في الذكرى الخامسة لاغتيال أسد بانشير وفاتح كابل
هكذا خطط بن لادن لقتل غريمه أحمد شاه مسعود
نصر المجالي من لندن: أمس التاسع من أيلول (سبتمبر)، كانت الذكرى الخامسة لاغتيال القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود وزير الدفاع السابق في حكومة برهان الدين رباني التي أطاحتها حركة الطالبان المتشددة العام 1995 ، ونجم عن ذلك تشكيل تحالف الشمال الذي سعى إلى طرد الحركة من الحكم بالقوة العسكرية وحرب العصابات،، فقبل يومين من تفجيرات 11 سبتمبر 2001 الجوية الإرهابية التي غيرت وجه العالم وخصوصا منطقة الشرق الأوسط، نفذ اثنان انتحلا صفة الصحافة عملية اغتيال القائد الأفغاني، أثناء مقابلة صحافية مزعومة حين تفجرت قنبلة كان زرعها الصحافيان المزعومان وهما من شمال إفريقيا وكانا تنكرا على أنهما صحافيان بلجيكيان عقب تسللهما عبر الخطوط الأمامية للتحالف الأفغاني الشمالي. ولقي أحد المنفذين مصرعه في الحال فيما اغتال حراس مسعود الصحافي المزعوم الثاني، وهو من المغرب، أما الثاني وهو تونسي فقد نفذ فيه حكم الاعدام لاحقا.
وعلى الرغم من مرور خمسة أعوام على اغتيال مسعود إلا أن الكثير من تفاصيل اغتياله ما زالت خافية، وفي غضون ذلك ألقى مسؤول سابق في حكومة طالبان بالضوء على تفاصيل مخطط تنظيم القاعدة لاغتيال القائد الأفغاني، وقال وحيد مزده، رئيس دائرة الشرق الأوسط وأفريقيا في وزارة خارجية حكومة طالبان السابقة، إن مخطط الاغتيال كان يهدف إلى تسديد ضربة قاصمة إلى قوات التحالف الشمالي التي يقودها مسعود الملقب بـquot;أسد بانجشيرquot; الموالي للولايات المتحدة.
وقال مسعود خليلي، مستشار سابق لمسعود أصيب بجراح خطرة في الانفجار quot;لم نشتبه قط في الصحافيين.. قادتنا كانوا غير مبالينquot;، نقلاً عن الأسوشيتد برس. ويشار إلى أن خليلي هو سفير أفغانستان الحالي لدى تركيا.
وقال مزده إن زعيم شبكة القاعدة أسامة بن لادن بدأ في التلميح إلى مخطط اغتيال مسعود أثناء لقائه وزير إعلام حكومة طالبان، أمير خان متقي، في مدينة قندهار عقب نهاية شهر رمضان عام 2000. وكان بن لادن اشتكى خلال اللقاء من القيود التي تفرضها طالبان على لقائه وسائل الإعلام، فألقى متقي بلائمة ذلك على الضغوط الدولية المفروضة على الحركة جراء استضافتها تنظيمه بجانب المواجهات العسكرية مع قوات التحالف الشمالي وبحسب المصدر، رد بن لادن قائلاً quot;أدرك حجم الصعاب التي تواجهكم.. وسأنظر في طريقة لحلها.quot;
ومع قدوم الربيع، تلقى المكتب الإعلامي الذي تستخدمه القاعدة وحركة طالبان في قندهار، طرداً من باكستان يحوي كاميرا فيديو التقطها مسؤول من التنظيم في اليوم التالي وهو بصحبة عربيين حليقي اللحية - وهو مشهد غير مألوف إبان حكم طالبان.
وذكر المصدر أن العربيين عرفا نفسيهما باسمي quot;كريمquot; وquot;عربتquot; خلال إجرائهما لقاء مع وزير خارجية طالبان حينئذ، عبد الوكيل متوكل. ولم يقدم الصحافيان مطلقاً نسخة من المقابلة المصورة إلى متوكل، وبحسب طلبه.
وأشار مزده إلى أن الصحافيين المزعومين التقيا بن لادن وساعده الأيمن أيمن الظواهري والملا محمد عمر قبيل سفرهما إلى كابول حيث منحهما وزير الخارجية رسالة تفويض تتيح لهما العبور إلى داخل مناطق التحالف الشمالي في وادي بانجشير، أهم معاقل مسعود شاه.
ولاكتساب ثقة جانب quot;التحالف الشماليquot; قدم quot;الصحافيانquot; رسالة تعريفية من تنظيم إسلامي في لندن إلى عبد الرسول سياف، أبرز القياديين العسكريين في حركة مسعود، وفق عبد الله عبد الله، من المقربين إلى زعيم التحالف.
ومن جهته، قال عبد الله عبد الله، وزير الخارجية الأفغاني السابق، إن سياف تعشم في أن تؤدي المقابلة إلى تعزيز جانب التحالف في العالم الإسلامي إلا أنه طلب من القائد العسكري، بسم الله خان - قائد أركان الجيش الأفغاني في الوقت الراهن - مراقبتهما. وذكر عبد الله أنه شاهد quot;الصحافيينquot; في بانجشير قبيل 20 يوماً من عملية الاغتيال، وأضاف قائلاً quot;عندما استرجع ذاكرتي للوراء.. اذكر الحقد في نظراتهما.quot; وانتظر الصحافيان المزعومان حتى لاحت سانحة إجراء مقابلة صحافية مع مسعود في بلدة quot;خودجه بهاودين.quot;
تعتيم مقصود
 |
| بن لادن خطط لتصفية شاه مسعود قبل 11 سبتمبر |
وقد قدم المسؤول الطالباني السابق مزده خلال حديثه مع الأسوشيتد برس رسالة بالعربية بتاريخ 13 سبتمبر/أيلول عام 2001 زعم أنها صادرة من أسامه بن لادن إلى زعيم طالبان الملا محمد عمر تحثه على شن هجوم عسكري على قوات التحالف الشمالي.
وقال بن لادن في رسالته إن فشل الولايات المتحدة في الاستجابة لهجمات 11/9 يعني أفول نجمها كقوة كبرى وأنه في حال قرارها القتال فإن اقتصاد نظام طالبان سيتأثر بشدة ويواجه المصير ذاته الذي لاقاه الاتحاد السوفياتي - الذي أدى احتلاله لأفغانستان في الثمانينات إلى سقوطه. وقادت الحملة الأميركية التي أطاحت بنظام طالبان في أواخر عام 2001 بأنصار التحالف الشمالي المحاصر في منطقة صغيرة يسيطر عليها في مناطق شمال أفغانستان الجبلية، إلى سدة الحكم.
تأييد لاتهام بن لادن
يذكر أن الأكاديمي السعودي الدكتور موسى القرني كان قال في مقابلة في آذار/ مارس 2006 مع صحيفة (الحياة) اللندنية إنه لا يستبعد أن يكون أسامة بن لادن خطط لاغتيال القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود. وقال غالبية quot;المجاهدين العربquot; ضد الاحتلال السوفياتي بأنهم كانوا quot;فوضويينquot;، وإنهم كانوا يكرهون أحمد شاه مسعود لأسباب عدة، بينها انضباطه العسكري. كما لاحظ أن كثيرين منهم quot;كانوا في ذروة الانحرافquot; قبل انخراطهم في الجهاد، وبعضهم quot;لم يكن يعرف حتى فقه الصلاة ولا فقه الوضوءquot;.
ويرى القرني أن أحمد شاه مسعود quot;كان الوحيد بين كل قادة المجاهدين الذي يقود جيشاً نظامياً ويمتلك استراتيجية واضحةquot;، ومع ذلك، شارك أسامة بن لادن في محاكمته غيابياً بتهمة quot;العمالة للغرب والكفرquot;.
وفي حديثه للصحيفة يخلص من معرفته الوثيقة بشخصية بن لادن، إلى أن الأخير quot;لا يمكن أن يستسلم، لأنه من طلاب الموت والساعين إليهquot;. ويؤكد القرني أنه جرت محاولات عدة لإقناع بن لادن بترك السودان والعودة إلى السعودية، ليستقر فيها ويمارس حياته الطبيعية، ولكن من دون جدوى.
مصريون اغتالوا عزام
ويرى القرني أن quot;جماعة الجهاد المصريةquot; ربما تكون هي المسؤولة عن اغتيال احدى أبرز قيادات quot;الأفغان العرب الشيخ عبدالله عزامquot;، وذلك quot;لأنها كانت تراه عقبة أمام تنفيذ برنامجها في أفغانستانquot;. ويؤكد أن بن لادن في الوقت الراهن هو جزء من نسيج فكر quot;جماعة الجهاد المصريةquot; بقيادة أيمن الظواهري، ويتحرك وفق مخططاتها.
ويعتقد القرني أن قلب الدين حكمتيار هو quot;أكثر شخص أضاع مكاسب الجهاد الأفغانيquot;، وأن وصول quot;طالبانquot; إلى الحكم quot;كان مصيبة على الشعب الأفغاني، وقضى على ما تبقى في الذاكرة من نصاعة حقبة الجهاد ضد السوفياتquot;. ويعتقد القرني أن إنشاء المدارس والمعاهد كان أهم إنجاز لـquot;الأفغان العربquot;، وذلك بشهادة الأفغان أنفسهم، على حد تعبيره.
من هو شاه مسعود
وأخيرا، من هو القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود (9 يناير 1953 - 9 سبتمبر 2001 م) ؟
ولد أحمد شاه مسعود في بانشير عام 1953 أو 1954، و كان أبوه دوست محمد خان عقيداً في الجيش الأفغاني، وعمه عبد الرزاق خان ضابطاً في الاستخبارات. وكان مسعود قائد قوات عسكرية في أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي من أصل الطاجيكية. وبدأ عضواً في الجمعية الإسلامية التي أسسها عبد الرحيم نيازي في 1969 م، وضمت برهان الدين رباني وجلب الدين حكمتيار، ومن ثم بقي في تنظيم الجمعية الإسلامية مع رباني، وأسس فيما بعد تنظيم مجلس شورى الولايات التسع شوري إي نزار أو مجلس شورى النظار والذي يضم أيضاً عبد الله عبد الله، محمد قاسم فهيم ويونس قانوني، بعد ذلك أسس تحالف الشمال والذي يضم ائتلافاً من قوى متنافرة، و يضم عبد الرشيد دوستم، إسماعيل خان، وعبد رب الرسول سياف، يمثل التيار الإسلامي المعتدل براغاماتيا.
كانت الشيوعية تستشري في أفغانستان في الستينات، لكنها لم تلاق صدى حقيقياً عند السواد الأعظم من الشعب رغم تعدد الأحزاب الشيوعية، فمنها ما كان يتبنى الماركسية، و منها ما كان يتبنى الماوية، لكن الأحزاب الماركسية انتصرت في النهاية، و حققت ضربة كبرى بالإنقلاب على الملكية، و نفى الملك ظاهر شاه من أفغانستان على يد ابن عمه السردار محمد داؤد خان، لتدخل أفغانستان بعدها في دوامة من الإنقلابات و إنعدام الاستقرار السياسي، حتى دخل بابراك كارمل كابول على متن دبابة سوفيتية، فانفجرت المقاومة في كل أنحاء أفغانستان.
درس مسعود في الليسه، أو ثانوية الإستقلال الفرنسية، و أتقن اللغة الفرنسية، ثم أصبح طالب هندسة في جامعة كابول ، بعدها صار أحد قادة المقاومة ضد الإحتلال السوفياتي، و لعب دورا كبيرا في إخراج السوفيات من أفغانستان. و تحصن في وادي بانشير ما أكسبه لقب أسد بانشير.
وفي أوائل التسعينات من القرن الماضي. أصبح وزيرا للدفاع، ثم نائباً للرئيس تحت رئاسة برهان الدين رباني.وبعد إنهيار حكومة رباني وصعود طالبان. أصبح مسعود القائد العسكري لتحالف الشمال، وهو إئتلاف من أطراف أفغانية عدة إشتركت في الحرب الأهلية الطويلة. ولما سيطرت طالبان على معظم المناطق الأفغانية ، إضطرت قوات مسعود للتقهقر وبشكل متزايد داخل المناطق الجبلية في الشمال. حيث سيطروا على حوالي 10% من مساحة البلاد وربما 30% من السكان.
يشار في الختام، إلى أن مسعود كان يتكلم الفارسية والفرنسية والعربية والروسية والإنجليزية والبشتونية والهندية ولغات محلية أخرى. متزوج من باجورال تاج الدين محمدي وله خمس بنات وولد واحد. يشار إليه أحيانا بألقاب مثل أسد بانشير، وفاتح كابول، وأمير صهيب (أمير صاحب).
التعليقات