لم تبد السلطات الفرنسية حماسا واضحا لاستراتيجية الرئيس الاميركي جورج بوش الجديدة في العراق مفضلة اعتماد الحذر في التعاطي مع هذه الاستراتيجية في انتظار ما ستؤول اليه الاوضاع ميدانيا في الايام المقبلة. واذا كانت الخارجية الفرنسية اعادت التأكيد على موقف باريس الثابت من الوضع العراقي وسبل معالجته وهو موقف يقوم على ضرورة اعتماد حل سياسي يحقق في الامد المنظور الاستقرار في البلاد من خلال تفعيل عملية المصالحة وإشراك كافة ممثلي شرائح المجتمع العراقي فيها فإن وزير الخارجية فيليب دوست بلازي كان أكثر وضوحا في تحديد الرؤية الفرنسية لحل المعضلة العراقية وإقفال الملف الامني من خلال دعوته الى اعتماد quot;مقاربة شاملةquot; وquot;استراتيجية سياسيةquot; لانهما وحدهما كفيلتان بإحلال الاستقرار في العراق.
فباريس ترى أن الهاجس الامني يلقي بظلاله على الوضع العام في البلاد وان الاستمرار في التركيز على اعتماد المعالجات الامنية من دون دمجها في خطة شاملة يكون الحل السياسي عمادها لن يعطي النتائج المرجوة لا بل انه سيدعم موقف الأفرقاء المحليين وبعض الاطراف الاقليميين من جيران العراق الذين يتخذون من الوجود العسكري الاميركي حجة لنشاطهم الهادف الى محاربة quot; الاحتلالquot;.
وفي هذا السياق جاء تحذير دوست بلازي من خطورة الوضع الامني قائلا ان الوضع يزداد يوميا خطورة بشكل كبير وان باريس تعتقد انه يجب الذهاب الى ابعد من اقتراحات بوش الاخيرة وترى ان السبيل الوحيد لكي يستعيد العراق استقراره وسيادته ووحدة اراضيه يمر عبر إشراك جميع شرائح المجتمع المدني والسياسي والديني في الحياة الاجتماعية العراقية.
ابعد من ذلك الوزير الفرنسي حدد نظرة بلاده الشمولية للأوضاع في المنطقة وارتباط الاستقرار فيها الى حد كبير بما يجري في العراق اذ قال ان المقاربة الشاملة لوضع استراتيجية سياسية شاملة تؤمن الاستقرار ليس للعراق فحسب بل و للمنطقة برمتها . يلتقي دوست بلازي في هذا الكلام الى حد بعيد مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي شعر بخيبة لان خطة بوش للعراق لم تشر الى استئناف عملية السلام بين الفلسطينيين واسرائيل وإلى سلام اقوى في الشرق الاوسط يتضمن فتح قنوات مع سوريا وايران.
واذا كانت فرنسا تتحفظ حتى الان على إعادة الحوار مع دمشق لاسباب تعود بشكل اساسي الى الملف اللبناني فان باريس لم تتوان في ترك باب الحوار مفتوحا مع طهران في حال استجابت لمطالب المجتمع الدولي بشأن ملفها النووي معولة على ارتباطاتها التاريخية والدينية مع بعض المجموعات الدينية العراقية لحملها على التخلي عن السلاح والدخول في العملية السياسية الداخلية في حين ترى باريس ان حل المشكلة الفلسطينية هي بداية انفراج كافة الازمات التي تعصف بالمنطقة نظرا إلى تداخلها وتشابكها ومن هنا تصر باريس على قيام واشنطن بدور فعال في حل النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني كمقدمة لايجاد حل دائم للنزاع العربي الاسرائيلي وفي هذا السياق ايضا ترى باريس ان الخطوة الاولى في هذا الاتجاه تتمثل بتفعيل عمل اللجنة الرباعية والعودة الى خارطة الطريق على ان تتوج هذه الخطوات بعقد مؤتمر دولي حول الشرق الاوسط وفقا لما جاء في المبادرة الفرنسية الاسبانية الايطالية الثلاثية بمباركة ألمانية من دون ان تخفي فرنسا امتعاضها من المعارضة ـ الاميركية الاسرائيلية لهذا المؤتمر.
التعليقات