قبل الحديث عن علاقة كرد العراق بالحكومة المركزية في بغداد وهي كما ينبغي القول ليست على ما يرام منذ تشكل الدولة العراقية الحديثة لابد من التاكيد ان كرد العراق جزء من الأمة الكردية الموزعة اليوم بين أربع دول وممنوع عليها التوحد وإقامة دولة وطنية وهي بالمناسبة الأمة الوحيدة التي لاتمتلك وطناً يجمعها والمسألة الكردية ليست جديدة على هذه المنطقة بل هي جزء من تاريخها وجغرافيتها خصوصاً بعد إعادة تشكيل خارطة الشرق الأوسط على ضوء ترتيبات سايكس- بيكو قبل مئة عام. ووتكتسب المسألة الكردية أهمية مضاعفة في ضوء ما شهدته في السنوات الأخيرة من أحداث مسَّت أغلب مكوناتها ويمكن ملاحظة ذلك في العلاقات الكردية-الكردية سواء داخل العراق أو سوريا أو تركيا أو إيران. كما يمكن الوقوف عليها في أوضاع الكرد بالدول التي يعيشون فيها رغم اختلاف السياقات السياسية والاجتماعية والأمنية لكل بلد من البلدان المعنية.

بديهي أن يسفر توزع الكرد الجغرافي على عدة دول، عن اختلاف وتعدد مسارات المسألة الكردية بتعدد البلدان التي ينتمون إليها. وأن يؤدي ذلك التفاوت إلى اختلافات ديمغرافية وسياسية وأيديولوجية داخل المكونات الكردية ذاتها، وإذا كانت المسألة الكردية على مدى تاريخها خضعت إلى تدخلات ورهانات إقليمية ودولية تباينت بين الدعم والمساندة والتوظيف الذي يصل إلى حدِّ التلاعب ببعض مكونات الكرد ومستقبلهم في المنطقة. فإن تلك التدخلات ويتسع نطاقها تزداد خاصة أثناء الأزمات والصراعات&

اليوم تعود المسألة الكردية إلى الواجهة مع ما يشهده العالم من توجه متزايد نحو انفجار الهويات الفرعية. ولا شك في أن الموقف الإقليمي والدولي الذي اصطدم به استفتاء كردستان العراق في أواخرعام 2017، والرافض كليًّا لاستقلال الإقليم، مثَّل نهاية مرحلة وبداية أخرى في أحد أكثر مسارات المسألة الكردية تقدمًا نحو تقرير المصير. ولكن التقلبات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط والمفتوحة على كل الاحتمالات، ستحمل معها مزيدًا من الفرص ومزيدًا من التحديات وستدفع الأطراف المعنية إلى البحث عن مقاربات جديدة للمسألة الكردية، وهو ما يجعل التمعن في جذور هذه المسألة ومتابعة منعطفاتها بالدراسة والتحليل أمرًا لازمًا للمهتمين بمعادلات الشرق الأوسط وما يعتمل فيه من متغيرات.&

يشكل الشعور بالمظلومية الأساس الفكري لأغلب الحركات السياسية الكردية التي ترفع شعارات تنادي باستعادة وحماية حقوق الشعب الكردي. بعض هذه الأحزاب يطالب بإعلان دول كردية مستقلة على المستوى القُطري في كل من تركيا والعراق وإيران وسوريا والسعي مستقبلًا لخلق ما يسمى بدولة كردستان الكبرى لتوحيد أوصال الأمة الكردية التي قطعها الاستعمار. وتتباين أهداف وطموحات هذه الأحزاب بحسب الزمان والمكان والمرحلة السياسية التي يمر بها المكون العِرقي الكردي في هذه البلدان الأربعة. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن من بين أبرز الأحزاب السياسية الكردية في الشرق الأوسط: حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني وحزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)، إضافة إلى أحزاب أخرى تدور في فلك الأحزاب الكبيرة.

تمثل المسألة الكردية مصدر قلق بالنسبة لحكومات العراق وتركيا وإيران وسوريا، ، لأنها تهدد بشكل مباشر وحدة أراضي هذه الدول وتتحدى سيادتها الداخلية مما تسبب بصراع مزمن بين حكومات هذه الدول والأحزاب الكردية الفاعلة. هذا الصراع بين الحكومات المركزية والمكون العرقي الكردي مستمر منذ عقود تزداد وتخف حدته بحسب قوة أو ضعف الحكومات المركزية في هذه الدول مقابل قوة وتماسك القوى والأحزاب الكردية الفاعلة ومدى تلقيها للدعم الإقليمي والدولي حيث يتم استغلال القضية الكردية من قبل فاعلين دوليين وإقليميين لتحقيق مكاسب سياسية أو للضغط على حكومات هذه الدول الأربعة.&

شهدت المسألة الكردية تحولًا كبيرًا منذ سقوط نظام البعث سنة 2003،&حيثتمكنت الأحزاب الكردية من تحقيق تقدم كبير على المستويين العسكري والسياسي بمساعدة واشنطن وحلفائها إضافة إلى العامل الإقليمي الذي تعامل مع تمكن الكرد سياسيًّا وعسكريًّا في العراق وسوريا على أنه أمر واقع مرحلي. وتمكنت هذه الأحزاب من بناء هيكل سياسي قادر على إدارة الإقليم الكردي شمال العراق. هذا الأساس السياسي والاقتصادي ساعد على تطور دور الأحزاب الكردية العراقية في الحكم بشكل كبير بعد عام 2003 حيث تسلمت قيادات كردية مناصب سياسية عليا في الدولة العراقية الجديدة، أبرزها منصب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية وفي سنة 2005، أعلنت حكومة إقليم كردستان العراق وضمت أغلب الأحزاب الكردية وتمكنت حكومات الإقليم المتعاقبة من تحقيق إنجازات كبيرة على المستويين الاقتصادي، والسياسي الدبلوماسي، غير أن ذلك واجه التحدي الأكبر بعد استفتاء الاستقلال عام 2017، حيث فرضت الحكومة المركزية عقوبات اقتصادية وسياسية واسعة على حكومة الإقليم تسببت بشل الحركة الاقتصادية وإضعافه سياسيًّا بعد استعادة بغداد للمناطق المتنازع عليها.

تشكو الأحزاب الكردية في إيران من التهميش السياسي والثقافي والبطش الأمني في المناطق ذات الغالبية الكردية، لكن الوضع بشكل عام مستقر في مناطق كردستان إيران والسبب الرئيس هو قوة الحكومة الإيرانية المركزية أمنيًّا واستقرارها سياسيًّا واقتصاديًّا بشكل نسبي&. أما في تركيا، فالوضع الكردي غير مستقر منذ عقود بسبب الصراع المسلح بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية خصوصًا بعد فشل عملية السلام التي أُعلنت في عام 2012 واعتقال أغلب القيادات الكردية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادتها عناصر تركية معارضة لحكومة حزب العدالة الحاكم بقيادة أردوغان. لكن الحكومة التركية تتمتع باستقرار أمني وعسكري نسبي يتيح لها التعامل بشكل فاعل مع نشاطات حزب العمال المسلحة والمحافظة على استقرار المناطق ذات الغالبية الكردية.

يختلف كرد العراق عن أشقائهم في الدول المجاورة حيث تتبنى تلك الاحزاب نظرية الكفاح المسلح باعتباره الطريق الأقرب لتحقيق الأهداف السياسية. بينما أحزاب كرد العراق تأقلمت مع الفكر السياسي الرأسمالي العالمي الذي تهيمن عليه واشنطن سعيا للحصول على دعم دولي أكبر للمسألة الكردية وتحديث نظام الحكم في كردستان العراق بما يتماشى مع النظام العالمي الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي&..

ثمة من يقول إن حكومة الإقليم أرادت التلويح بإمكانية إعلان استقلال إقليم كردستان العراق للضغط على الحكومة المركزية في بغداد من أجل تقديم تنازلات سياسية تعزز (مكتسبات الكرد) قبل وبعد ظهور تنظيم الدولة.

يتبع &