ما خلف الإنشراح على وجه المعلم في بغداد
سورية تتعاون مع أميركا لقاء تخليصها من المحكمة
الياس يوسف من بيروت : يعطي سياسيون من قدامى حلفاء النظام السوري في لبنان، الذين لم يغيّروا موقفهم هذا رغم كل المتغيرات التي أحدثتها quot;ثورة الأرزquot; أهمية بالغة لزيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم لبغداد، ويقولون إنه اذا عادت سورية الى quot; دورها الاقليمي quot; من البوابة العراقية، وأشركها الاميركيون في ترتيب الوضع هناك، فسيكون ذلك إيذانا بفتح ملف العلاقات اللبنانية ـ السورية في وقت لاحق، وهذا ما يتطلع إليه النظام في سورية ولكن مع حكومة لبنانية جديدة . والى ان تتضح معالم التحولات الاميركية في العراق وبسببه، يدخل لبنان مرحلة انتقالية دقيقة وخطرة، ويتوقف تطور الوضع فيه الى حد كبير على تطورات الملف العراقي وتحديدا مستقبل العلاقات الاميركية ـ الايرانية والعلاقات السورية ـ السعودية.
ويقول هؤلاء المراقبون: لاحظوا المتغيرات المتسارعة، وزير الخارجية السوري يدخل العراق للمرة الأولى منذ الاجتياح الاميركي ، والرئيس العراقي جلال طالباني في طهران خلال أيام، وجيمس بيكر الرجل الجديد ـ القديم في ادارة الرئيس الأميركي جورج بوش الذي عُهدت اليه مهمة اعادة رسم الاستراتيجية الاميركية في المنطقة التقى الوزير المعلم في نيويورك، وهناك من يقول ان بيكر زار دمشق سرا ، في وقت ثارت تكهنات متزايدة بأن مجموعة دراسة الوضع في العراق التي يرأسها ستؤيد تعاونا اميركيا أكبر مع سورية وايران. ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير أوفد مبعوثا خاصا الى دمشق لحثها على التعاون والمساعدة في ارساء الاستقرار في العراق مقابل وعد لها بفتح الأبواب الاميركية الموصدة في وجهها ، أما وزير الخارجية الاميركي الأسبق هنري كيسينجر فيقول ان تحقيق انتصار عسكري في العراق بات مستحيلا، ويدعو الى عقد مؤتمر دولي لبحث مستقبل العراق يضم دول الجوار بينها ايران .
ويضيفون إن هذه كلها مؤشرات وبوادر أولية الى تحوّل مرتقب في منطقة الشرق الاوسط وفي السياسة الاميركية انطلاقا من العراق. فبعدما أدت الانتخابات quot; النصفيةquot; في الولايات المتحدة الى تسليط الضوء على المأزق الاميركي هناك، والى تسريع وتيرة البحث عن مخارج وحلول بعدما صب الناخبون الاميركيون جام غضبهم من الحرب في هذه الانتخابات، حدث شيء من quot;تقاطع المصالح quot; بين التحالف الاميركي ـ البريطاني والتحالف الايراني ـ السوري حول العراق . وقد درس التحالف الأول خياراته واختصرها في ثلاثة : زيادة القوات واستقدام المزيد، وهذا خيار مستبعد لأنه يعني المزيد من التورط، والانسحاب الكامل والسريع الذي يعني الهرب المكلف وترك خسائر وأوضاع متفجرة وراءه، والخفض التدريجي للقوات والتهيئة لانسحاب مشرّف. وهذا خيار يفرض التعاون مع دول الجوار، ولا سيما مع ايران التي تملك نفوذ قوي جدا لدى الشيعة هناك، ومع سورية التي تربطها صلات قوية بالعشائر السنية، ومع تركيا التي تعاني مشكلة مع الأكراد في شمال العراق .
أما ايران وسورية فإنهما رغم اغتباطهما بالتعثر الاميركي وما أدى اليه من اعتراف مستجد بدورهما والحاجة اليهما، تبديان قلقاً ازاء احتمالات الانسحاب الاميركي العاجل، لأن تطورا كهذا سيشعل حربا أهلية في العراق لن يكون quot; الجوار quot; في منأى عن مضاعفاتها . وبالتالي فإن هاتين الدولتين اللتين مارستا لعبة عدم الاستقرار في العراق بالتنسيق بينهما لإعاقة الاميركيين واستخدام العراق ساحة ضغط عليهم، لديهما مصلحة من الآن فصاعدا في استقرار العراق والمساهمة في ترتيب أوضاعه ومستقبله بالتنسيق مع الولايات المتحدة، مع انتهاء المرحلة الانتقالية التيكان عنوانها quot;عراق ما بعد صدام حسين quot; وانطلاق العد العكسي لـ quot; عراق ما بعد الانسحاب الاميركي quot;.
ورغم ان الادارة الاميركية تشهد نقاشات حادة بشأن العراق، ولا يزال الرئيس بوش ومعه نائبه ديك تشيني ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس حذرون ازاء فكرة الانفتاح على ايران وسوريا واعطائهما جوائز تشجعهما على سلوكهما وتغضب الحلفاء والأصدقاء في المنطقة، الا ان من الواضح ان نفوذ المحافظين الجدد الى تراجع في ادارة بوش لمصلحة نفوذ البراغماتيين القدامى في ادارة بوش الأب، وان السياسة الاميركية في الشرق الاوسط دخلت مسارا جديدا تتقدم فيه احتمالات المفاوضة على المواجهة، وستكون سوريا مستفيدة من هذا التطور وسيكون لبنان معنيا به متلقيا انعكاساته .
ويلفت هؤلاء إلى علامات الانشراح والتباهي التي كانت على وجه الوزير المعلم في بغداد، لكأنه يقول ان الأحداث أثبتت صوابية ما توقعته سورية من سقوط اميركي في المستنقع العراقي وما اتخذته من مواقف ممانعة ورافضة للتعاون، وان سورية صبرت وصمدت وها هي الآن تقطف الثمار ، ولكن زيارة المعلم الى بغداد لم تكن لتتم لو لم تكن منسقة مع الاميركيين وبضوء أخضر منهم، مما يعني ان سورية باتت مستعدة بعد طول ممانعة للتعاون مع الولايات المتحدة في العراق وربما فيالأراضي الفلسطينية.
ويؤكدون ختاماً ، من موقع العارفين، أن دمشق تريد ان تعطي في العراق في مقابل ان تأخذ في مكان آخر، في الجولان العنوان المطلبي الرسمي، وفي لبنان العنوان المطلبي الفعلي، حيث تتطلع القيادة السورية الى استعادة نفوذها السياسية والحصول على تعاون أمني عبر لجنة مشتركة وقبل كل شيء يريد الحاكمون في دمشق رفع سيف المحكمة الدولية ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس ريق الحريري ورفاقه ، والتي تشكل سيفاً مصلتاً فوق رؤوسهم.
التعليقات