الزوج يهزأ من اهتمامات زوجته السخيفة والزوجة تتابعها رافضة واقعها الذي لم يعد يرضيها:


رندة زريق


منذ مدة ومواعيد النساء في القرى والمدن العربية أكثر دقة من ذي قبل. فاللقاء بعد المسلسل المدبلج أو قبله... تجلس نصف الفتيات والنساء أو ما يزيد عن النصف لمشاهدة ما حدث ومتابعة ما صار!
أصبحت الزوجة تفرض الحظر والحجر ساعة عرض المسلسل.فالأكل ممنوع ،الكلام ممنوع،الاتصالات الهاتفية والأعمال المنزلية مجمدة وحتى العلاقات الاجتماعية غير واردة بالحسبان خلال هذه الساعة..
على الأطفال أن يصمتوا و يتابعوا.. حتى لو كانت المضامين غير مناسبة لأعمارهم الغضّة...
أما الزوج فعليه تقبل الأمر الواقع حتى لو اضطر للتنازل عن نشرة الأخبار او المباراة وإلا فبإمكانه مغادرة المنزل.
تقضي معظم النساء ثلاث أو أربع ساعات يوميا في مشاهدة مسلسلات لا فائدة منها ولا اي هدف...
تتحول أحداثها لمادة نقاش بين الصديقات ليس فقط في أثناء الزيارات بل وعبر الهاتف أيضا! فنشرة الأخبار لا تعنيها .
أحداث تونس و لبنان وفلسطين لا تعنيها أيضا..
البرامج الأدبية الثقافية ليس من اهتماماتها...وطبعا فمشاهدة الأعمال المسرحية والأمسيات الفنية الراقية غير واردة بالحسبان..المهم هو هذا الطقس المقدس الذي يحظر أن تفوتها لحظة منه...
مسلسلات الأنهار الطويلة، حلقات بالعشرات والمئات... بل قل بالآلاف أحيانا...
مال وكمال... جاه وجمال... غنى فاحش وقشور حياة بعيدة عنا كل البعد هو ما يميز هذه
القصص المختلقة الممطوطة التي تبدو للمشاهد الساذج كما لو أنها مترابطة ومتواصلة...مسلسلات تصور نهج حياة عائلات وأفراد تغيّر الأزواج والعشاق كما الجوارب...
تصور حياة أفراد لا روابط أخلاقية و لا قيمة سامية تحدد نهج دنياهم...!
وها أنت تقف حائرا متسائلا،'ترى ما الذي يجعل نساءنا وشاباتنا يعشقن متابعة هذه النوعية من المسلسلات البعيدة كل البعد عن واقعنا'؟!ما هو السحر الكامن في هذه الأعمال يا ترى؟!
وما الذي يجعل هذه الفئة ترى أحلامها ورغباتها مجسدة في مثل هذه المسلسلات!؟أهو افتقاد معظمنا للجمال والجميلات؟أهي الرغبة في امتلاك بيوت ضخمة وأثاث فخم؟!
أتراه حب الملابس والسيارات والمجوهرات غير القادرات على اقتنائها فتُسعد بمشاهدتها على الأقل؟! فيتم التعايش مع أحلام اليقظة مجسدة في هذه المسلسلات والبرامج؟
أم تراه الفراغ القاتل الذي يملأ حياتهن فيفرغها من المضامين الهامة التي تستحق عناء التفكير؟!ماذا عن الكبت الاجتماعي والجنسي الذي يمارس ضد شبابنا، شاباتنا ونسائنا بشكل خاص..!؟
ألا يخلق حاجة للتفريغ من خلال برامج ومسلسلات إباحية بعض الشيء؟! أو ليس إدمان مواقع، الانترنيت والتشات والفيس بوك بشكل خاص مؤشراً على الفراغ نتيجة الإهمال والتسطيح والتراكض وراء القشور والمظاهر على حساب التواصل الإنساني الاجتماعي و العائلي؟!
إن ظاهرة الإدمان الغريبة هذه والتي تغسل الأدمغة تستحق عملية تحليل نفسي جماعية قبل أن تتحول إلى حالة اجتماعية مستشرية يصعب بل يستحيل إيقافها..!
وأشدد على هذه المسلسلات التلفزيونية كون الأخير يفرض علينا ما يبث ويزورنا دون استئذان في كل ساعات النهار والليل...
والمشكلة حين يبث المسلسل الواحد على أكثر من فضائية فيتم الانتقال من هنا وهناك لاستباق الأحداث! فقد تحولت هذه الإعمال إلى واجب على الفضائيات أن تبثه وبالتالي على السفهاء متابعته ومحاولة تجسيده في حياتهم اليومية.
ومع تعذر ذلك طبعا تبدأ المشكلات والخلافات بالظهور وتحويل الحياة العائلية إلى جحيم لا يطاق، وهكذا تعود دورة الدولاب من جديد...
الزوجة تزيد من متابعتها لهذه المسلسلات محتجة رافضة لواقعها البسيط الذي لم يعد يرضيها...أو مقموعة صامتة!
أما الزوج فيعود أكثر من ذي قبل ليهزأ بسخافة زوجته واهتماماتها السطحية...
دون أن يحاولا مد جسور التواصل والتفاهم بينهما... دون أن يدرك الرجل إن أحد أهم أسباب هذه التصرفات التي يتهمها بالسخافة دون أن يدرك أن هذه المرأة أو الشابة هي حصيلة تربية مجتمعية أبوية تسعى لتسطيح تفكير فتياتها لتبقى السيطرة للرجال.. وللرجال فقط...
حبذا لو يعيد مجتمعنا العربي حساباته ونهج حياته وتعامله المختلف بين الفتى والفتاة.. المرأة والرجل.. على أمل أن نرتقي بأفكارنا .. سلوكياتنا.. واهتماماتنا إلى مراحل أكثر نضوجا وأهمية...
وهمسة في أذن كل الرجال، لن تتمكن المرأة من تخطّي السقف الزجاجي الموضوع فوق رأسها كحد للتقدم دون أن تجرح نفسها إلا إذا تم ذلك يدا بيد مع الرجل الأب، الأخ، الزوج، الحبيب، الابن...
وهكذا فقط يمكن أن تخرج من حالة الغياب عن الثقافة الحضارة والرقي والإبداع.
على كل يبدو أن هذه المسلسلات (وما يشبهها) لن تتركنا - هذا إن سمح لها قبل أن تغسل أدمغتنا وعقولنا من كل هموم الحياة بل من كل شأن عام وهام...
لن تتركنا قبل أن تحولنا إلى أهل كهف جدد أكثر عصرية، استهتارا وتخبطا...
قبل أن تتركنا غائبين مغيّبين...!
قد نفيق بعد فوات الأوان وعبور القطار الأخير...
فنظل إلى ما لا نهاية في كهفنا المعتم...في ذات محطة حياتنا غير قادرين على التقدم والتطور.!
حبذا لو ندرك أنه طالما وافقنا على بقائنا في مكاننا فلن نكون أكثر من فقاعات صابون سرعان ما تختفي بالتلاشي.
طالما سمحنا لأنفسنا بالتقوقع داخل نفس الأفكار والمرجعيات ولم نغير من نهج حياتنا وأسلوب تربيتنا سنفقد حتى إمكانية أن نكون حتى فقاعات صابون تظهر ولو أحيانا ترمز لوجودنا...
وهكذا نبقى على الهامش...هامش التطوّر، هامش الفكر، هامش الوعي والثقافة الحقيقية...!
ويبقى التساؤل الأول والأخير'إلى متى مع هذا الإدمان القاتل على هذه الأوبرات الصابونية التي أعمت عيوننا بفقاعاتها'!؟
إلى متى مع هذا الإدمان القاتل على التعود والتقوقع والتخوف من التغير والتغييرالفعلي والأساسي!؟
إلى متى؟!
أما عن غزو المسلسلات التركية المدبلجة تحديداً... فستكون لي وقفة خاصة لاحقاً.