سيد أحمد الخضر


لا يعجبني إطلاقا الحديث عن الدكتور محمد البرادعي كخليفة راشد لمبارك على أرض مصر أم الدنيا.. البرادعي أساء للأحزاب المصرية وبخس نضال شعب مَصر العظيم بمجرد إعلان رغبته الترشح للرئاسة ومطالبة الناخبين بالالتفاف حوله..
لماذا لا ينضم مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق إلى أحد الأحزاب أو إحدى الحركات المصرية للمساهمة في الحراك الديمقراطي؟ الجواب أن الرجل على ما يبدو لا يعترف إلا بنفسه ولا يريد أن يبقى لحظة واحدة دون التربع على عرش منصب رفيع: يودع الوكالة الذرية مساء ويمسك بملك مصر في الصباح. كأنه يرفض تقدير بلاء من سبقوه بعقود في ميدان السياسة ولا يولي اهتماما للعمل المدني الذي غالبا ما تنخرط فيه الشخصيات السامية بعد انتهاء مأمورياتها.
إنها إساءة بالغة أن تظل خارج العير والنفير ثم تحرص على أن تتولى الأمر في بلد بحجم مصر يتعاطى مع واقع معيشي أكثر من مُزرٍ وملفات خارجية بالغة التعقيد.
لو أن البرادعي تأخر أربع سنوات أو خمساً حتى يُلمّ بتعقيدات المشهد السياسي في النيل ثم سمّى نفسه مرشحا للرئاسة لكان في الخطوة حظ من المصداقية، لكنه خلق عجولا.
داخلياً أعتقد أن حركة الإخوان المسلمين لن تقدم إنجازات عقود من الزنازين والإعدام والنفي قرباناً لوافد جديد على السياسة لا يملك من الماضي ولا من الحاضر إلا أنه كان مديرا لإحدى الوكالات الدولية، هذا بالإضافة إلى أن الحركة جرّبت غدر الشخصيات التي تبدو محافظة لكنها تتنكر للماضي والمبادئ المشتركة فور استتباب الأمر لها لتُوسع أعضاءها سجنا وقتلا، ولا أعلم بتيار آخر في مصر يمكن أن يضمن للرجل تسلّم مقاليد الحكم، حيث لم يحصل أن حصد أي من الأحزاب المعارضة نسبة 8% في الانتخابات الرئاسية.
أما بالنسبة للخارج فإن مصر مرابطة على ثغر حساس في السياسة الدولية ولن يدعم الغرب مرشحا لم يخبر التزامه بحسن جيرة إسرائيل وraquo;رعايةraquo; المصالحة الفلسطينية، ويزداد تعقيد ملف الرجل غربا عندما يطلب دعم حركة الإخوان وينادي بأحقيتها في تأسيس حزب سياسي. هذا الموقف لا يطمئن الغرب على مستقبل الرجل حتى وإن كانت الحركة نفسها تتحدث حاليا عن الدولة المدنية وتناقش ولاية الكافر على المسلم. أما في المحيط العربي فلا أحسب الرجل سيلقى دعما معتبرا لأن العلاقات العربية العربية لا تجيز التدخل في القضايا الداخلية للدول الأعضاء في الجامعة.
ومع أن الاعتبارات أعلاه تكفي لعدم التفاؤل بمستقبل البرادعي سياسيا وكفيلة بإبعاده عن عرش الكنانة فإن هناك عوامل أخرى أكثر موضوعية تجعلنا جميعا نقول: لا لمحمد البرادعي.
لا ينبغي للشعب المصري أن ينتخب الرجل الذي سيكون صوتا نشازا في النظام العربي حتى وإن كان له تاريخ كبير في إدارة أكثر الوكالات العالمية تعقيدا وأبعدها أثراً في السياسة الدولية.. هناك مستوى من التناغم في مؤسسات النظام العربي نريد أن نحافظ عليه وهناك أيضا رصيد من الحكمة الراسخة لا ينبغي أن نسمح لأي كان بالعبث به. لو انتخب البرادعي سوف يعمل على تعويض انعدام تجربته في الحكم بالحديث عن القانون وحقوق الإنسان والحريات العامة وغير ذلك من المفاهيم التافهة التي لا توجد في غير المقررات الجامعية، مما سيشل أداء الجامعة العربية وربما يهدد استمراريتها، هذا أولا، وثانيا سيقول البرادعي، لا محالة، إنه يعرف قيمة القرارات الدولية وقد خبرها عن كثب وينبغي ألا يتوقف العرب عندها لأنها بلا قيمة، وهذا كلام خطير يسيء للسياسة العربية التي تتمسك بالشرعية الدولية كما تتمسك بخيار السلام الشامل العادل. ثم إن الرجل، كما تعلمون جميعا، لم يعمل في التجارة وليست لديه رتبة عسكرية والأهم من هذا كله أن أباه لم يكن رئيسا ولا حتى وزيرا فلماذا يخيل إليه أنه أهل لحكم بلد بحجم مصر؟
نظراً للأسباب الأنفة الذكر وبما أنه لا يوجد في الساحة السياسية المصرية، حاليا على الأقل، سوى البرادعي وجمال مبارك فإني أعلن معارضتي التامة للبرادعي وتأييدي المطلق لجمال مبارك فهو أحق بها وأهلها.