الاستفتاء يقفز بموريتانيا الى واجهة الأحداث الدولية
مليون موريتاني يحددون مصير الدستور الجديد

سكينة أصنيب من نواكشوط : وسط اهتمام وطني ودولي كبير توجه منذ ساعات الصباح الأولى من يوم أمس الأحد نحو مليون موريتاني إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم بشأن التعديلات الدستورية المقترحة على الاستفتاء، لضمان تناوب سلمي وديمقراطي على السلطة في بلاد عرفت عدة انقلابات في تاريخها الحديث منذ الاستقلال عن فرنسا سنة 1960. وقد عرفت مكاتب التصويت التي فتحت أبوابها منذ الساعة السابعة صباحا وستظل كذلك حتى الساعة السابعة مساء بالتوقيت المحلي وتوقيت غرينيتش، إقبالا كبيرا حسب المراقبين بسبب الحملة الترويجية الضخمة التي قادها المجلس العسكري الحاكم والحكومة الانتقالية وأغلب الأحزاب والقوى السياسية والمدنية في البلاد.

ومن المتوقع إعلان النتائج المبدئية لأول واهم استحقاقات المرحلة الانتقالية الجارية في موريتانيا في عهد المجلس العسكري الذي يضم 17 ضابطا يوم الاثنين. ويبلغ عدد المسجلين لهذا الاستفتاء 984.423 ناخبا سيدلون بأصواتهم فى2.329 مكتبا انتخابيا موزعة على عموم التراب الوطني. وقد بدأت عمليات التصويت في ظروف جيدة ودون مشاكل، ويتوقع أن تكون نسبة المشاركة في هذا الاستحقاق مرتفعة. وهذا أول تصويت تجريه موريتانيا منذ أن استولى مجلس عسكري بزعامة الرئيس الحالي علي ولد محمد فال على السلطة في انقلاب أبيض في آب(أغسطس) الماضي. وتحظى التعديلات بقبول الأحزاب السياسية الرئيسية والنقابات والجماعات الدينية. ويضمن الدستور الجديد التناوب الديمقراطي ويلزم كل رئيس جديد بان يقسم بالله بأنه لن يسعى الى البقاء في السلطة لفترة غير محددة. وتشمل التعديلات تقليص فترة مأمورية رئيس الجمهورية من ست سنوات إلى خمس فقط قابلة للتجديد مرة واحدة، وحظر جمع رئيس الجمهورية لوظائفه الرئاسية مع قيادة حزبية، ويحصر عمر الرئيس ما بين 40 و 75 سنة.
ومن أهم التعديلات الدستورية تخصيص 20% من المقاعد للنساء في الانتخابات التشريعية والمحلية، ومنح صلاحيات واسعة لرئيس الوزراء, كما يعطي الدستور الجديد البرلمان الحق في الاعتراض على قرارات الحكومة أو سحب الثقة منها.
ويعتقد المراقبون للشأن السياسي في موريتانيا، على نطاق واسع أن هذا الاستحقاق سيحظى بموافقة أغلبية الموريتانيين، اعتمادا على التأييد الذي حظي به من قبل أغلبية الفاعلين السياسيين وهيئات المجتمع المدني من جهة وتكريس المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية للحياد الذي تعهد به في المرحلة الانتقالية، من خلال حظر الترشح في كل استحقاقات هذه المرحلة، على رئيسه وأعضائه وعلى الوزير الأول وأعضاء الحكومة الانتقالية.
وينتظر الموريتانيون الساعات القادمة بكثير من الأمل لأنها تحمل أول دستور يكرس مبدأ التناوب السلمي على السلطة في البلاد، كما أن هذه المرحلة تعتبر بحق بداية التحول الديمقراطي في البلاد.

ومنذ وصول المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية الى الحكم في موريتانيا في 3 آب الماضي، أكد رغبته في وضع تعديلات دستورية بهدف quot;وضع حد لعشرين عاما من الهيمنة السلطويةquot; في إشارة الى الرئيس السابق معاوية ولد محمد طايع الذي وصل الى السلطة اثر انقلاب في كانون الأول/ديسمبر 1984 وبقي فيها حتى العام 2005.
وتقول السلطات الموريتانية بان الاستفتاء الحالي يعتبر فريدا من نوعه، حيث يؤكد الرئيس الانتقالي علي ولد محمد فال أنه quot;أول فرصة تتاح للشعب الموريتاني من اجل أن يرسم لنفسه في كنف الحرية والشفافية ، كما يكفل بصورة حضرية مقننة، التداول السلمي على السلطة، ويقطع الطريق أمام سلطة الفرد وخلود الحكم، وهو من عاشهما طوال خمس وأربعين مضت من تاريخه الرسمي: (1960- 2005) بل وواجه مع ذلك كل احتمالات توريث السلطةquot;.
ويقول محمد ولد الهادي (ناشط حقوقي) أن quot;الدستور الجديد وهو ثمرة إجماع كل الفاعلين السياسيين الموريتانيين خلال الأيام الوطنية للتشاور التي تمت في أكتوبر الماضي وناقشت المرحلة الانتقالية، مما يعني أن مشروع الدستور سيحظى حتما بتزكية من قبل المواطنين، وبنسبة كبيرةquot;.
ويمهد الاستفتاء الطريق أمام آلية انتخابية طويلة في موريتانيا، حيث سيعقب الاستفتاء انتخابات تشريعية ومحلية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، على أن تجرى انتخابات مجلس الشيوخ في كانون الثاني (يناير) والانتخابات الرئاسية في آذار(مارس) 2007. وقد تعهد أعضاء المجلس العسكري الحاكم بعدم الترشح الى الانتخابات المقبلة حرصا على حياد الإدارة.
كما كثفت الشرطة الموريتانية من تواجدها في الشوارع الرئيسية وعلى مداخل المدن معززة بوحدات من الدرك، ووضعت خططا أمنية لضبط سير عملية الاستفتاء ومواجهة أي طارئ بعد افشال المخطط الذي كان سينفذه أقارب وأعوان ولد الطايع لزعزعة الأمن أثناء عملية الاستفتاء.
وقد تمركزت قوات من الدرك الوطني التابع لعضو المجلس العسكري العقيد أحمد ولد بكرن في مناطق حساسة من العاصمة وخصوصا مقاطعة عرفات و توجنين ودار النعيم ،بينما توجه عدة سيارات من الحرس الوطني والجيش إلى الداخل للإشراف على العملية وضبطها في ظل حديث عن توتر داخل البلاد بسبب اعتقال مجموعة من أقارب الرئيس السابق كانت تخطط لعرقلة الاستفتاء. وفى مفوضية الأمن الجهوى أحتشد عدة سيارات من الشرطة استعدادا للانتشار في مناطق محددة من العاصمة،كما قرر الجيش إعلان استنفار داخل وحداته العسكرية تحسبا لأي طارئ.
وقد وفرت السلطات الموريتانية عشرات السيارات لنقل المواطنين الى مكاتب التصويت، كما وزعت مبالغ مالية على حكام المقاطعات من أجل مساعدتهم في نقل الناخبين الى مكاتب التصويت وتأجير السيارات.
ورغم أن مشروع الاستفتاء يحظى بتأييد كبير من قبل الموريتانيين فقد دعا quot;حزب الجيل الثالثquot; وquot;تحالف العدالة والديموقراطيةquot; وquot;القوات الإفريقية لتحرير موريتانياquot;، وهي حركة من الأفارقة الموريتانيين تنشط في المنفى، الى مقاطعة التصويت على الدستور الجديد. وتأخذ هذه المجموعات على الدستور عدم التوقف عند مسالة quot;تعايش الاتنياتquot; العربية والإفريقية، وعند مسالة العبودية التي ألغيت رسميا عام 1981 مع بقائها مطبقة فعليا.
ويحسب المراقبون الى جانب ما سبق، في قطعهم على تصويت معظم الموريتانيين لصالح هذه التعديلات الدستورية، على تطلع الشعب الموريتاني الى العدالة والإنصاف في توزيع خيرات بلده، وغبطته بما حققته آليات الرقابة على المال العام وتسيير الحكومة الانتقالية منذ الثالث أغسطس الماضي، من نتائج، انعكست إيجابيا على الأجور والخدمات الأساسية وعلى علاقات البلاد مع المؤسسات المالية الدولية، حيث الغي صندوق النقد الدولي في هذا السياق الديون المستحقة له على موريتانيا ويتوقع أن يعلن البنك العالمي والبنك الإفريقي للتنمية ما يتعلق بهما من هذه الديون، التي تأجل شطبها في ديسمبر من العام الفارط، بسبب الأرقام المغلوطة التي كان النظام السابق يتعامل بها مع الشركاء.
وبصورة عامة، فان هذا المشروع، إذا تم إقراره، يؤسس لنظام حكم رئاسي يمنح رئيس الدولة صلاحيات واسعة ويعطى البرلمان الحق في الاعتراض على قرارات الحكومة وسحب الثقة منها، وسيشفع باستحقاقات تشريعية وبلدية في شهر نوفمبر القادم وأخرى رئاسية خلال شهر مارس 2007.
ويبلغ عدد الناخبين الموريتانيين 984.423 ناخبا سيعبرون عن أصواتهم في 2.329 مكتبا انتخابيا ويتوزع الناخبون ومكاتب التصويت في الولايات الموريتانية وفقا لما يلي: الحوض الشرقي: 103.360 ناخبا و285 مكتبا انتخابيا، والحوض الغربي: 58.273 ناخبا و255 مكتبا انتخابيا، ولعصابة: 92.028 ناخبا و219 مكتبا انتخابيا، وغورغول: 75.011 ناخبا و159 مكتبا انتخابيا، وبراكنة: 96.481 ناخبا و32 مكتبا انتخابيا، وترارزة: 123.073 ناخبا و361 مكتبا انتخابيا، وآدرار: 33.616 ناخبا و92 مكتبا انتخابيا، وانواذيبو: 44.769 ناخبا و69 مكتبا انتخابيا، وتكانت : 35.632 ناخبا و95 مكتبا انتخابيا، وغيدى ماغا: 35.583 ناخبا و148 مكتبا انتخابيا، وتيرس زمور: 17.817 ناخبا و35 مكتبا انتخابيا، واينشيرى: 7.746 ناخبا و18 مكتبا انتخابيا، وأخيرا نواكشوط بـ 216.034 ناخبا و363 مكتبا انتخابيا.
من جهة ثانية عقد رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات الشيخ سيدي احمد ولد باب أمين مساء أول من أمس بالعاصمة نواكشوط جلسة عمل مع وفد الجامعة العربية برئاسة السفير موفق نصار الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، رئيس قطاع الأمن القومي، الذي جاء لمراقبة عمليات الاقتراع على الدستور في موريتانيا والتي بدأت صباح اليوم على عموم التراب الوطني.
وخلال الاجتماع قدم الشيخ سيدي احمد ولد باب أمين لوفد الجامعة عرضا حول كافة الإجراءات القانونية والتنظيمية المتخذة لضمان شفافية ونزاهة هذا الاقتراع. وقال إن جميع التدابير قد اتخذت لتسهيل مهام المراقبين، مؤكدا في هذا المجال أن اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وكافة هيئاتها -التي تعمل على مدار الساعة-، تحت تصرف المراقبين حيث أعطيت التعليمات لأجهزة اللجنة المركزية والجهوية والمحلية بذلك