أحمد عاطف

 رغم أن فعالياته تقام كل عام فى جو الشتاء القارس، إلا أن مهرجان برلين السينمائى الدولى دافئ دائما أبدا باختياراته المميزة من الأفلام، والتى ما تهتم عادة بالأحداث الجارية فى العالم بقدر اهتمامها بالأفلام ذات المستوى الفنى الرفيع.

ولعل أهم فيلمين جذبا الانتباه فى الاسبوع الأول للمهرجان العريق هما «بروفايل» لمخرج كازاخستان المميز تيمور بكمامبيتوف، و7 أيام فى عنتيبى للمخرج الامريكى جوزيه باديلا. الفيلم الأول تعرض لموضوع شديد الخصوصية يشغل اوروبا والعالم اجمع الآن وهو تجنيد النساء الأوروبيات للالتحاق بتنظيم داعش. وهو مستند على قصة حقيقية مأخوذة من كتاب «وكأنى ارهابية» للصحفية الفرنسية أنا ايريل. تدور الحبكة حول صحفية تعانى من ضيق العيش، فقررت أن تختلق قصة تحقيق تليفزيونى مثير تحاول تسويقه لأحد مديرى القنوات. فتتنكر فى صورة امرأة اوروبية اسمها ميلودى نيلسون تدعى أنها قامت لتوها بالتحول للدين الإسلامى، ثم صنعت لنفسها بروفايل (صفحة شخصية) على موقع الفيس بوك، ووضعت صورا محورة لنفسها عن طريق الفوتوشوب لتبدو أصغر وأجمل، ثم صنعت فيديوهات لتصبح معروفة فى عالم المتحولات للإسلام. ثم بدأت تضع علامة لايك و تعلق على الرسائل الداعمة لفكر التطرف الاسلامى على شبكة الانترنت لتكسب ثقتهم وتبدو من أتباعهم. فتتلقى رسالة من شخص يدعى بلال سعيد بكونها تعلق بإيجابية على ما يكتب وينشر، ويعرض عليها أن يتحادثا عبر تطبيق سكايب الأشبه بالتليفون. ثم يخبرها انه بريطانى من أصول باكستانية أحرق باسبوره الإنجليزى بمجرد وصوله للجهاد فى سوريا. وتتعمق علاقتهما بعد أن أنجذبت الى شخصيته. فأخذ يتودد لها ويثبت لها أنه يجاهد من أجل غايات نبيلة وليس بطريقة شيطانية مثل من هم حوله الذين يقتلون الأطفال. وطوال الفيلم يحاول بلال ان يثبت لها أهمية ما يفعل ثم يدعوها للسفر للجهاد إلى بلاد الشام معه ويحكى لها أن المكان هناك مليء بالمجاهدات المسلمات القادمات من أوروبا وكل بلاد العالم، وأن الحياة رائعة وطبيعية للمجاهدين. وأنهم يقيمون فى منازل فخمة استولوا عليها، ويقضون وقت فراغهم فى لعب كرة القدم وبلايستشين. أما فيلم (7 أيام فى عنتيبى) فهو عن العملية الشهيرة التى قامت بها عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عندما خطفوا طائرة اير فرانس من أثينا وتوجهوا بها الى مطار عنتيبى بأوغندا عام 1976 لوجود 102 إسرائيلى على متنها. وقد استطاعت إسرائيل تحرير الطائرة وتخليص الرهائن بعد 7 أيام من احتجازهم بواسطة الفلسطينيين وأعضاء من تنظيم ماينهوف الألمانى الذين شاركوهم الخطف. ولم يحظ الفيلم بأى تقدير نقدى من النقاد بالمهرجان، لأنهم وجدوه فيلما دعائيا قليل القيمة صنعته إسرائيل بواجهة انتاج أمريكية لكى يمجد فى إحدى بطولاتها.

ويركز الفيلم على حالة الرعب التى يعانيها المخطوفون، خاصة وأنهم أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل. ويطلب الخاطفون إطلاق سراح بعض الفلسطينيين المساجين بالسجون الإسرائيلية لكن السلطات الصهيونية ترفض التفاوض على هذه الأرضية وتقرر إرسال قوة كوماندوز لتقوم بالمهمة الناجحة والتى حررت المخطوفين، والتى لم يقتل فيها سوى يوناثان نتنياهو شقيق بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الحالى. وقد عبر بيبى فى الفترة الأخيرة عن عدم سعادته بالفيلم لأنه لا يقدم أخوه كبطل بالشكل الكافى رغم أن الفيلم بأكمله صنع لإسرائيل ومنحاز لروايتها. ودافع المخرج عن نفسه فى المؤتمر الصحفى الذى أقيم بمهرجان برلين، وقال إنه قدم فى الفيلم الحقيقة كما سمعها من الأحياء من شهود الواقعة. أما ثالث الأفلام المثيرة للجدل فى المهرجان الألمانى الكبير فهو الفيلم النرويجى «يو-يوليو 22». وهو يحكى بطريقة فنية خالصة - بعيدة عن أى تسجيلية- المذبحة الشهيرة التى قام بها أحد المتطرفين اليمنيين بالنرويج منذ عدة سنوات عندما أطلق النار بشكل عشوائى على معسكر للشباب بجزيرة تويا النرويجية. وقد اختار المخرج أريك بوب أن يستعيد الأحداث من خلال شخصية مراهقة تجرى وهى تحاول النجاة من السفاح لكى لا يقتلها هى الأخرى، وتبحث كذلك عن شقيقتها الصغرى. وتحاشى بوب إظهار السفاح فى أى لقطة أو حتى ممثلين عن الضحايا الحقيقيين وهم يقتلون مراعاة لمشاعر أسرهم، إذا ما كان قد استعاد الواقعة بتفاصيلها. وقال المخرج إن همه هو التنبيه إلى خطر التطرف اليمينى وكيفية صعوده بعنف أخيرا فى أوروبا. كذلك لم تغب قضية اللاجئين عن مهرجان برلين. فعرض فيلم الدورادو عن لاجئين من بينهم عرب تم إنقاذهم بالقرب من السواحل الليبية وتم نقلهم إلى إيطاليا و ماعانوه هناك.