووية لا يختلف كثيراً عن الموقف الأميركي، بل إن تركيا كان لها موقف متشدد من عدم التجاوب الإيراني مع مساعيها للوساطة مع الغرب للوصول إلى اتفاق حول اليورانيوم المخصب، وقد أدى ذلك إلى أن تبتعد عن حيادها تجاه تلك الطموحات، باعتبار أن وصول إيران إلى امتلاك التكنولوجيا النووية يعني، في المقابل، تراجع الدور التركي الإقليمي؛ فتأثير إيران سيزداد، لكن البوصلة التركية في هذا الاتفاق تأكدت أن مصالحها الاقتصادية والتجارية ستتأثر إذا ما طبقت العقوبات على إيران، وقد تخسر إيران كجار إقليمي، ففضلت المصلحة الاقتصادية على عاطفة السياسة مع الحليف الاستراتيجي الذي جعلها تخسر إقليمياً الكثير. لكن تركيا هذه المرة أعطت الأولوية للعامل الجغرافي، دون أن تخسر الحليف الأميركي بالكامل. وهذه هي السياسة؛ لعبة مصالح. والاتفاق الأخير لا يعني أن هناك تباعداً في موقفي تركيا والولايات المتحدة فيما يخص امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية. لكن الواقع أثبت أن هناك سياسة تركية مختلفة في إدارة الأزمة. وهذه ليست المرة الأولى لتركيا؛ فقد سبق أن رفضت من قبل استخدام قاعدة quot;أنجرليكquot; الجوية على أراضيها لتوجيه ضربة ضد العراق.

وباختصار، تركيا تقدم بين الحين والآخر دروساً في كيفية تفضيل مصالحها الاستراتيجية، ولو أدى ذلك إلى إزعاج الآخرين عندما ترجح كفة مصالحها على السلبيات. إن حجم التبادل التجاري بين إيران وتركيا يقدَّر بنحو 11 مليار دولار، وفرض العقوبات يعني أن تركيا هي الخاسر الأكبر. وبالتالي، فإن ما فعلته تركيا نابع من مصالح اقتصادية محضة. تركيا اليوم باتت نموذجاً إقليمياً وعالمياً في كيفية إدارة مصالحها واقتناص quot;الفرص الإقليميةquot;، وربما هذا يُعد أحد الأسباب الرئيسية للنجاحات السياسية التي حققتها. وفي مقابل ذلك نجد أن الدروس التركية بعيدة عن الاستيعاب العربي لها، رغم أن بعض الدول العربية ليست أقل من تركيا من حيث المساحة والثقل السكاني، لكن المسألة تكمن في تراجع العرب عن إدارة مصالحهم بشكل عملي.