اندريه مهاوج من باريس: لم يكن مجيئ وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوستي بلازي الى بيروت عملا منفردا او خطوة منعزلة قررها الرئيس جاك شيراك بل ان هذه الزيارة جاءت نتيجة سلسلة تشاورات سبقت الغارة الاسرائلية على مدينة قانا وتلتها . واوضحت مصادر دبلوماسية في باريس ان الاتصالات والمشاورات كانت تتم على اكثر من صعيد خصوصا في مجلس الامن وبين الدوائر الدبلوماسية في العواصم الكبرى ،بهدف الاعداد لصيغة مشروع قرار توافقي قبل ان يصدم العالم اجمع بصور اجساد الاطفال والنساء الممزقة والتي تم انتشالها تحت عدسات الكاميرات من تحت ركام المبنى الذي هدمته قنابل الطائرات الاسرائيلية على رؤوس المحتمين في ملجئه.
وحسب المعلومات فان قرار الرئيس جاك شيراك ايفاد الوزير دوستي ـ بلازي الى بيروت جاء بعد اتصالات سريعة مع quot; شركاء باريس في الاسرة الدوليةquot; وخصوصا مع الادارة الاميركية التي لم تستطع استكمال المساعي التي كانت تقوم بها وزيرة الخارجية كونزاليسا رايس والتي اضطرت لقطع جولتها والعودة الى واشنطن من دون زيارة بيروت .
ومن الواضح ان فرنسا تقوم حاليا بدور الوسيط البديل عن الولايات المتحدة وقد اصبح هذا الدور موضع ترحيب من لبنان بعدما اقترب موقف الحكومة اللبنانية التي تبنت الورقة التي طرحها فؤاد السنيورة في مؤتمر روما الى حد كبير من مواقف الدبلوماسية الفرنسية . وقد تجلى هذا التقارب في الترحيب الكبير الذي ابدته فرنسا بخطوة مجلس الوزراء اللبناني في تبني ورقة السنيورة وبالمقابل فان واشنطن تسعى لدى تل ابيب لازالة التوتر الذي طرأ على علاقاتها مع باريس بعد تصريحات وزيرة الخارجية الاسرائيلية من ان على فرنسا التي قامت بجهود في المجال الانساني ان تعمد الى خطوات عملية لتنفيذ القرار 1559 .
وفي هذا الاطار ايضا يبدو ان الخطوة الفرنسية ستستكمل باشراك ايران بطريقة ما في مساعي التهدئة مع استبعاد سوريا في الوقت الراهن نظرا لصلتها بالقرارات الدولية الصادرة بشان الاوضاع في لبنان منذ القرار 1559 وما تلاه من قرارات بعد اغتيال رفيق الحريري وتشكيل لجنة تحقيق دولية واقرار انشاء محكمة دولية ـ لبنانية.
ومن الواضح انه لم يعد من مفر من الدور الايراني والذي املته تطورات عدة منها صمود حزب الله والعلاقة الوثيقة الذي تربطه بايران عسكريا وسياسيا والتاثير الذي يمكن لطهران ان تمارسه على الحزب المذكور . وقد بدأت بوادر هذا الدور تظهر مع زيارة وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي الى بيروت في وقت متزامن مع زيارة نظيره الفرنسي بعدما كانت طهران استبعدت بيروت عن زيارات المسؤولين الايرانيين منذ نشوب الحرب في 12 من تموز ـ يوليو بينما كانت دمشق محطة لاكثر من مسؤول وقيادي ايراني منذ بدء هذه الحرب .
وقد استبق دوستي ـ بلازي زيارة متكي باعطاء اشارات ايجابية من خلال تاكيده في بيروت ان ايران دولة كبيرة ويمكنها ان تلعب دورا جوهريا واساسيا في المنطقة ومن المهم ان نعالج مع ايران الملف اللبناني لانه لا يمكن تجاهلها.
ولهذا الدور الايراني ارتباط بملف طهران النووي. ولم يغفل دوستي ـ بلازي هذا الامر مذكرا من بيروت بالنقاش الدائر حول هذا الملف وامكان فرض عقوبات على طهران علما ان هذا الملف سيناقش في جلسة لمجلس الامن ستنظر ايضا بالوضع في لبنان . وحسب المعلومات التي كشف عنها الوزير الفرنسي فان مشروع القرار الذي اعدته باريس ينص على وقف فوري ودائم لاطلاق النار لكي توافق فرنسا على المشاركة في قوة دولية تحت راية الامم المتحدة وبعد موافقة الاطراف المعنيين وهنا يبدو احد جوانب الدور الايراني اذ لا بد من موافقة حزب الله ايضا على نشر هذه القوة الى جانب موافقة الحكومة اللبنانية واسرائيل والخطوة التالية وفقا للافكار الفرنسية ستكون اتفاق سياسي على معالجة جذور الازمة ونزع سلاح حزب الله بالحوار وليس بالعنف ولكن حتى الان لا تزال بعض الاعتراضات تواجه المشروع الفرنسي منها اولا اعتراض رئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود على نشر قوات متعددة الجنسيات ودعوته الى دعم عمل قوة الطوارئ الموجودة حاليا في جنوب لبنان وربما يعود هذا الموقف الى ارادة لحود فرض حضوره على الوسطاء الدوليين وتحديدا فرنسا والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الذين يقاطعونه ويرفضون الالتقاء به . المشروع الفرنسي يلاقي ايضا تحفظات اميركية هي في الوقت نفسه تحفظات اسرائيلية وتتمثل برفض وقف النار من دون شروط او خارج اطار سلة حلول سياسية اسرائيل طالبت صراحة بقوة مقاتلة من الحلف الاطلسي بدلا من القوة المتعددة الجنسيات واشنطن تؤيد نزع سلاح حزب الله بالقوة اذ انها ترى ان مهلة السنة والنصف التي مرت تقريبا على صدور القرار 1559 وان مناقشات مؤتمر الحوار الوطني لم تفلح في اقناع الحزب بالتخلي عن سلاحه .
وبين نظرية الحل السلمي الذي دافع عنه وزير الخارجية الفرنسي بقوله ان القوة لن تاتي بالحل وان دوامة العنف لن تحقق شيئا مستشهدا في هذا المجال بالوضع في العراق وبين موقف الادارة الاميركية التي تصر ان على حزب الله ان يفهم ان لا وقف للنار خارج اطار حل مسبق تبقى كل الاحتمالات مفتوحة داخل مجلس الامن وعلى ارض لبنان وان كان بعض المتفائلين يرون انه لا بد من التوصل الى صيغة تفاهم بين واشنطن وباريس في حين يرى المتشائمون ان ما حصل في قانا شكل ربما صدمة انية ولكن تاثيرها لن يكون جوهريا على مجرى الاحداث خلافا لما راهن عليه البعض خصوصا حزب الله من ان تؤدي الصور البشعة للمجزرة البشعة الى تغيير المعادلة .
التعليقات