رثائية تكشف حزن الشاعر وإحباط الوزير:
quot;الوزراءquot; القصيبي حزينٌ لا يرى سوى اللحد

سلطان القحطاني من الرياض: الحديث الباسم الذي دار بيني وبين وزير العمل السعودي الدكتور غازي القصيبي قبل نحو شهر في قصر مؤتمرات مدينة مكة المكرمة لم يوحِ لي بكمية الإحباط الذي تكتنف الوزير اللامع بعد أن بدأ يعبر إلى جسر عقده السابع، وهو ما بدا جلياً في رثائيته التي نشرتها صحيفة الحياة اللندنية السبت بمناسبة ذكرى وفاة أخيه عادل، والتي ذكر فيها بأن حزنه جعله لا يرى سوى اللحد بعد أن قطف الموت أصدقاءه واحداً بعد الآخر.

كان القصيبي في تلك الظهيرة التي جمعتنا يظهر بعباءته المتهدلة على ظهره المحدودب بفعل ثلاث وزارات وسفارتين، ونظرته الكارزمائية التي عرفها quot;القصيبيّونquot;، وهم عشاق الوزير الكُثر منذ بزوغ التسعينات الميلادية من القرن المنصرم، وهو لا يتوقف مداعباً ومحدثاً ومبتسماً، بينما تموجُ في داخله تقلبات رياح السنين ورياح الحياة الإدارية التي اقتنصت أكثر من نصف عمره.

والقصيدة التي تلقفها محبو القصيبي بشغف تبلغ أربعة وعشرين بيتاً تفوح منها رائحة الإحباط والمتنبي بحسب متابعين للنتاج القصيبي شعرياً، إذ أن جرح وفاة الأخ والأصدقاء من قبل قد جعل من الذكريات التي تلتف في نسيج مخيلة الشاعر مجلبةً للحزن بعد أن كانت سلوةً يعتد بها في الليل الذي غدا مليئاً بالسهاد بعد كل هذه الرزايا التي نالت الشاعر.

وتساءل القصيبي في قصيدته عن الجرحين اللذين خلفتهما وفاة الأخ في نفسه، أهو جرح رحيل (الأخ) أم جرح بقائه هو وحيداً، بعد أن تفرق الأصحاب ولم يبقَ سوى اللحد، وأصبحت دموعه مسكوبة على قبور الراحلين الذين نالوا من القلب حيزاً لا يُمحى، وهو ما ينفك محاولاً أن يسند قواه بمواراة حزنه عن الأنظار كما يقول في القصيدة ذاتها.

وتسير الذاكرة الشعرية في القصيدة عبر سنوات الشباب التي مضت للشاعر مع أخيه، إلى أن يستوقف سهيل بن غازي القصيبي أباه مستفهماً عن عيني أبيه اللتين لم تفيضا حزنا على الفقيد الراحل، وهو الأمر الذي عزاه القصيبي الأب إلى أن شدة البكاء جعلت الدموع تنحبس في محجرين ذابلين وجعلتها تفيضُ إلى quot;الحشاquot; مباشرة ،حتى يقول quot;فمن أجله الدمع الذي سد محجري/ومن أجله الدمع الذي استوطن الكبداquot;.

ومن ثم تبدأ مراسم الإحباط في القصيدة الرثائية التي يقول فيها القصيبي بأنه يقاسي في الحياة صنوفاُ من المآسي، لأجل هذا فإن وفاة صديق تجعله يشعر بأنه فقد حسامه وعزيمته وزنده، وهو منوال تسير عليه القصيدة حتى ختامها بابتهال إلهي بأن يسكن الفقيد جنان الخلد وأن يكون ضريحه مغموراً بالضوء.

وقد لا يستغرب النقاد المتابعون لنشاط الوزير القصيبي الأدبي مقدار هذه السوداوية التي حوتها القصيدة الأخيرة وسابقاتها التي تسير في رثاء العمر الذي ولّى،سواءً أكان رثاءً موارباً أم صريحاً. ولكن يبدو أن أمراً كهذا جديرٌ بهذا القلق من قبل القراء الشغوفين بشاعرهم الفذ،على الرغم من أن كل الآراء لا تمضي في الاتجاه ذاته،إذ يقول أحد النقاد مبررا ومتعجباً من هذا الإحباط والسوداوية في نتاج غازي القصيبي الأخير quot;ما الذي يتوقعونه من رجلquot; يتساقط شعره وذاكرته وأصدقاؤهquot; بفعل السنين؟quot;.


مرثية الأخ ومرثية العمر القصيبية

أخي! رُبَّ جُرحٍ في الأَضَالعِ لا يهْدا
أعانقهُ... والليلُ يُمطِرُني سُهدا
وأستصرخُ الذِكرى فتسكبُ صَابَها
ويا طالما استسقيتُ من نبعِها الشهدا
أخي! لستُ أدري أيّ سهميَّ قاتلي
غيابُك؟ أمْ أنّي بقيتُ هنا فردا؟
تفرّق أصحابُ الطريقِ... فلا أرى
أمامي سوى اللحدِ الذي يحضنُ اللحدا
على كل قبرٍ من دموعيَ قطرةٌ
وقافيةٌ تفدي المودِّعَ... لو يُفدى!
أصون عن الأنظار ضعفي... ورُبّما
تماسك مَنْ هَدّتْ قواعده هدّا

***

أعادل! هل حقاً تركتك في الثرى
وأهديتُ هذا القبر أنفَس ما يُهدى؟!
وهل عدتُ حقاً للديار التي خَلَتْ
وفيّاً لدُنيايَ التي تخفرُ العهدا؟!
مضيْتَ... كأنّا ما قضيْنا حياتنا
معاً... ولبسنا العمر بُرْداً طوى بُرْدا
كأنَّ الشبابَ الحُلوَ ما كان حوْلنا
يهبُّ كأنفاسِ الخمائلِ... أو أندى
كأنَّ المُنى ما سلّمتنا قيادها
فهِمنا على الآفاقِ نفرشُها ورْدا
كأنَّ الرؤى ما غَازَلَتْنا حِسانُها
وما زيّنتْ صعباً... ولا قرّبتْ بُعدا
كأنَّ الصِبا ما كان يغوي بنا الصبا
فلا فِتنة نادتْ... ولا شادِنٌ ندَّا
كأنّا خُلِقْنا في المشيب... يسومنا
من العقل... ما كنا نضيقُ به مُرْدا
يقول سهيلٌ: laquo;ما لِعيْنِكَ لم تَفِضْ؟!raquo;
فقلتُ له: laquo;أكدتْ... وقلبيَ ما أكدىraquo;
بكيتُ أخي حتّى ثوى الدمعُ في الحشا
وأجهش صدرٌ أصطلي نَوْحه وَجدا
فمن أجلِه الدّمعُ الذي سدَّ محجري
ومن أجلِهِ الدمعُ الذي استوطن الكِبْدا
إلى الله أشكو... لا إلى الناس... أنني
أكابد من عيشى العقاربَ... والرُبْدا
وأنّي إذا ما غَابَ خِلٌ... حسبتني
فقدتُ حُسامي... والعزيمةَ... والزندا
ويا ربّ! هذا راحلٌ كان صاحبي
وكان أخي... أُصفي ويُصفي ليَ الوِدّا
وكان صديقي... والشبابُ صَديقنا
وصادَقَني... والشّيبُ يحصُدنا حصْدا
وما فرَّ... والأعداءُ حولي كتائبٌ
وما خاف... والظلماءُ صاخبةٌ رعْدا
فيا ربُّ! نوِّر بالقُبول ضَريحه
وأسكنْهُ روضاً في جنانك مُمتدا
ويا ربُّ! هل للعبدِ إلاك ملجأ
ويا ربُّ! هل إلاّكَ من يرحمُ العبْدا؟

القصيبي.. سيرة حياة

الدراسة
بكالوريوس قانون، جامعة القاهرة (مصر)
ماجستير في العلاقات الدولية،جامعة جنوب كارولينا (الولايات المتحدة)
دكتوراه في العلاقات الدولية، جامعة لندن (بريطانيا)

الوظائف السابقة
محاضر في جامعة الملك سعود (العربية السعودية)
عميد كلية التجارة في جامعة الملك سعود (العربية السعودية)
وزير الصناعة (العربية السعودية)
وزير الصحة (العربية السعودية)
سفير السعودية في البحرين (البحرين)
سفير السعودية في بريطانيا (بريطانيا)

الوظيفة الحالية
عضو المجلس الاقتصادي الاعلى (العربية السعودية)
وزير العمل (العربية السعودية)
عضو مجلس الوزراء (العربية السعودية)
عضو المجلس الأعلى لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنيات (العربية السعودية)
عضو المجلس الاعلى لشؤون البترول والمعادن (العربية السعودية)