خالد القشطيني


التقيت بأستاذ أكاديمي عراقي من الجامعة المستنصرية، لفت نظري الى هذه الظاهرة. قال ان الأميركان اينما ذهبوا أقاموا مؤسسات طبية او معاهد علمية او جامعات. هكذا أقاموا الجامعة الأميركية في لبنان وفي مصر وسواهما كما أقاموا كلية بغداد والمدرسة الأميركية في بغداد في العهد الملكي. ولكنهم الآن وقد تولوا فتح العراق وحكمه وادارته لم يفعلوا أي شيء من ذلك. سيخرجون دون ان يخلفوا للعراقيين أي شيء من هذا.

قلت هذا شيء طبيعي. كيف يقيمون مثل ذلك وحياتهم مهددة بالخطف والقتل؟ أتذكر جراحا أميركيا من أصل يهودي عراقي يعتبر قمة في الولايات المتحدة في جراحة العيون بالليزر. التقيته في لندن بعد سقوط صدام. كان في طريقه الى العراق يطمح لإقامة مركز لهذا الميدان الذي تخصص به، طبابة العيون بالليزر. ذهب الى بغداد وعاد ونفض يده من المشروع بسبب اختلال الأمن. الحقيقة انني شخصيا كنت أفكر بمثل ذلك فأقيم مشروعا على قد حالي أقضي به بقية حياتي في خدمة هذا الشعب. وأنا كذلك نفضت يدي من الفكرة لنفس السبب.

أجابني الزميل فقال، لا. هذا سبب واحد. ولكن السبب الآخر هو ان الأميركان قرفوا من العراق. quot; لعبت نفسهمquot; ، على حد تعبيره. بزعوا من العراق والعراقيين وفقدوا الرغبة في خدمتهم .

يظهر انهم تأثروا بتجربتهم في المانيا بعد إسقاط هتلر. كانت تجربة رائعة في نجاحها في إعادة بناء المانيا بتعاون شعبها معهم. تصوروا ان نفس الشيء سيحصل في العراق. تأملوا بأن الشعب العراقي سينظر اليهم كمحررين جاؤوا لإنقاذهم من نظام بغيض فيرحبون بهم ، يرمون عليهم الأوراد، ويصفقون لهم ويتعاونون معهم ويستمعون لنصائحهم. جاؤوا بالديمقراطية فإذا بالناخبين ينتخبون مجلسا من اسوأ ما مر على الأرض. سلموا الإدارة لرجال أغرقوا البلد بالفساد والسرقات وعدم الكفاءة والتخلف والتخريف. اينما حاولوا شيئا فشلوا. وغرق البلد بالإرهاب والتقتيل وانعدام الأمن .

ما كانوا يتطلعون اليه من تحويل العراق الى نموذج رائع للعالم الثالث في نجاح فكرة التدخل وبناء الديمقراطية أصبح كابوسا وخطلا. خيبة كبرى.

تجسمت هذه الخيبة في كلمات جندي عريف أميركي سمعته يعبر عن قرفه من هذه الخيبة فقال: quot; جئنا لنحررهم فاذا بهم يطلقون النار علينا!quot; رأيت هؤلاء الجنود في معسكر قريب من بغداد. لمحت تقاسيم السأم والقرف بادية عليهم. لم أر أحدا منهم يبتسم. لم يجدوا في العراق شيئا يدخل المسرة في قلوبهم. الناس لا يحبونهم. الاختلاط بالنساء ممنوع عليهم. لا توجد كباريهات ولا نواد ليلية ولا حتى سينمات. والخوف من الارهاب يمنعهم من ارتياد الأماكن السياحية والآثارية.

اعتقد بأنهم يشاركونني هذا الشعور الشخصي، بأننا قوم جاحدون لا نذكر بالخير من يحسن الينا، قلما نرد على الجميل بالعرفان، وغالبا ما نعض اليد التي تمتد لمساعدتنا.