أحمد ولد إسلم من نواكشوط: ببراءة طفل في السادسة من عمره كان سيد المختار يجول بعينينه في جموع الصحافيين، يشد يديه بحزم على مجسم لآخر طائرة تملكها الخطوط الجوية الموريتانية، بدا غير مستوعب لما يدور حوله، وحين اقتربنا منه، حدثنا على استحياء عن مشاعر مختلطة بلغة سلهة ومعقدة، فهو لا يعرف ما يريد هنا، وكل ما يدركه هو أن أباه كان يعمل طيارا في شركة الخطوط الجوية الموريتانية، ومنذ فترة لم يعد يذهب إلى العمل.

لا يعرف سيد المختار المدة التي قضاها أبوه دون عمل، لكنه يعرف أنه في السنة الماضية كان يدرس فيquot;le petit centrequot; وهي مدرسة فرنسية تشرف عليها السفارة الفرنسية في نواكشوط، ويدرس فيها عادة أطفال الطبقة الغنية في موريتانيا نظرا لتكاليفها الباهظة، لكنه هذه السنة لم يذهب إليها، رغم مرور أسابيع على افتتاح المركز، وهو لا يعرف السر وراء ذلك.

سيد المختار لم يكن وحده فهناك العديد من أترابه ومن يكبرهم بقليل من أطفال عمال وموظفي شركة الخطوط الموريتانية، جاؤوا يوم الأحد2008-10-12 إلى مباني ما كان ذات يوم مقرا لهم، ونظموا وقفة احتجاجية طالبوا فيها رئيس المجلس الأعلى للدولة الجنرال محمد ولد عبد العزيز بالتدخل العاجل لوقف معاناة الأطفال والنساء، الذين يعيشون شهرهم الثامن دون رواتبquot;

فكرة استجلاب الأطفال إلى مقر الشركة المعروضة للتصفية كانت آخر الأفكار التي لجأ إليها نحو 400 من عمال الشركة، بعدما استنفدوا كل وسائل الاجتجاج على قرار اتخذته السلطات الموريتانية في عهد الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله يقضي بتصفية الشركة، وتعويض عمالها وفق ما يقرره مأمور التصفية، وهو القرار الذي كان بداية لعشرات التظاهرات الاحتجاجية تراوحت بين الاعتصامات والبيانات والمؤتمرات الصحافية.

فاطمة بنت الكيحل سيدة في الأربعين زوجة الطيار محمد الأمين ولد الطيب، بدت متذمرة وهي تشرح لإيلاف كيف أن قرار التصفية أرغم زوجها على مغادرة موريتانيا بحثا عن عمل بديل، تاركا لها الأسرة وتبعاتها، وهو ما طالبت المجلس العسكري الحاكم بوضع حد له إن كان حقا يهدف إلى الإصلاح مؤكدة دعمها له في ذلك، ودعم أسر عمال وموظفي الشركة.

جذور الأزمة..

شركة الخطوط الجوية الموريتانية إحدى أهم الشركات ذات البعد السيادي في موريتانيا، تأسست مع إعلان استقلال الدولة عام 1960، بملكية عمومية، ومع بداية الانفتاح الاقتصادي في التسعينات أعلنت الحكومة الموريتانية في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع فتح رأس مال الشركة، لتصبح ملكيتها مختلطة بين الخطوط الجوية الإفريقية وبعض رجال الأعمال الموريتانيين، وبقي للدولة الموريتانية نصيبا لا يتجاوز الأربعين في المائة، ومع مرور السنوات تناقصت تلك النسبة.

وتفجرت الأزمة المالية للشركة بشكل مباشر مطلع سبتمر 2007 حين احتجزت الطائرات الثلاث التي تملكها الشركة في مطار فرنسي ،بينها الطائرة الرئاسية التي أهدتها دولة قطر للرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع، وهي من طراز بوينغ (200-727 ) وذلك بسبب عدم تسديد الديون لصالح شركة أميركية بمبلغ 700 مليون أوقية موريتانية؛ أي ما يقابل 2.5 مليون دولار فقط.

وأقر وزير النقل الموريتاني حينها أحمد ولد محمدن، بأن شركة الخطوط الجوية الموريتانية تعرف حالة إفلاس كامل بسبب ما وصفه بتراكم الخسائر وسوء التسيير خلال العقدين الماضيين وأن أزمة هذه الشركة قد تفاقمت بشكل لا يمكن تداركه.

وشدد على أن الخطوط الجوية الموريتانية شركة ذات أسهم مختلطة وليست عمومية مشيرا إلى أن سبب إفلاسها يعود لانهيار شركة الخطوط الجوية الإفريقية التي كانت المساهم الرئيسي فيها إبان خصخصتها سنة 2000.

وقرر مجلس إدارة الشركة بداية أكتوبر 2007 إحالة موظفي الشركة الـ400 على البطالة الفنية، في انتظار صرف تعويضات لهم،على أن يحدد مأمور تصفية الشركة قيمة التعويضات التي سيتم دفعها لهؤلاء الموظفين، واختير لهذه المهمة السيد محمد ولد عبدي ولد حرمة بعد أيام من إقالته من منصب المفتش العام للدولة.

ولا يزال فريق التصفية يقوم بعمله دون الإعلان النهائي عن نتيجة، وهو ما يضاعف هموم العمال الذين تتضاءل آمالهم في التعويض المجزي كلما تقدمت الأيام.