* أخيرًا وبعد طول انتظار؛ تبنت وزارة الثقافة- مشكورة- الترخيص لتعليم الموسيقى في المملكة، فقد أعلن (الأمير بدر عبد الله بن فرحان) وزير الثقافة؛ عن صدور أول ترخيص لمعهدين موسيقيين في المملكة. ودعا عبر حسابه الرسمي على (تويتر)، جميع المهتمين في القطاعين الخاص وغير الربحي، لتقديم طلبات تراخيص المعاهد في المجالات الثقافية المختلفة. وبموجب هذه الخطوة الثقافية المهمة؛ بدأ العمل برخصتين، الأولى لـ (مركز الدولية الموسيقي للتدريب)، والثانية لـ (معهد البيت الموسيقي للتدريب)، وهما معهدان متخصصان، يقدمان التدريب وتنمية المواهب في المجال الموسيقي. بهذه المناسبة؛ قال رئيس مجلس إدارة معهد البيت الموسيقي بالرياض الدكتور صالح الشادي؛ إن هذه التراخيص؛ تفتح آفاقاً واسعة للتعاون بين القطاعين الخاص والحكومي للتدريب الموسيقي والثقافي.
* هل تعليم الموسيقى أمر جديد على المجتمع السعودي..؟ الحقيقة أن بلادنا سباقة إلى كافة الفنون الثقافية، ولها أدوارها في هذا الميدان، وساهمت وشاركت في رفع الذائقة الموسيقية والطربية العربية منذ عقود عديدة، تشهد بهذا؛ المكانة التي تبوأتها الألحان الموسيقية والأصوات الطربية السعودية في سماء الفن الموسيقي والأغنية الطربية العربية، من الموسيقار الكبير طارق عبدالحكيم؛ إلى الفنان جميل محمود، وطلال مداح، وعبد الله محمد، وفوزي محسون، وابتسام لطفي، وغيرهم كثير ممن لحنوا لمغنين ومغنيات عرب، وغنوا وأطربوا، وقدموا بلدهم في المحافل العربية والدُّولية، بل نالوا شهادات وجوائز من محافل عربية ودُولية، وفي مقدمتهم الموسيقار المرحوم طارق عبد الحكيم عميد الموسيقى العربية، الذي كرمته اليونسكو العالمية للموسيقى.
* قبل عدة أيام؛ كنت ضيفًا على (قناة mbc) في برنامج (مروا من هنا) من الطائف. كانت لنا وقفات على الأمكنة التي بدأ منها الموسيقار طارق عبد الحكيم حياته في الطائف المأنوس. من المثناة، حيث ولد وعاش طفولته، واشتغل في بساتين العنب والرمان والسفرجل. ومن أم العراد، حيث كان متحفه التاريخي قبل انتقاله من الطائف لجدة، ومن هذه الربى الخُضر التي كانت فيها مدارس الجيش العسكرية، حيث التحق بها وتخرج ضابطًا فيها، ومنها ابتعثه (الأمير منصور بن عبد العزيز)- وزير الدفاع أوان ذاك رحمه الله- ليتعلم ويدرس الموسيقى في القاهرة. من هنا حيث ظهرت أغانيه الشهيرة التي ملأت سمع المحبين لكل فن طربي أصيل من: (أبكي على ما جرى لي يا هلي)، إلى أغاني المجرور العديدة، ثم أغنيته الشهيرة التي ملأت الآفاق محليًا وعربيًا ودُوليًا: (يا ريم وادي ثقيف)، من كلمات (الأمير عبد الله الفيصل) رحمه الله.
* هل هذا كل شيء عن الموسيقى وتاريخها في المملكة..؟ الواقع أن تعليم الموسيقى كان منذ أكثر من ستين عامًا حاضرًا في الذهنية الفنية للمجتمع السعودي، يوم كان أهل الفن يعلم بعضهم بعضًا الألحان، ويبدع فيها الكثير منهم دون الحاجة لمعاهد ومدارس قائمة وقتذاك، لكن عندما ظهرت جمعية الثقافة والفنون بالطائف قبل أكثر من أربعين عامًا؛ استقطبت عددًا من الفنانين الموسيقيين والطربيين، والتف حولهم شباب محبون لهذه الألوان، وفتحت الجمعية فصلًا دراسيًا يعلم النوتة الموسيقية، كان يقوم عليه الفنان يوسف محمد -رحمه الله- بإشراف رئيس الجمعية الفنان (عبد الله مرشدي)، ونائبه الفنان (طلال طائفي)، حتى اضطرت إلى قفله في سنة 1409هـ؛ تحت ضغوط خطاب الصحوة المتشدد والمنفّر، فما كان من أساتيذ وتلاميذ الموسيقى؛ إلا التعليم والتعلم في حلقات خاصة بهم خارج الجمعية. تخرج في فصل الموسيقى هذا ومن خلال فرقة الجمعية الموسيقية؛ عدد من الشباب في تلك الفترة.
* الأكثر إثارة في موضوع تعليم الموسيقى في المملكة؛ هو تأسيس وإنشاء (مدرسة الموسيقى بالطائف). هذه المدرسة أنشأها الموسيقار طارق عبد الحكيم في السبعينيات الهجرية من القرن الماضي، اهتمت المدرسة بتعليم فرقة موسيقى الجيش، التي كانت تعزف السلام الملكي والأناشيد الوطنية، وتشارك بعروضها الشائقة في المناسبات العامة في شوارع مدينة الطائف، وسط إعجاب وتصفيق الناس الذين كانوا يتحلَّقون لسماع عزفها الشجي وهي تجوب شارع الملك سعود، وشارع الملك فيصل. ظل طارق عبد الحكيم يقوم على هذه المدرسة الرائدة مستفيدًا من دراسته هو للموسيقى في القاهرة، وبعد وقت عندما انتقل عمله إلى الرياض؛ نقلت المدرسة إلى الرياض، وعندما ظهرت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون؛ ساهم إلى جانب الأمير بدر بن عبدالمحسن أول رئيس لمجلس إدارة الجمعية في الجوانب الفنية والطربية فيها، حتى عمّها وغمّها تيار التشدد والتنطع الصحوي. كانت (مدرسة الموسيقى) في الطائف، وكانت إلى جانبها (فرقة المصيف للموسيقى)، وهي فرقة أهلية؛ ضمت العديد من الأسماء الموسيقية المعروفة.
* إذن.. تعود الموسيقى من جديد إلى بيئة سعودية شاعرية موسيقية منذ القدم، فتحية لوزارة الثقافة؛ التي أعادت الروح لمدرسة الموسيقى من جديد.
التعليقات