Mohamad Bazzi - NY Daily News

واشنطن


ساعد الصدر، الأكثر شعبيةً بين الشيعة اليافعين والفقراء، إيران في بسط نفوذها على العراق، إذ يخال نفسه صاحب النفوذ السياسي الذي يستطيع تحديد المصير السياسي لكل من علاوي ورئيس الوزراء الراهن، نوري المالكي الذي يحارب من أجل الحفاظ على منصبه.

التقى رجل الدين الشيعي المعادي للأميركيين، مقتدى الصدر، إياد علاوي الذي يترشّح لمنصب رئيس الوزراء المقبل في العراق بعد أن فاز تحالفه بفارق ضئيل في الانتخابات البرلمانية في مارس.

قد يبدو ذلك تطوّراً بسيطاً في المناورات السياسية المتواصلة لتشكيل حكومة مستقرة في العراق، لكن هذا اللقاء شكّل انتصاراً لإيران وانتكاسة أخرى للولايات المتحدة.

بينما قمع النظام الإيراني المعارضة الداخلية لعملية إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد المزوّرة، سعى أيضاً إلى الحفاظ على سيطرته على الفصائل الشيعية في العراق، وبعد تخطّيه تحدياً داخلياً، أي ما يُسمّى بالثورة الخضراء، أصبح النظام الإيراني أقوى وأكثر جرأةً للقيام بمجازفات في الخارج.

من جانبه، ساعد الصدر، الأكثر شعبيةً بين الشيعة اليافعين والفقراء، إيران في بسط نفوذها على العراق، إذ يخال نفسه صاحب النفوذ السياسي الذي يستطيع تحديد المصير السياسي لكل من علاوي ورئيس الوزراء الراهن، نوري المالكي الذي يحارب من أجل الحفاظ على منصبه. دار اللقاء بين الصدر وعلاوي في دمشق بتدبير من الرئيس السوري، بشار الأسد، حليف آخر لإيران.

منذ عام 2007، عاش الصدر في منفى فرضه على نفسه في مدينة قم الإيرانية، وبعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بدأ يستقبل مبعوثين من الفصائل السياسية العراقية التي تطلب دعمه، ومنذ ذلك الحين انجذب إلى تحالف سياسي شيعي جديد يفتقر اليوم إلى أربعة مقاعد للحصول على الأغلبية البرلمانية، وإلى سلطة اختيار رئيس وزراء وتشكيل حكومة.

لكن تفوّق الصدر على الساحة السياسية يهدد بتأجيج التوّتر الطائفي في العراق، فقد ارتكب أتباعه بعض أفظع الجرائم ضد السنّة خلال الحرب الأهلية الأخيرة في البلاد، وأطلقت ميليشيا المهدي، التي تُعرف بجيش المهدي، فرق الموت التي اغتالت السنّة وطردتهم من الأحياء الشيعية.

فضلاً عن ذلك، يسعى المجاهدون المخلصون لتنظيم القاعدة مسبقاً إلى استغلال الاضطراب السياسي لزعزعة استقرار العراق مجدداً. ففي يوم الأحد، قُتل أكثر من 50 شخصاً في هجمات بالقرب من بغداد، بما فيها تفجير انتحاري مزدوج استهدف متمرّدين سنّة سابقون بدّلوا انتماءهم للقتال إلى جانب القوّات الأميركية.

في ظل استمرار الأزمة السياسية، يواصل الجيش الأميركي سحب قوّاته عملاً بوعد الرئيس أوباما بخفض عدد القوّات إلى 50 ألفاً في نهاية أغسطس.

من جهتها، طلبت وزيرة الخارجية كلينتون أخيراً من القادة العراقيين تشكيل حكومة جديدة 'على وجه الاستعجال'، لكن المسؤولين الأميركيين لا يملكون سطوةً على المجموعات العراقية المنشغلة أكثر اليوم بالتملّق لإيران.

تنامى نفوذ الصدر لأنه ما من فصيل واحد قادر على الهيمنة على البرلمان الجديد، وفازت لائحة العراقية بزعامة علاوي بالحصة الأكبر مع 91 مقعداً، تبعها ائتلاف دولة القانون بقيادة المالكي مع 89 مقعداً، والائتلاف الوطني العراقي الشيعي مع 70 مقعداً، يُشار إلى أن حركة الصدر فازت بـ39 مقعداً، أكبر حصة داخل الائتلاف الوطني العراقي. وفي مطلع يونيو، أعلن المالكي تحالفه الرسمي ما بعد الانتخابات مع الائتلاف الوطني العراقي، مانحاً اللائحتين 159 مقعداً في المجلس التشريعي المؤلّف من 325 مقعداً.

بدعم من إيران، ادّعى هذا التحالف الجديد أحقيته في تشكيل حكومة بالرغم من أنه قام بعد الانتخابات ويتجاهل بشكل فاضح رغبات الناخبين العراقيين. يحاول المالكي عبر انضمامه إلى الائتلاف الشيعي التفوّق في الدهاء على علاوي الذي حاز تحالفه العلماني دعماً قوياً بين الأقلية السنّية في العراق، وتهدد بالتالي مثل هذه التكتيكات السرية بإثارة العنف الطائفي الذي شرذم العراق مرّةً أخرى.

حتّى اليوم، يبدو الصدر وأتباعه متردّدين في دعم إعادة تعيين المالكي كرئيس للوزراء، لأنهم يحمّلون المالكي مسؤولية الهجوم الذي شنّه الجيش العراقي في عام 2008 والذي قضى على ميليشيا الصدر، وهكذا عبر التودد إلى علاوي، حاول الصدر توجيه رسالة إلى المالكي بأن عليه القيام بتنازلات وإلا سيخاطر بفسخ الائتلاف الشيعي الجديد.

قال الصدر من دمشق: 'لدي خط أحمر ضد الأميركيين'. ذلك لا ينذر خيراً بالنسبة إلى الأميركيين، فمهما كانت الصفقة التي سيعقدها الصدر في النهاية، فمن المؤكّد أنه سيطالب بدور كبير لأتباعه في الحكومة الجديدة، ومن شأن ذلك أن يصعّب على واشنطن الحفاظ على علاقة وطيدة مع الحكومة العراقية بعد انسحاب قوّاتها.

* أستاذ مساعد بارز

في مجلس العلاقات الخارجية.