في يوم من الأيام استشهدت الرفيقة حميدة! لايهم الزمان ولا المكان. كان هناك عدو في مكان ما من هذه الأرض، عدو لم تقرر القيادة الحكيمة محاربته، لا على أرضه ولا على أرضنا التي يحتلها! لأسبابٍ نجهلها لم تحارب القيادة. ولايهم هنا ذكر الأسباب لعدم خوض حربٍ مع العدو؛ فالقيادة أدرى بشؤون الحرب والسلام. 

لكن القيادة التي تقود بلد الشهيدة حميدة كانت تتحدث في الصباح والمساء عن حرب العدو. تقول للناس إذا طلبوا خبزاً: وهل هذا وقت الخبز! ألا ترون العدو يحتل أراضينا! وإذا طلبوا عملاً تقول لهم كذلك: بدلاً من طلب العمل عليكم أن تسعدوا لقتال العدو. وإذا قال أحد ما: ولكنكم لا تحاربون العدو. يتم سجنه فوراً لأنه يشوش على المعركة. 

سجن عشرات الآلاف من البشر في البلد الذي تنتمي له الشهيدة حميدة. وكلهم ارتكبوا ذنوباً بطريقة أو بأخرى تؤخر الاستعداد لقتال العدو؛ فبعضهم انتقد القيادة الحكيمة فتم حبسهم. وآخرون انتقدوا أقارب القيادة فتم حبسهم. وآخرون انتقدوا أبناء القيادة فتم حبسهم. وآخرون انتقدوا أبناء خال أو عم القيادة فتم حبسهم. آخرون لم ينتقدوا القيادة فتم حبسهم. آخرون لم يفعلوا شيئا ولم يقولوا شيئا فتم حبسهم... 

في ظل هذه الاجواء التي عاشها جميع سكان بلد الشهيدة تجري أحداث هذه الدبكة. يمكن اشتقاق خلفيات لا حصر لها من تلك الفترة التي صارت بعيدة التاريخ. وتبدو من هنا فترة سلمية في تاريخ البلد؛ نظراً لما انتهى إليه لاحقاً في ظل أبناء القيادة الذي كبروا وحكموه.. 

تصلح هذه الخلفية لبلدانٍ كثيرة ويمكن إجراء تبديلات طفيفة في أسباب الحبس وأساليب التعذيب والاعتقال.. لكنها تبقى صالحة لتجري على الأقل في دول الشرق الأوسط. 

عندما استشهدت الرفيقة حميدة؛ كانت عضواً عاملاً في اتحاد شبيبة الثورة في البلد الذي تنتمي إليه. وشبيبة الثورة هي تنظيم طلابي رديف للحزب الحاكم في المدارس الثانوية. هذا كان معروفاً في كل الدول التي يحكمها "حزب حاكم"مفعماً بالأيديولجيا والخطابة، ليس فقط في الشرق الأوسط بل في أوربا الشرقية أيضاً، وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، قبل أن تنتهار أحزابها الأيديولوجية دفعة واحدة بعد انهيار الأخ الأكبر الذي يمكن أن نطلق عليه لأغراض فنية الاتحاد السوفييتي. 

حسناً؛ أنا سأختار سوريا مكاناً لهذه الدبكة، ويمكن لمن يريد أن يدبكها أن يختار البلد الذي يعجبه! شريطة أن يكون فيه حزب حاكم وقيادة حكيمة. بدون حزب ثوري حاكم وشبيبة ثورةتابعة له في البلد لا يمكن أن تدبك هذه الدبكة.

أنا سأكون الرواي في هذه الدبكة، لذلك عليّ أن أكون في الثانوية لأشارك في الدبكة وأرويها لكم إذ لا يعقل أن أرويها دون أن أكون مشاركاً. وعليه سأجعل الرفيقة حميدة ابنة مدينتي رغم أنها يمكن أن تكون ابنة أي مدينة أخرى في أي بلدٍ آخر يحكمه "الحزب الحاكم".

كنت في الصف الثالث الثانوي، والذي يطلقون عليه في سوريا "البكالوريا"؛ عندما استشهدت الرفيقة حميدة. فجأة استشهدت. أعني بعض الناس، أو في بلاد أخرى ربما يستشهدون ببطء، أو يمهدون لاستشهادهم ببعض العلامات، لكن الشهيدة حميدة استشهدت فجأة. لم يكن أحد منا في المدارس يعلم أنها سوف تستشهد! ربما القيادة وحدها، وبعض المقربين منها، وبعض القادة الكبار في الجيش الذي لم يحارب، كانوا يعلمون أنها سوف تستشهد. لكنا نحن، طلاب الثانوية لم نكن نعلم أنها سوف تستشهد. جاءنا الخبر فجأة. علمنا من التلفزيون من نشرة الثامنة والنصف مساءاً. كانت نشرة الثامنة والنصف هي المصدر الأساسي للأخبار في ذلك الوقت. وإذا أردتم تجسيد هذه الدبكة في بلادٍ أخرى يمكنكم تبديل الساعة كما ترغبون وفقاً لنشرة الثامنة والنصف في بلادكم!

قرر الحزب الحاكم، بتوجيهات من القيادة التي أصبحت خالدة غير مأسوفٍ عليها، أن تندلع مسيرات عفوية في مدينة الشهيدة البطلة. خرجنا في المسيرات نهتف ضد العدو والاستعمار القديم والجديد إضافة للإمبريالية التي كنا نشتمها في كل المناسبات دون أن نعرفها. قرر الحزب الحاكم أن يقيم عرساً وطنياً في مدينتنا ابتهاجاً بمقتل الشهيدة حميدة، وقد استمر العرس لإسبوعين بلياليها. بنوا بيوت شعرٍ كبيرة تشبه سرادق العزاء في دول أخرى، لكنهم بنوها للإحتفال فقد تم تسميته عرساً بشكل رسمي في كل الخطب ونشرات الأخبار. 

جاءتنا وفود من كل المحافظات والمدن الأخرى تبارك لنا عرس الشهيدة. جاؤوا أيضا بشكل عفوي بقرار من القيادة الحكيمة. كل محافظة خُصص لشبيبتها يوماً محدداً لتقديم التهاني لرفاق الشهيدة في اتحاد شبيبة الثورة الذين هم نحن! وأنا شخصياً كراوٍ لهذه الدبكة أحببت وفد حمص؛ فقد كان هناك صبية جميلة "سبحان الخالق" تدبك بأناقة وجمال، وكانت تلبس بدلة فتوة أنيقة جيدا وضيقة قليلاً! وبدلة الفتوة هي لباس مدرسي عسكري كان مفروضا علينا كتلاميذ في الثانوية استعدادا للحرب! إذ ربما قامت الحرب فجأة وأخذونا من المدارس إلى جبهات القتال!

كل وفد يأتي يبدأ الدبكة بعد أن يصافح الرفيق أمين فرع الشبيبة، الذي اعتبر صاحب العرس؛ لأن الرفيقة حميدة كانت عضواً فاعلاً في اتحاد شبيبة الثورة. جاءت وفود حتى من القنيطرة المحررة التي لا يسكن فيها أحد!

بالنسبة لنا كطلاب في الثانوية أحببنا الشهادة في ذلك الوقت! أنا وزملائي الطلاب تمنينا بشكلٍ علني دون أن نخشى المخابرات أن يستشهد كل يوم رفيق أو رفيقة لتقيم القيادة لنا الأفراح وندبك. فقد استبدلوا الدراسة في ذلك الحين بالدبكة.لم يعد هناك دوام مدرسي في مدارس المدينة، تفرغنا جميعا طلاب ومعلمين وأهالي وقيادة لاستقبال المهنئين بعرس الرفيقة وإقامة الدبكة. 

كنت كل يوم أسأل فيما إذا كان وفد حمص سيعود مرة أخرى! كنا ندبك مع كل الوفود. بينما رفاق الشهيدة حميدة من الأعضاء العاملين، والذين يعتبرون الطليعة المتحمسة، كانوا يصبون الشاي والقهوة للضيوف ويقدمون لهم الماء، ويجلسون بجانب قيادة الوفد يحدثونهم عن مناقب الشهيدة، وكيف كان الجميع يتوقع استشهادها لأنها كانت تناضل بشدة. وفي الفترة الأخيرة لم تعد تستطيع النوم من شدة تفكيرها بالأراض التي يحتلها العدو وطرق استعادتها. 

نحن انبسطنا باستشهادها، كنا فرحين جداً. كنا ندبك مع الرفيقات الشبيبيات الجميلات التي نراهن للمرة الأولى والأخيرة. 

خصص قائد البلاد الحكيم، والذي أصبح خالداً غير مأسوفٍ عليه، خطاباً تاريخياً ليتحدث عن الشهيدة حميدة! كانت المرة الأولى التي يذكر فيها الأخ الأكبر لنا جميعاً اسم مدينتنا ويثني عليها ثناءاً شديداً. بارك لنا باستشهادها ودعا جميع الشبيبيين للمضي قدماً في طريق الشهيدة حميدة لكن أحدا لم يستجب في حينها. ظلت الجرائد سنيناً تلوك خطاباته عن الشهيدة حميدة. كل يوم كانت مدينتنا تتصدر نشرة الثامنة والنصف مساءا! كل الجرائد والأقلام الوطنية الفذة كتبت عن الشهيدة. افتتاحيات ما يمكن أن نطلق عليه جرائد في ذلك الوقت كتبت عن القيم الوطنية للشهيدة. كل من يريد التزلف والتقرب للقائد ولبقية خدمه كان يكتب عن الشهيدة حميدة. 

صارت مدينتا مشهورة جداً، فقد ذكرها القائد بنفسه وليس عبر أحد خدمه! بعد خطابه سرت حمّى على طول البلاد وعرضها اسمها "الشهيدة حميدة" سميت شوارع باسمها، روابط شبيبة، شعب من الحزب الحاكم، دورة للمضليين، دورات تثقيف حزبي وشبيبي، مؤسسات تموين تبيع المواد المقننة، حتى جمعيات فلاحية سميت باسمها رغم أنها كانت طالبة.

كانت مدينتنا تظهر كل يوم في نشرة الثامنة والنصف على التلفزيون الوطني الذي لم يكن هناك غيره، صورونا ونحن ندبك بكاميرا التلفزيون والصور الفوتوغرافية. ذكر الرفيق أمين فرع الشبيبة في مدينة الشهيدة حميدة كثيرا بشكل متكرر، حتى أن الجميع توقع له مستقبلا "سياسيا"، وبعضهم توقع أن يصبح أمينا لفرع الحزب، بينما آخرون قالوا أنه ربما سيكون محافظا لمدينة القنيطرة المحررة التي لا يسكنها أحد. لكن أيّاً من هذه التوقعات لم يتحقق.

كانت الشهيدة قد كتبت رسالة بدمها لقائدها الحكيم. قالت له فيها أنها تهديه استشهادها، فرد لها الجميل وأهداها خطابا تاريخيا تم نقله كاملا في نشرة الثامنة والنصف. بالإضافة إلى نشره لاحقاً في كل المطبوعات بما فيها الكتب الجامعية.

طوال أيام العرس والدبكة كان أحد أخوة الشهيدة يجلس بجانب أمين فرع الشبيبة، يتلقى التهاني بأخته عروس الوطن، كان يبدو عليه الراحة والإنشراح والفرح! كيف لا؛ وكل الوفود تصافحه باليد. كل شخص من الوفد يقف أمامه أحيانا أكثر من أمين فرع الشبيبة؛ مهنئا له بالفخر الذي ينتاب جميع الوطن بسبب أخته، التي رفعت اسم الوطن عالياً في المحافل. الكل كان يصافحه القيادات، المعلمات، رفيقات الشهيدة أيضااللواتي يبقين أياديهن في يده فترة أطول من ذلك دلالة على المودة والتقدير للشهيدة.. 

الأمر المزعج الذي تحملناه على مضضٍ بسبب انعقاد الدبكات، كان كثرة الخطابات، فكل وفد لابد أن يخطب مُحيياً فينا الروح الوطنية وقيم الشهادة والشهداء، وكانوا يستعيرون جملاً من خطابات القائد التاريخي الذي صار خالداً غير مأسوفٍ عليه. كان الخطيب يبارك لنا ويبارك لأهل الشهيدة ويبارك للقائد التاريخي أيضاً باستشهاد ابنته حميدة؛ فلم يكن ابنه قد استشهد ذلك الحين ليصبح والد الشهيد بشكل حقيقي. رغم أن ابنه مات في حادثٍ غامض قبل أن يحكمنا، فحكمنا أخوه الأصغر.

ونظرا للشعبية التي حصل عليها أخو الشهيدة حميدة، عند جماهير الوطن وكافة قيادات الصف الأول والثاني والثالث للحزب الحاكم وشبيبة الثورة، والقائد التاريخي الذي خصص خطاباً عن أخته؛ تم استدعاؤه من فرع الحزب، وفروع الأمنالتي لا تعد ولا تحصى، والمحافظ... قالوا له: أطلب.. لا كلا؛ فقط أومئ لنا، سنأتيك بما تريد حتى لو كان لبن العصفور! فقد خطب القائد عن أختك وأوصى بكم! وبعضهم قال أنهم أعطوه مصباح علاء الدين.

 

كان القائد في ذلك الوقت مقاطعاً على نطاق العالم بسبب مجزرة ارتكبها في مدينة أخرى من البلد التي يقودها بحكمة! فلم يكن هناك وفود تزوره ولا أحد يستقبله من خارج القطر،سوى أشخاص قلة يأتون يوسطونه للإفراج عن رهائن خطفتهم عصابات تابعة له؛ فجاء عرس الشهيدة حميدة كأنه حلم أو أمنية. فأصبح يظهر كل يوم في نشرة الثامنة والنصف على وقع دبكتنا في عرس الشهيدة إما صوره أو هو شخصيا. تاجر القائد بعرس الشهيدة خير تجارة. لكنه نسيها لاحقاً بعد أن وجد قصة جديدة يتاجر بها؛ فالتجارة كما تعلمون لا يمكن أن تتوقف على سلعة واحدة والقائد كان يتاجر بكل شيء.

أما أخوها الذي لم يكن يدبك معنا، ويكتفي بمصافحة الفتيات اللواتي ندبك نحن معهن شابكين أيدينا بأيديهن دلالة على وحدة الهدف والمصير، فقد كان لديه "طريزينة" وهي وسيلة نقل بثلاث عجلات بدلاً عن التكسي في ذلك الحين. إذ لم يكن في بلاد القائد سيارات كافية لتعمل كسيارات أجرة. وبناء على هذا المعطى حينما قالوا له: أطلب. طلب رخصة غاز ليستخدم الطريزينة في بيعه. الغاز المنزلي كان مقننا مثل كل شيئ في تلك الفترة، وكانت عبوات الغاز شحيحة والناس يجاهدون للحصول عليها، وتباع في السوق السوداء؛ لأنها أحد المواد المقننة وبيعها يحتاج لرخصة خاصة. أيضاً أعطته قيادة الحزب مسدساً، عيار تسعة ملم، مع رخصة لحمله أينما ذهب.

أصبح أخو الشهيدة معروفاً على نطاق واسع في المحافظ، بل أصبح من أهل الحل والعقد في الحزب والدولة المندمجة في فروع الأمن. وقيل أنه كان يحضر اجتماعات فرع الحزب الحاكم في المحافظة، واجتماعات المحافظ دون منصب رسمي سوى صفته "أخو الشهيدة"، التي لم يعد يذكر اسمها وصار يشار إليها بصفتها. وهذا أمر يمكن تصديقه فتلك الاجتماعات لم تكن تقرر شيئاً، فقد كانت كل القرارات تأتيها جاهزة من المخابرات.

أخو الشهيدة أصبح يتجاوز السرعة بـ "طريزينته" ويتجاوز الإشارات الضوئية، ويجعلها تصدر أصواتاً عالية مزعجة ليعلم الناس بوجوده في المكان إذ لم يخصص له مرافقة أو حرس. أصبح يتجاوز أي دور؛ على أفران بيع الخبز، على منافذ بيع المواد المقننة في المؤسسات الاستهلاكية، على منافذ بيع الأسمنت.. فقد كان كل شيئاً شحيحا في تلك الفترة ويحتاج أن تقف في الدور ساعات طويلة.

ويحدث أحياناً أن يطلب منه أحد الغائبين عن الدنيا ولا يعرفونهالالتزام بالدور! أحياناً الناس الواقفين يخيفون من يطلب منه هذا بالقول: هسسسسس. وكانت هذه الجملة تعني في ذلك الوقت أنه عنصر مخابرات الذين يستطيعون تجاوز أي شيء وسحل أي شخص. في أحيان أخرى ينظر بازدراء لمن يطلب منه هذا! لكن بعض الاغبياء يكررون طلبهم له أن ينتظر دوره مثل بقية الخلق! وهنا لابد أن يكشف عن هويته ويستخدم الجملة الشهيرة: إعرف مع من تحكي! ويضيف للأحمق الذييلح في طلب معرفة من؟ بالقول: أنا أخو الشهيدة حميدة.. بل صار عنده ربع [شبيحة بلغة أهل هذا الزمان] عندما يتشاجرون مع أحدٍ يهددونه: سأريك يا واطي.. أنا صديق أخو الشهيدة حميدة..

وبناء على صفته هذه التي صار معروفاً بها، أعني "أخو الشهيدة" بدون حميدة حتى؛ صار يتوسط لبعض الناس في قضايا بسيطة لأن طلبه لايرد؛ مثل نقل معلم من مدرسة لأخرىأو طالب، نقل موظف من دائرة لا توجد بها رشاوي إلى أخرى تتعامل مع الجماهير التي تقدم الرشاوي عن طيب خاطرٍ لتعالج معاملاتهم.. 

لكن بعض الناس فتحوا عينيه على أمور أكبر من ذلك؛ وهناك من يقول أن عينيه أصبحت ترى الأشياء بوضوح بعد أن أصبح على صلة دائمة بقيادات المدينة. بدأت وساطته بالتمدد! إذا أصبح يذهب للمحافظ أو أمين فرع الحزب الحاكم أو رؤساء الفروع الأمنية وكلهم تواقيعهم لها مفعول السحر في أي دائرة حكومية، ليطلب منهم استثناءا من الدور لـ طن أسمن، كيس سكر سعة خمسين كيلو، تنكة زيت حجم عشرين لتر، تنكة سمنة.. له أو باسم أحد المساكين الشرفاء الذين يقصدونه، ويعطونه عمولة بعد نجاح الإستثناء.

وبشكل روتيني تحول هذا الأمر لمؤسسة استثمارية، دون رأس مال ودون استثمارات، دون مكاتب وموظفين! صار له وكلاء يحضرون له القضايا المعقدة ويحلها، ويأخد مقابل ذلك عمولة ويعطي الوكلاء نسبة... ثم انتهى به المطاف أن صار شريكاً أو بالأحرى وكيلاً لضباط المخابرات، الذين اتخذوه غطاءاً لممارسة الإستثناءات بشكل علني وأمام الجماهير. أصبح له سطوة يُخرج بموجبها بعض الأشخاص المحبوسين بقضايا كيدية، أو قضايا مخالفات لقانون تقنين المواد التموينية، أو مخالفة الأسعار التي تحددها القيادة.. بل أصبح ينقل عساكرمجندين من الجبهة لمدينته! وهذه تعتبر من أعقد القضايا عند سكان مدينته، لأن الجبهة التي لم تقم بها حرباً كانت بعيدةوالسفر لها طويل.. بالنتيجة أصبح فرع مخابرات متنقل.. 

لكن جاء اليوم الذي انطبقت عليه الحكمة الخالدة التي تقول "دوام الحال من المحال"، فقد استشهد فجأة أيضاً ابن القائد الذي أصبح خالداً غير مأسوف عليه. وفقد أخو الشهيدة قيمته ومكانته وتجارته! تم تبديل أسماء الشوارع والروابط والجمعيات الفلاحية والمؤسسات الاستهلاكية إلى اسم ابن القائد...

 

قبل أن ننهي هذه الدبكة فجأة يمكن أن نضيف حركة إضافية، من الصعب إضافتها في بلدٍ آخر؛ ففي البلاد التي تسمى سوريا، واخترناها لتكون مسرحاً لهذه الدبكة الدرامية، ومازال يقودها ابن القائد الذي خصص خطابا كاملا للشهيدة حميدة، والذي قتل أخوه الذي كان مقرراً أن يحكمنا بحادث سير، قتل القائد الصغير ابن القائد الذي صار خالداً غير مأسوف عليه؛ وفقا لتقارير منظمات دولية 500000 شهيداً، منهم حوالي 12000 قتلوا في السجون تحت التعذيب. بينما قارب عدد المختفين قسرياً والمختطفين والمعتقلين دون محاكمات أو محاكمة صورية في سجونه 120000 لكم أن تتخيلوا لو أن كل واحدٍ منهم ترك في عائلته شخصاً يمارس دور "أخو الشهيدة"! كان ذلك يكفي ليترك لهم السوريون كوكب الأرض ويهاجرون للمريخ. لكن أهل شهداء الثورة ومعتقليها ومختطفيها لم يفعلوا ذلك لأن الثورة جاءت لتنهي هذه السفاهة وهذه التجارة.