راجح الخوري

حققت ايران انتصاراً بكل المقاييس بعدما حصلت على اعتراف دولي بأنها نظام ثيوقراطي يملك بطاقة العضوية النووية ويقف على عتبة امتلاك السلاح النووي ولو بعد فترة ١٥ سنة لا تمثل سوى برهة في عمر الدول.

على رغم ان ثمن الإتفاق الذي تم التوصل إليه كان غالياً، الى درجة ان الخطوط الحمر التي رفعها علي خامنئي تم تجاوزها، سواء بالنسبة الى عمليات التفتيش أو بالنسبة الى الوقف الفوري للعقوبات أو بالنسبة الى خفض التخصيب وأجهزة الطرد، فإن حصول ايران على أرصدتها المجمدة والتي تتجاوز الـ ١٤٠ مليار دولار، وإنفتاح الدول الغربية عليها يشكلان مكسباً كبيراً لها!

القطط الأوروبية المستعجلة لحجز حصتها من الجبنة الإيرانية ستجد ان الأميركيين سبقوها الى طهران، وان الروس الذين بنوا المفاعلات النووية هناك باتوا يتحدثون الفارسية، وعندما يقول حسن روحاني إن الإتفاق انتصار لإيران ونقطة إنطلاق لبناء الثقة مع الغرب و"ان تطبيقه بشكل سليم يمكننا من ان نزيل إنعدام الثقة تدريجياً، وهذا إتفاق مشترك ومتبادل"، فإن ذلك يعني ان طهران تطمح الى علاقات مع الغرب من موقع الإعتراف بها دولة إقليمية لها دورها وحسابها!

باراك اوباما يؤكّد ان الإتفاق يتيح الفرصة لإتّباع مسار جديد في العلاقات مع ايران، ولكن هل هي العلاقات مع واشنطن، أم انها أيضاً تلك العلاقات التي أشار اليها لوران فابيوس بالقول ان الإتفاق يمكن ان يساهم في حلّ مشاكل المنطقة؟

هنا بيت القصيد بالنسبة الى دول المنطقة التي تعترض على العربدة الإيرانية وتدخلها في شؤونها من البحرين الى اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، والسؤال الجوهري المطروح:

هل الإتفاق ورفع العقوبات وإستعادة المليارات ستقلّم أظافر الثورة التي يتم تصديرها الى الاقليم، لتصبح ايران دولة مندمجة ومتعاونة تحترم سيادة الآخرين، أم ان حصولها على المليارات وعلى الإعتراف الدولي بها قوة تضع رجلها داخل العتبة النووية، سيزيد عربدتها وسيجعلها تتغول أكثر في سياسة التدخل في دول المنطقة؟

لقد وصلت المراهقة السياسية عند الكثيرين الى درجة التصديق انه في اللحظة التي تحصل ايران على الإتفاق النووي، سترخي قبضتها التي تشعل الأزمات في المنطقة، ففي لبنان على سبيل المثال ثمة من يظن ان توقيع الإتفاق سيؤدي الى إنهاء سياسة المقاطعة التي تمنع إنتخاب رئيس للجمهورية، وان طهران ستكون أقرب الى التفاهم على حل سوري على قاعدة الإنتقال السياسي الذي ينهي حكم بشار الأسد ولو بعد فترة !

في رأيي هذه حسابات خاطئة، فطهران التي تخلّت عن القنبلة لن تتخلّى عن الثورة وعن سياسة العربدة الإقليمية التي ساعدتها في التوصل الى الإتفاق، وخامنئي لن يبيع الثورة بحفنة من الدولارات!