اندريه مهاوج من باريس: مع اعلان الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن نيته عدم الترشح لولاية رئاسية ثالثة ظهرت سلسلة اسئلة تتعلق بعمل المؤسسات الحكومية خصوصا في مجال السياسة الخارجية التي جعلها دستور الجمهورية الخامس، او على الاقل الممارسة ، من صلاحيات رئيس الجمهورية الذي دأب على تحديد خطوطها العريضة تاركا لوزير الخارجية مهمة التنفيذ .

وقبل اقل من شهرين من انتهاء الولاية الرئاسية قد يخال للبعض ان حالا من الاسترخاء ستسود العمل الدبلوماسي الفرنسي وقد تظهر تداعيات هذا الاسترخاء اكثر ما ستظهر على ملفات اولاها الرئيس شيراك اهتماما رئيسيا وجعل منها ركائز في تعاطيه السياسي مع بعض الجهات كما هو الحال بالنسبة الى الملف العراقي الذي ارتكز التعاطي بشانه على مبدأ معارضة الحرب وكما هو الحال ايضا بالنسبة الى الملف اللبناني الذي حصر شيراك اسس التعامل معه بمبدا كشف ملابسات اغتيال رفيق الحريري ثم تنفيذ القرارات الدولية انطلاقا من 1559 وما تبع ذلك من قطيعة مع رئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود وquot;حصار سياسيquot; لسوريا ووقف أي اتصال بها .

واذا كان البعض يتذكر جيدا ان فرنسا اكدت في اب اغسطس الماضي ان زيارة المنسق الاعلى للسياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا الى سوريا ليست مطروحة وغير مرحب بها فان السؤال الان هو لماذا ما لم يكن مقبولا في الصيف الماضي يحظى بدعم من دون تحفظ الان ؟ الناطق باسم الخارجية الفرنسية يقول ان لا علاقة للامر بقرب انتهاء ولاية الرئيس او ببوادر تغيير النهج مع اقتراب تغيير العهد بل هو دليل التعامل مع المتغيرات بواقعية وحيادية .

والتحفظات التي ابدتها فرنسا في أب اغسطس الماضي كانت ناجمة عن قيام وزراء اوروبيين بزيارات منفردة الى دمشق واجراء مباحثات مع المسؤولين السوريين حول قضايا تتطلب عملا جماعيا منسقا داخل الاتحاد وليس على صعيد كل دولة بمفردها واعتبر الناطق الفرنسي ان سولانا يقوم هذه المرة بزيارته بتكليف من مجلس الشؤون العامة والعلاقات الخارجية وبعد اجتماعات المجلس الاوروبي وان زيارته لدمشق تتم في اطار جولة على بعض دول المنطقة ومعه خارطة طريق اوروبية تم وضعها مسبقا بالاتفاق بين الدول الاعضاء مما يخرج أي اتصالات عن الطابع الفردي المشتت وغير المحدد الاهداف جماعيا . هذا من الناحية الاوروبية اما من الجانب السوري فان الزيارة تشكل مناسبة لسولانا لكي يذكر المسؤولين في دمشق بتصميم الاوروبيين على دعم سيادة لبنان ووحدة اراضيه وسلامتها وفقا لما قاله الناطق الفرنسي مضيفا ان سولانا سيؤكد ايضا امام المسؤولين السوريين على ضرورة احترام جميع القرارات الدولية ومنها بشكل خاص تلك التي تنص على انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي .

والواضح مما تقدم ان باريس التي كانت الى حد ما قادرة على لجم أي مبادرة اوروبية تجاه سوريا او حلفاءها لا تقوم على مبدأ معاقبة الذين اغتالوا الصديق الشخصي لشيراك وتعاقب الى حد ما سوريا التي تراها باريس بطريقة او باخرى مسؤولة عن الماسي التي اصابت اللبنايين وارادت اللاحاق بالتطورات التي تشهدها الجبهة السورية الاميركية فقبلت بارسال سولانا في رحلة استكشاف لعودة الاتصالات بين دمشق وواشنطن من خلال زيارة مساعدة وزيرة الخارجية ايلين سوربري من دون ان يكون معه أي سولانا تفويض بعمل ما يستوجب لانهاء القطيعة الكاملة بين اوروبا و دمشق . وفي ضؤ ذلك سيتخذ الاتحاد الاوروبي القرار من مسالة اعادة الحوار الكامل مع سوريا .

وقد يكون كل هذا السيناريو دليل عزم من شيراك على الامساك بزمام الامور حتى نهاية عهده لكي يشرف قبل مغادرته الاليزيه على النهج الذي سيعتمده الاتحاد الاوروبي مستقبلا مع سوريا وليس كما يتصور البعض دليل بداية انحسار لدور الدبلوماسية الفرنسية وتاثيرها.