طارق محمد الناصر

كأنه لم ينقص رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية الرئيس سعد الحريري في أثناء الهجمات المنظمة والمنهجية التي تشنها عليه المعارضة والأطراف التي تدعمها حتى ظهرت أصوات من المفترض أنها صديقة تدعوه للتنحي عن سباق الترشح للتكليف لمنصب رئيس الوزراء تحت عنوان تغليب المصلحة الوطنية العليا.

يتعين ألا يغيب عن ذهن أصحاب مثل تلك الدعاوى أن المعارضة بزعامة حزب الله لم تكن لتستطيع أصلا أن تسلب قوى 14 آذار أكثريتها لولا أساليب الترهيب التي مارستها ضد النواب لحملهم حملا على إعطاء أصواتهم للنائب نجيب ميقاتي.

تأجيل الاستشارات النيابية كان لعبة الهدف الوحيد منها هو ترتيب انتشار عناصر لحزب الله في بيروت يوم الاثنين الماضي لاستعراض القوة وتاليا لإخضاع من تبقى من النواب اللازمين لتأمين النصاب الكافي لتكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتأليف الحكومة.

المشاركة في حكومة يشكلها حزب الله تعني ببساطة إعطاء تلك الحكومة شرعية تغطي بها سوءتها أمام العالم. أما المقاطعة فتعني عدم القبول بالأسلوب الذي فرض به الحزب سيطرته على عملية تشكيل الحكومة بل وعلى جميع مناحي الحياة السياسية في لبنان. قبول اللعب وفق الشروط التي يحددها الحزب هو قبول بشرعية تلك الشروط ودستوريتها.

والذي يدعو الحريري الابن لترك الترشح للفوز بالتكليف لتشكيل الحكومة والقبول بمرشح المعارضة بل والمشاركة في تلك الحكومة إنما يدعوه إلى خيانة القسم الأكبر من سنة لبنان الذين أدلوا بأصواتهم لمصلحته في الانتخابات النيابية للعام 2009. ولا حاجة للقول إن جمهور تيار المستقبل خصوصا وجمهور 14 آذار عموما يشعرون أصلا بالقلق من سيل التنازلات الذي قدمته الأكثرية دون أن تجد لتلك التنازلات رصيدا في بنك العلاقة سواء مع المعارضة أو مع سورية.

اللافت للنظر أن المعارضة اللبنانية تطالب خصومها بالانتحار السياسي عبر إعطائها كل ما تريد وعزوفها عن التسويات. فالمعارضة حسب قول أمين عام حزب الله نفسه رفضت العرض الذي قدمه لها الرئيس سعد الحريري باعتبار مشتبهي القرار الظني عناصر غير منضبطة في حزب الله. بدلا من ذلك يصر الحزب على مطالبة قوى 14 آذار بما يصيبها في صلب شرعيتها: التبرؤ من المحكمة الدولية.

مفهوم أن الحريري يرزح تحت ضغوط ضخمة، لكن ما بال الرئيس ميقاتي يقبل بالتكليف عوضا عن الحريري ليحقق لحزب الله ولباقي أطراف المعارضة ما كانوا قد عجزوا عنه بشق الصف السني كما نجحوا من قبل بشق الصف المسيحي؟