3 أشهر على إعتصام المعارضة ولا حل في الأفق
حديث وحيد في بيروت: ماذا عن العصيان؟

تغريم صحيفة المستقبل بتهمة القدح والذم بحق الرئيس اللبناني

جعجع يؤيد تزامن الإتفاق على المحكمة الدولية

لحود يدعو الى عدم اضاعة الفرص المتاحة للخروج من الازمة

إيلي الحاج من بيروت: لا حديث في السياسة اليوم في لبنان إلا عن العصيان المدني : تعلنه المعارضة... لا تعلنه؟ وما الفرق بين العصيان المدني والحالة التي يشكلها quot;حزب اللهquot; في بيئته على الدوام وفي كل الأحوال بذرائع شتى؟ التلويح بالعصيان صدر أول ما صدر عن رئيس مجلس النواب وحركة quot;أملquot; نبيه بري، والأرجح بصفته الحركية فأثار ردود فعل عنيفة من quot;قوى ثورة الأرزquot; في تحذيرها للمعارضة من هذه الخطوة المدمرة للدولة والمضرة لمصالح اللبنانيين جميعا، والذي لن يوصل إلى إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي تتمتع بدعم قوي داخلياً من الغالبية البرلمانية وخارجياً من دول العرب والغرب، باستتثناء القيادة السورية المتهمة دوماً بالسعي إلى التخلص من المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري عبر استخدام حلفائها وحلفاء حليفتها إيران في إيران.

لكن نواباً قريبين من الرئيس بري استغربوا quot;التفسير الخاطئquot; الذي أعطي لموقف الرجل ، اذ اعتبرته قوى الغالبية بمثابة تهديد في حين أنه في الواقع quot;تحذيرquot;، كذلك تصرفت على أساس ان بري يدعم فكرة العصيان ويشجع ويحرض على تطبيقها فيما هو في الواقع يحذر منها ويدعو الى تفاديها. واستغرب النواب هؤلاء استخفاف قوىالغالبية بتحذيرات بري من الوصول الى العصيان المدني ، وذكرت بأنه سبق ان حذر في تشرين الثاني /نوفمبرالماضي من نزول المعارضة الى الشارع، وحذر في كانون الأول /ديسمبر الماضي من الفتنة المذهبية ولم تؤخذ تحذيراته على محمل الجد، وهو الآن يحذر من الوصول الى العصيان المدني.

في المقابل يقول ل quot;إيلافquot; قيادي في قوى ١٤ آذار/ مارس تربطه علاقة يصفها بأنها quot;جيدة إجمالاًquot; برئيس الحركة الشيعية ومجلس النواب ان تهديدات بري كانت ستأخذ أبعادا أخرى لو بقي الرجل على مسافة واحدة من الجميع، لكن وقوفه بجانب quot;حزب اللهquot; ظالماً أم مظلوماً أفقده الكثير من عناصر القوة التي ميّزته طوال الفترة التي رافقت انعقاد جلسات الحوار وبعد ذلك في جلسات التشاور الوطني . ويضيف أن quot;سياسة التهويل التي يعتمدها بري لا تخيف أحدا في هذه المرحلة التي انكشف فيها كثير من أوجه الأزمة وارتباطها بالخارجquot;.

وفي حين أكدت اوساط معارضة ان اللجوء الى العصيان المدني احتمال قائم، تحدثت مصادر أخرى عن تريث في اتخاذ هذا القرار في انتظار الجواب السوري في موضوع المحكمة الدولية والذي يفترض ان تبلغه ايران الى المملكة العربية السعودية. وقالت مصادر في quot;التيار الوطني الحرquot; الذي يترأسه حليف quot;حزب اللهquot; الجنرال ميشال عون ان quot;فكرة العصيان لم تطرح بعد في اجتماعات المعارضة التنسيقية لنتخذ قراراً في شأنها، ولكن اذا طُرحت فسنؤيدهاquot;.

تعريفان للعصيان
ويرى القيادي في quot;قوى ١٤ آذار/مارسquot; ان العصيان المدني هو خطوة تحمل خروجا عن القانون واسقاطاً لمفهوم الوطن والكيان اللبناني، لأن الالتزام بالدولة هو التزام توافقي، فلا تستطيع في حالة كهذه ان تلاحق كل العاصين عن تطبيق مهماتهم ومسؤولياتهم، لا سيما اذا ما توسعت حالة التجاوب لتشمل فئات قد تنضم الى العاصين، وهو أمر سيؤدي في حال العصيان عن دفع الفواتير والضرائب إلى ادخال البلاد في حالة افلاس، وعدم التمكن من تأمين الرواتب للقطاعين المدني والعسكري. ويضع دعوة المعارضة للعصيان المدني في خانة تعطيل نتائج مؤتمر باريس- ٣ الذي جاء بدعم اقتصادي ومالي للبنان على أساس البرنامج الإصلاحي الكامل الذي أعده.
وفي الواقع مرت ثلاثة أشهر تقريبا على نزول المعارضة الى الشارع واستقرار أنصارها في خيم وسط بيروت وقبالة مقر رئاسة الحكومة في السرايا. ولا مؤشرات حتى اليوم الى ان هذا الاعتصام سيرفع في وقت قريب، لا بل هو مرشح لأن يتواصل لأسابيع وربما لأشهر تعذر التوصل إلى حل سياسي للأزمة المتشابكة.

الوقت لمصلحة من ؟
وكان الرئيس بري قال صراحة في أحد لقاءاته مع أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى والموفد الرئاسي السوداني مصطفى عثمان اسماعيل نهاية العام الماضي، ان quot;الاعتصام في وسط بيروت متواصل واذا أتيتم بعد عام في مثل هذا الوقت ستجدون المعتصمين في أماكنهمquot;. في الواقع كان بري يرد بهذه الاشارة على رهان البعض على عامل الوقت وعلى تعب المعتصمين ومللهم وتراجع المعارضة عن مطالبها وشروطها بعد تأكدها ان هذه المطالب غير قابلة للتحقيق وان عليها انتظار المواعيد الدستورية للتغيير الحكومي والرئاسي والنيابي . ولاحقا أكدت مراراً قوى المعارضة ولا سيما عمودها الفقري وأساسها quot;حزب اللهquot;، ردا على دعوة الغالبية المتكررة للعودة الى طاولة الحوار، أنها لن تنسحب من الشارع الا بعد تحقيق أهدافها بالتراتبية التي وضعتها ، وهي : حكومة وحدة وطنية بما فيها quot;الثلث الضامن أو المعطلquot;، وانتخابات نيابية مبكرة. ولا تزال هذه المعارضة متشددة في مطلبها الأول بينما أصبحت متساهلة ومتراخية في المطلب الثاني لاستحالة تنفيذه قبل انتهاء ولاية حليفها الآخر وسورية رئيس الجمهورية إميل لحود .

اللجوء الى الشارع كان ورقة المعارضة، والانسحاب من الشارع هو ورقة الغالبية ، واذا كانت المعارضة توّخت الحذر والتريث في استخدام اضافي لورقة الشارع بعدما أتت بنتائج غير محسوبة وأحيانا عكسية، فإن هذا الحذر لا يعكس استعدادا للخروج من الشارع ولفك الاعتصام لأن خطوة كهذه من دون مقابل سياسي ستكون بمثابة اقرار بخسارة المعركة السياسية وضياع فرصة الحصول على مكاسب وأوضاع أفضل في الحكم، لأن ما كان متعذرا الحصول عليه تحت ضغط الشارع لن يكون متيسرا على طاولة الحوار.

خطأ تقدير ومكابرة
ولا شك ان المعارضة وقعت في خطأ التقدير عندما نزلت الى الشارع، وكانت تتوقع ان نزولا صاعقا وكبيرا سيكون كفيلا في خلال أيام إسقاط حكومة الغالبية، ولم تكن تتوقع صمودها وثباتها بقوة الدعم الداخلي والعربي والدولي وبفعل رد فعل الشوارع السنية والمسيحية والدرزية وجنوح الأزمة الى فتنة مذهبية بين المسلمين ومسيحية - مسيحية، ولكن إقرار المعارضة الضمني بهذا الخطأ في التقدير لا يعني انها مستعدة لتصحيح الخطأ بالخروج من الشارع ووقف معركة اسقاط او تغيير الحكومة. إن ملازمة المعارضة للشارع يراه الرئيس فؤاد السنيورة quot;مكابرةquot;، فيما يدرجه آخرون في سياق مأزق او ورطة أوقعت المعارضة نفسها فيها. وهناك في قوى الأكثرية من يضعه في خانة سياسة كسب الوقت من جهة المعارضة ومن خلفية تطورات ومتغيّرات اقليمية ودولية، ذلك ان quot;حزب اللهquot;، رأس المعارضة وعمودها الفقري، يراهن على فشل المشروع الاميركي في المنطقة بدءا من العراق، وعلى انحسار الضغوط الدولية على ايران وسوريا بعدما أصبح الرئيس جورج بوش مقيّدا بغالبية ديمقراطية وضغوط الرأي العام الاميركي، وفي وقت يتأهب الرئيس الفرنسي جاك شيراك لمغادرة قصر الاليزيه، وشارفت حقبة طوني بلير على الانتهاء. وترد المعارضة الاتهام بالمثل، وتقول ان قوى الغالبية هي التي تمارس سياسة كسب الوقت في انتظار التطورات الآتية :

- انطلاق الدورة العادية لمجلس النواب الشهر المقبل لاستئناف الضغوط على رئيس المجلس في اتجاه انعقاد المجلس وإقرار المحكمة الدولية.
- انعقاد القمة العربية نهاية شهر آذار/ مارس المقبل، إذ تتوقع الغالبية ان ينعكس أي تقارب سعودي- سوري ايجابا لمصلحتها وفي اتجاه تمرير المحكمة وحمل المعارضة على التراجع.
- الاستحقاق الرئاسي الذي تتحينه الغالبية باعتباره استحقاقاً مفصلياً، وترى وجوب الصمود والثبات حتى يحين موعده، فإما أن ينتخب رئيس جديد خلفاً للحود وتكون لها الكلمة الفصل في إيصالهمن صفوفها أو قريب منها، أو لا تجري انتخابات ويتسلم مجلس الوزراء برئاسة الرئيس السنيورة السلطة التنفيذية كاملة وتنتقل اليه صلاحيات رئيس الجمهورية.

واذا كان الجدل قائما حول عامل الوقت ولمصلحة أي من الطرفين يلعب في معركة quot;عض الأصابعquot;، فالواضح ان الوقت لا يلعب لمصلحة لبنان، دولة وشعبا، في وضع غير طبيعي تختلط فيه الفوضى السياسية الدستورية مع المخاوف والهواجس الأمنية والضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وهو بالتأكيد وضع استنقاع واستنزاف لا يمكن ان يستمر طويلا من دون حل أو انفجار.