في مقالته في صحيفة واشنطن بوست قال دينيس روس ndash; مدير سياسة التخطيط في وزارة الخارجية في عهد الرئيس جورج هـ. و. بوش والمنسق الخاص لشؤون الشرق الأوسط في عهد الرئيس بيل كلينتون ومستشار معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى حالياً ndash; quot;بصفتي مفاوضا في الشرق الأوسط لمدة طويلة, فقد تأكدت من أن عملية السلام لا يمكن تحقيقها إلا إذا تقبل كلا الطرفين الحقيقة. وفي العراق يبدو أن أحداً لا يمكنه إدراك ذلك.quot;

وقال إنه ربما تكون للشيعة أسبابهم لكيلا يثقوا بالسنة, لكنهم ليسوا مدركين لحاجة السنة إلى ضماناتٍ أكيدة بوجود دورٍ لهم في الحكومة الجديدة. كما يتوقع الأكراد أن يحصلوا على استقلالهم, ويريدون أن يكون ذلك ضمن إطار سياسي دون أن يعرضهم لأي تهديدات من تركيا أو إيران.

وتساءل روس عما فعلته إدارة بوش وما إذا كانت قد تقبلت الحقيقة. ويقول إنها تدعي التقدم, بينما يغرق الشعب في حرب أهلية, وفشلت جميع الخطط الأمنية لاحتواء العنف الطائفي.

وحسب وجهة نظره في ما يمكن فعله لتجنب الشعور الرافض لما قد يحصل في المنطقة بعد الانسحاب, اقترح أن ما يجب الوعي به أولاً هو أن العراق لن يصبح نموذجاً للديمقراطية والوحدة في المنطقة. بل يمكن للعراق, في أحسن الأحوال, أن يتحول إلى دولة تشمل حكومة مركزية محدودة السلطة وحكومات إقليمية ذات حكم ذاتي شامل ومشاركة في عائدات النفط. وفي مثل هذه الظروف يمكن للعراق أن يحقق الاستقرار.

واقترح روس ثلاث مبادرات مترابطة من شأنها أن تؤسس لطريق أكثر تقبلاً للتحكم في هذه النتائج, أو للانسحاب الأميركي من العراق على الأقل.

الأولى أن تصر إدارة بوش على انعقاد مؤتمر مصالحة وطني لا تُختتم أعماله إلا بالاتفاق على إصلاحات الدستور. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء نوري المالكي قدم خطة للمصالحة الوطنية, إلا أنها لم تنجح في معالجة الدستور والضمانات الرسمية التي يريدها أهل السنة.

وأضاف روس أن ما لا يريده أهل السنة هو فتات وطن دون مصادر. وإذا رأوا أن هذا هو كل ما سيحصلون عليه فسيواصلون تمردهم, وسيمثل هذا تبريراً للشيعة للإبقاء على ميليشياتهم. وإذا لم يتم التوصل إلى ميثاق وطني ومنح أهل السنة مؤسسة رسمية فلن ينتهي التمرد ولن يكون الشيعة مستعدين لحل ميليشياتهم.

المبادرة الثانية ndash; كما اقترحها روسndash; أنه لا بد من عقد مؤتمر إقليمي مُطوّل يضم جيران العراق. تخشى كل من دول الجوار نتائج الاضطراب في العراق بعد انسحاب غير متأنٍ للولايات المتحدة. فالحرب الأهلية إضافة إلى تشرد اللاجئين إلى خارج البلاد, وانعدام الاستقرار الناشئ عن التسلل عبر الحدود, ومع تدخل الدول الأخرى لحماية مصالحها وحلفائها من العراقيين_كل ذلك يمثل كابوساً لكل من إيران والسعودية. وبينما قد تتفق دول الجوار على بعض الأمور, فإن الاهتمام المشترك بتجنب حرب أهلية في العراق يمكنه أن يؤسس قاعدة لمستوى عام من التفاهم لما يجب عليهم فعله للمساعدة في تثبيت الاستقرار هناك. ولذلك, ينبغي على الإدارة أن تعقد مثل هذا المؤتمر الآن.

أما المبادرة الثالثة فهي أن يُعلم الرئيس بوش المالكي أنه لن يضع موعداً نهائياً للانسحاب الأميركي, ولكنه سيناقش مع حكومته جدولاً للانسحاب. والفرق بين الأمرين هنا هو كما الفرق بين أن نترك العراقيين في الفوضى وأن نعلمهم متى سيتسلمون مسؤولياتهم. فالأمر الأول سيضمن الإبقاء على الميليشيات والثاني سيخبر كل الفئات الطائفية أن بإمكانهم أن يعيدوا صياغة المستقبل, وإذا لم يأخذوا المصالحة الوطنية على محمل الجد ولم ينجزوا مسؤولياتهم فإنهم يتجهون نحو الهاوية.

يدرك روس أن لا أحد في العراق يرغب في وجودهم, ولكن الجميع متخوف مما قد يحدث بعد مغادرتهم. وفي الوقت الحالي يبدو أن الجميع يبتعد بنفسه عن الأحداث ليتجنبوا التعامل مع المشكلات القاسية ويتركوا الأميركيين يتحملون عبء القتال, الأمر الذي يجب أن يتوقف.

واختتم روس مقالته بقوله إن العلاقة يجدر بها أن تكون واضحة بين الجهود لتحقيق مصالحة وطنية وتنفيذنا الاتفاقية حول تحديد موعد الانسحاب. فإذا ما استطاع العراقيون الاتفاق على ميثاق وطني ستكون الولايات المتحدة أكثر مرونة في جدولها للانسحاب, أما إذا فشلوا فستكون الولايات المتحدة أكثر تطلباً. وفي النهاية إذا كان العراقيون مستعدين لحل اختلافاتهم السياسية الداخلية ولتقبل الحقيقة فإن وجودنا سيساعدهم في المرور بهذه الأزمة, أما إذا واصلوا تجنب الحقيقة فإن وجودنا سيطيل من أمد الشعور بالرفض لديهم ولدينا على حد سواء.

ترجمة: سامية المصري
الرياض
15 أكتوبر 2006