على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على وفاته (في مايو 1972)، لا يزال اسم «إسماعيل يس علي نخلة» الشهير بإسماعيل يس يتردد، وتنسج حول حياته ووفاته الكثير من القصص، والحقيقة أن حكاية هذا النجم المصري، الذي أضحك الملايين، وأسعدها على مدى عقود من الزمن، من خلال المسرح والسينما والتلفزيون والصالات، تعكس مدى ما كابده فنانو الزمن الجميل، من أجل بلوغ النجومية والشهرة، فابن مدينة السويس المولود في سبتمبر 1912 لعائلة ثرية، هرب من بطش زوجة الأب، ونام على الأرصفة، وتشرد، وذاق مرارة الجوع، وتعرض للإذلال والاستغلال، وتنقل بين أعمال متواضعة إلى أن ابتسم له الحظ، بالتعرف على السيناريست الكبير أبو السعود الإبياري، الذي قدمه للراقصة بديعة مصابني، والتي بدورها وظفته في فرقتها وصالتها لمدة 10 سنوات.

تمنى يس أن يكون مطرباً معروفاً، لكن افتقاده للوسامة وقف في طريقه دون أن يضره، إذ صار من بعد كفاح وجهد واحداً من ألمع نجوم الكوميديا في زمنه، ومن أشهر مغني المونولوج، وكانت صداقته مع مخرجي السينما الكبار (على رأسهم فطين عبدالوهاب، الذي أخرج له سلسلة الأفلام الحاملة لاسمه) بمثابة جواز سفره، للمشاركة سينمائياً مع كبار نجوم عصره؛ من أمثال شادية وكمال الشناوي وفريد الأطرش وهند رستم وأحمد رمزي.

هذا قبل أن يؤسس فرقته المسرحية الخاصة سنة 1954، ويضم إليها أسماء كبيرة مثل رياض القصبجي وزينات صدقي وحسن فائق وعبدالفتاح القصري، ويواصل العمل بها حتى عام 1966.

لم تكن حياته كلها نجاحاً وسعادة، بل العكس هو الصحيح، حيث تعرض لصدمات ونكبات متتالية، تارة، بسبب تهميش المخرجين له في سنواته الأخيرة لظهور نجوم كوميديا جدد، وتغير ذائقة الجمهور، وتارة أخرى بسبب اختطاف الموت لأعز رفاقه في المسرح والسينما، وتارة ثالثة بسبب اضطهاد مراكز القوى الناصرية له لصالح تلميع نجوم آخرين، وهي أسباب دفعته مجتمعة لحل فرقته المسرحية والهجرة إلى لبنان، حيث واصل مشواره الفني هناك، من خلال تأدية المونولوجات في الصالات البيروتية والعمل في الإعلانات والدعاية، وتمثيل عدد من الأفلام السينمائية، التي لم تلق الرواج المطلوب.

عاد يس إلى مصر بعد فشله في لبنان، ليفاجأ بأن رصيده المصرفي البالغ 300 ألف جنيه قد اختفى ولم يبق فيه سوى جنيهين، بعدما حجزت الدولة على أمواله سداداً لضرائب مستحقة، ناهيك عن الحجز على عمارته، التي بناها بعرقه. كانت هذه الصدمة بمثابة رصاصة أطلقت عليه بلا رحمة، ودون أي اعتبار لتاريخه الفني.

وقد أصيب، جراء ذلك، بالاكتئاب واليأس والمرض، فحاول بعض زملائه مواساته، ورفع معنوياته سنة 1972 بإشراكه في فيلم «الرغبة والضياع» للمخرج أحمد ضياء الدين من بطولة هند رستم ورشدي أباظة، إلا أنه لم يستطع إكمال الفيلم، وتوفي بعد 3 أيام لاشتداد المرض عليه، وتعرضه لشلل نصفي، وبهذا يكون «الرغبة والضياع» آخر أعماله السينمائية، التي بدأت سنة 1939 بفيلم «خلف الحبايب».

لقد حاول مسلسل «أبو ضحكة جنان»، الذي أخرجه محمد عبدالعزيز سنة 2009 عن قصة حياته أن يشير إلى محطات الألم والمعاناة في مسيرته، غير أن المسلسل فشل في عرضها بكل تفاصيلها الدقيقة. كما أن مسلسل «موسى»، الذي عرض عام 2021 احتوى على مشهد كان به تلميح إلى استغلال يس لشهرته لاقتناء أشياء دون دفع قيمتها، وهو ما تسبب في إساءة بالغة لتاريخه، واضطرار منتج العمل لتقديم اعتذار لأسرته.

تزوج يس 3 مرات، ولم ينجب سوى ولد واحد هو المخرج يس إسماعيل يس (ت: 2008) من زوجته «فوزية شاهين»، التي أكدت أن زوجها طالته شائعات كثيرة، ومنها أنه مات فقيراً، موضحة أنه عاش في شقة واسعة، ولم يقترض الأموال، وأنه مات بسبب تفاقم حالة الاكتئاب لديه، لا سيما بعد سماعه خبر وفاة صديقه، ومخرج معظم أفلامه «فطين عبدالوهاب»، وأن وفاته جاءت في وقت كان الرئيس أنور السادات يفكر في تكريمه.