الاستيطان لم يتوقف في مستوطنة جبل أبو غنيم
كيف تتحول جهود السلام في فلسطين إلى مقدمات لجولات دموية
الجرافات الإسرائيلية تواصل اقتلاع ما تبقى من أشجار أبو غنيم (عدسة إيلاف)
أسامة العيسة من القدس: يعيش المواطن الفلسطيني محمد زواهرة، اصعب أيام حياته، بعد أن تلقى إخطارا من السلطات الإسرائيلية بهدم منزله، الذي ياويه مع أولاده، خصوصا وان فصل الشتاء على الأبواب.
وهدم المنازل في المنطقة التي يقطن فيها زواهرة أمرا شائعا، في حين أن ما يجري في مستوطنة هار حوما اليهودية المقامة على جبل أبو غنيم، في المنطقة المقابلة مختلفا تماما.
وبينما يعاني زواهرة وجيرانه من سياسة هدم المنازل التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية، فان عمليات البناء في المستوطنة التي تثير جدلا الان بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم يتوقف أبدا.
وكان إعلان الحكومة الإسرائيلية عزمها بناء 307 وحدات سكنية في المستوطنة التي أقيمت عام 1997، بعد مؤتمر انابوليس، فجر خلافا بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، عصف بلقاءات التفاوض الأولية بينهما بعد المؤتمر الذي رعاه الرئيس الأميركي، وعقد وسط ضجة إعلامية كبيرة.
وتظهر صور، التقطتها عدسة إيلاف أن أعمال البناء في المستوطنة مستمرة، وان الحكومة الإسرائيلية تشيد وحدات سكنية وبنايات من عدة طوابق.
ومنذ تأسيس المستوطنة، عندما كان ايهود اولمرت رئيسا لبلدية القدس، الذي أثار ضجة إعلامية، في حينه، والحكومة الإسرائيلية، تواصل ليس فقط بناء الوحدات السكنية في المستوطنة، ولكن أيضا العمل على إنشاء بنى تحتية للمستوطنة التي تعتبرها إحدى أحياء مدينة القدس.
وتم فتح شوارع لربط المستوطنة الجديدة بالقدس الغربية، وتسيير خطوط مواصلات عليها، لعدم جعلها مستوطنة معزولة، وإحاطتها أيضا بشارع عسكري تفصلها عن التجمعات العربية الواقعة غربها، وأضافت إليه جدارا مسيجا.
وفي بداية العام 2006، أقدمت السلطات الإسرائيلية على إحراق الجزء الاكبر مما تبقى من غابة جبل أبو غنيم، وكان الهدف هو بناء أكبر تجمع طبي في الشرق الأوسط في الموقع بالإضافة إلى تجمع ترفيهي من برك سباحة وفنادق تجذب السياح للمنطقة.
وكان ذلك استكمالا، لما حدث منذ عام 1997، عندما اقتلعت الجرافات الإسرائيلية، الأشجار الحرجية في جبل أبو غنيم، تمهيدا لبناء المستوطنة.
وما حدث من حرق ما تبقى من الغابة كان غريبا، فبعد إحراق كمية من الأشجار، كانت السلطات الإسرائيلية ترسل الإطفائية لإطفاء الحرائق وكأنه حدث بفعل فاعل، وعلى مدار أيام كررت نفس الأمر، حتى لم يتبقى شيئا من غابة جبل أبو غنيم، سوى أشجار متفرقة بين بنايات المستوطنة الإسرائيلية، ولم يحتج حينها أي أحد من السلطة الفلسطينية.
ولم يكن الإجراء الإسرائيلي بالإجهاز على الغابة، يستهدف فقط الأرض الفلسطينية، ولكن أيضا دفعت الحيوانات البرية ثمنا باهظا، مثل الثعالب الحمراء التي كان المكان موئلا لها، وكذلك الغزلان والحجل الجبلي والأرانب البرية والنيص/الشيهم، واختفت الطيور الجارحة التي كانت الغابة موئلا لها مثل أنواع مختلفة من العقبان والصقور، وطيور اللقلق الأبيض والأسود والغربان، وغيرها.
ورغم أن المستوطنة تعود هذه الأيام إلى الإعلام من جديد، كموضوع ساخن، إلا انه لا يتوقع أن يشكل ذلك بداية لوضع حد لتوسعها الاستيطاني.
وتثير الضجة الإعلامية حول المستوطنة الكثير من المفارقات، وتطرح أسئلة حول المغزى الإسرائيلي من الإعلان الدراماتيكي عن بناء الوحدات السكنية الجديدة، رغم أن البناء أصلا متواصلا، وهل للإعلان الإسرائيلي له مقاصد إعلامية وسياسية؟
وفيما يتعلق بالجانب الفلسطيني تطرح أسئلة أخرى من نوع هل تحتاج السلطة الفلسطينية إلى إعلانات إسرائيلية مثيرة، حتى تتنبه إلى النشاط الاستيطاني الذي لم يتوقف منذ البدء بأحياء مستوطنة غوش عتصيون، بعد أيام من الاحتلال عام 1967.
وإذا كانت مثل هذه الأسئلة لا تطرح في الصحف ووسائل الإعلام الفلسطينية، التي اكتفت بنشر تصريحات التنديد بالإجراء الإسرائيلي الجديد، فان الامر كان مختلفا في الصحافة الإسرائيلية.
وقارن عقيبا الدار، المعلق في صحيفة هارتس، والخبير في شؤون الاستيطان، بين ما اسماها أزمة هار حوما1، التي جرت عام 1997، وأزمة هار حوما2 التي بدأت فصولها الان.
وذكر الدار، بان ما يسميها أزمة هار حوما1 بدأت، بعد وقت قصير من محاولة أميركية لإحياء العملية السلمية، عندما قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في شهر شباط (فبراير) 1997، بناء 6500 وحدة سكنية على جبل أبو غنيم المحتل عام 1967.وكان ذلك قبل زيارة لياسر عرفات إلى البيت الأبيض في شهر آذار (مارس) 1997، وتحول القرار الإسرائيلي الجديد ببناء المستوطنة في مركز محادثات عرفات والرئيس الأميركي كلينتون.
وفي حين طلب كلينتون من عرفات تفهم ما اسماها الضغوط الداخلية على كلينتون، قدم عرفات طلبا متواضعا، وهو أن يضغط كلينتون على نتنياهو على الأقل لتأجيل إقامة المستوطنة واستجاب الرئيس الأميركي لطلب عرفات، وارسل مبعوثه دينيس روس إلى نتنياهو وبحوزته رسالة تطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي تأجيل البدء بعمليات البناء.
ولم يستجب نتنياهو لطلب كلينتون، وتدخلت وزيرة خارجية الأخير مادلين اولبرايت، وبعثت لنتنياهو محذرة بان إقامة المستوطنة تعطل ما تفعله الإدارة الأميركية من اجل السلام.والغريب انه رغم هذا الموقف الأميركي، الذي يذكر بموقف وزيرة الخارجية كوندليزا رايس بشان الأزمة الحالية، فان أميركا استخدمت الفيتو لعدم طرح موضع المستوطنة في مجلس الأمن آنذاك.وبنيت المستوطنة، واستمر الاستيطان اليهودي في كل مكان في الضفة الغربية، وهو ما شكل أحد العوامل التي أدت إلى انتفاضة الأقصى، الأكثر دموية في التاريخ الفلسطيني المعاصر.
وما يحدث الان، لا يختلف كثيرا عن ما جرى في الامس، فحكومة اولمرت، تدشن دخولها في جولة جديدة لمحاولة إنعاش عملية السلام، بإعلانها بناء الوحدات الاستيطانية الجديدة، بينما رايس تعتبر ان ذلك لا يساهم في بناء ثقة مشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وامين عام المنظمة الدولية ينتقد القرار الإسرائيلي ويعتبره quot;غير مفيدquot;، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يجد نفسه في الزاوية مثلما حدث لسلفه عرفات، وبوش يظهر وكأنه غير قادر على أبطال القرار الإسرائيلي مثلما فشل سلفه كلينتون.والشعب الفلسطيني لا ينقصه مثل القرار الإسرائيلي الجديد، ليزداد يأسا من أي حديث عن السلام، حتى اصبح الحديث عن اية عملية سلام يعني بالنسبة له جولة دموية جديدة.