إيلاف: كان كل ما نريده في الكريسماس إستراتيجية معقولة في العراق، ولكن توني سنو المتحدث باسم جورج بوش أوضح من البيت الأبيض الأسبوع الفائت السبب الذي يجعل من هذه الرغبة غير واقعية، حيث قال إن الرئيس quot;بصدد اتخاذ قرارٍ لكيفية السير خطواتٍ إلى الأمامquot;. وبنبرة صوتٍ لم تكن في وقتها، واصل حديثه قائلاً: quot;أعلم أن كثيراً منكم يشعرون بالفضول حول الوقت الذي سيُعلِن أو سيتحدث فيه عن التقدم إلى الأمام. ولن يحدث هذا قبل السنة الجديدة، ولا نعلم متى سيحدث، ولذا لا يمكنني أن أعلن عن أي زمانٍ أو مكانٍ معين، ولا يمكنني أن أخبركم عن الطريقة التي سيتم من خلالهاquot;.
وجاء في المقال الذي كتبه ستيف كول في صحيفة ذ نيويوركر أن الاستطلاعات الأخيرة أظهرت أن سبعة من بين كل عشرة أميركيين لا يتفقون مع أداء الرئيس بوش فيما يتعلق بالعراق. ولهؤلاء قال سنو بضع كلمات لطمأنتهم: quot;أهم ما في الأمر أن الرئيس منشغل بالحديث عن كيفية التقدم إلى الأمامquot;.
أحدثت استقالة دونالد رمسفيلد كوزير للدفاع ضجة في النقاش حول سياسة العراق في واشنطن توازي تلك التي تحدث عقب سقوط مفاجئ لدكتاتورٍ ما. فقد استطاع رمسفيلد بحيويته ونفوذه أن يحبط الخيارات البديلة في العراق التي دعا إليها رجال الجيش، وواجه خصومه من الوزراء ومن بينهم وزيرة الخارجية كوندليزا رايس ومن قبلها كولن باول، كما شجع بوش على الاستمرار في إنكار الوضع المتدهور في العراق. تبدو الإدارة التي تركها رمسفيلد وراءه مبعثرة بعض الشيء، كما رتب لها أن تكون.
وفي تصور كثير من رجال السياسة في واشنطن، الديمقراطيين منهم والجمهوريين، فإن مغادرة رمسفيلد بالإضافة إلى نشر محتوى تقرير مجموعة البحث في أوضاع العراق قدّم حتى الآن خطة عقلانية وواقعية. وستمثل هذه الخطة حملة دبلوماسية عالية المستوى تشمل محادثاتٍ مع سوريا، ويُحتمل أن تكون مع إيران أيضاً، تهدف إلى استقرار الوضع في العراق تدريجياً، الذي بدوره سيساعد في تهيئة الظروف لخروجٍ أميركي من المعارك اليومية في المدن والقرى العراقية، وسيتم تحديد الجدول الزمني لوسائل إعادة انتشار القوات الأميركية وانسحابها فيما بعد.
ولكن الرئيس ليس لديه الاهتمام البالغ بالدبلوماسية العالمية النشطة التي أوصت بها مجموعة البحث في أوضاع العراق واشترك في رئاستها جيمس بيكر وزير الخارجية في عهد بوش الأب. واتضح تبرم بوش الابن من روايات اللجنة التي أعلنت عن إخفاقاته في العراق، ويبدو أنه فهم التقرير باعتباره ضربة ضعيفة موجهة إليه ممن شكلوا سياسة أبيه الخارجية الناجحة. وإذا كان الرئيس قد تقبل النقد الذي وجهته إليه مجموعة البحث بسبب الوضع المريع في العراق واعتبره حقيقياً ومفيداً، لكان اعترف بأنه أخطأ في قيامه بالحرب واحتلال العراق وأن أصدقاء والده كانوا على حق.
أغلق بوش فكره عن كل رؤية تخالف رؤيته، وهي التي ستسمح له بأن يدعي فضل أي تغيرٍ حاصل، ولكن جهوده هذه باتت غير مقنعة على الإطلاق. وهو بذلك يصور مشهد رجلٍ يتجول في أنحاء واشنطن بحثاً عن ناصحٍ جديد. كان روبرت غيتس، المحلل في الاستخبارات الذي عُيِّن خلفاً لرمسفيلد ، قد صرح بعدم وجود أفكار جديدة حول العراق، على الرغم من أن الرئيس قضى ديسمبر (كانون الأول) في مباحثاتٍ حثيثة مع الخبراء ومسؤولي الجيش للبحث عن أفكار جديدة. وحينما خرج من جلسة حول العراق سأله أحد الصحافيين إن كان سمع عن أي خطط جديدة مشجعة، قال: quot;ما سمعت سوى الأفكار التي تؤدي بنا إلى الهزيمة، وأنا أرفضهاquot;.
وفي الحقيقة، فإن الاختيارات التي يواجهها بوش ليست بمثل ما تتضمنه التوصيات التسعة وسبعين لمجموعة البحث من تعقيد أو اختلاف. فقد تلاشت الفرص التي يمكن اقتناصها لتصرف أميركي حاسم في العراق منذ زمن. وكل ما بقي لبوش ومستشاريه في العراق هو التحكم في الفشل المفجع للتقليل قدر الإمكان من آثاره السيئة، وهذا ليس عملاً يُكافَؤون عليه.
سيكون من الصعب على بوش أن يتحدى إجماع مجموعة البحث بسبب إفلات الكونغرس من نطاق سيطرته في نوفمبر (تشرين الثاني)، ولذلك تتضح خلاصة أولية لما سيحصل تالياً. ستواصل الحكومة العراقية الدستورية المنتخبة تلقي الدعم المالي والعسكري الأميركي كما يجب، باعتبار أن الاحتلال الأميركي هو الذي أوجد الوضع الحالي الذي يعاني منه العراق. وستستمر الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة لتحصد آلاف الأرواح من العراقيين، بينما تحاول الولايات المتحدة وبعض حلفائها احتواء هذه الحرب داخل حدود العراق. وسيكون انسحاب القوات الأميركية تدريجياً، ولكن سيبقى عشرات الآلاف حتى انتخابات 2008. وسيبدأ عدد المصابين الأميركيين بالانخفاض قبل ذلك الحين، ولكن في الوقت الذي تتشكل فيه الحملة الانتخابية الرئاسية القادمة ستبقى السياسة والمجتمع الأميركي منفصلين بالسؤال الذي سأله السيناتور جون كيري الذي خسر الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام بوش: quot;كيف تطلب من رجلٍ أن يكون الرجل الأخير الذي يقدم حياته من أجل خطأ؟quot;
لا يمكن للعجرفة ونقص الكفاءة اللذين أوصلا الولايات المتحدة إلى حيث هي الآن في العراق أن يخلصها من الالتزامات والمصالح التي تتطلب مكوثها هناك. وإن معظم عملها دفاعي بطبيعته، كإدارة الحكم الذاتي الكردي لتجنب حرب إقليمية موسعة، ومنع تشكيل دولة صغيرة للقاعدة في محافظة الأنبار، وتحدي التمويل الإيراني السري. ويبقى هناك أيضاً الالتزام الأخلاقي في محاولة حماية معظم العراقيين المدنيين من العنف العشوائي والتطهير العرقي، فهم يشاركون بسلام في النظام الدستوري الذي أسسته القوة الأميركية الوقائية. ومع ذلك، أظهرت سجلات السنوات الثلاث الماضية أنه لا يمكن تحقيق أي من هذه الأهداف عبر احتلال طويل الأمد ينفذه مئة ألف أو أكثر من القوات الأميركية. المسافة بعيدة جداً أمام الرئيس ليتمكن من رؤية ذلك، والنتيجة أن الجنود سيبقون على مسافة بعيدة جداً من ديارهم.
التعليقات