المعلم: ننتظر من واشنطن توضيحات مقنعة
دمشق تغلق مؤسسات أميركية وتؤجل اجتماعاً مع العراقيين
بهية مارديني مندمشق، وكالات: قررت الحكومة السورية إغلاق المركز الثقافي الأميركي والمدرسة الأميركية في دمشق ردا على الغارة الأميركية على منطقة البوكمال السورية على الحدود مع العراق. كما قررت دمشق عدم حضور اجتماع اللجنة العليا السورية العراقية المشتركة الذي كان مقررا عقده في بغداد في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. ووجهت دمشق رسالة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن تستنكر فيها الهجوم الأميركي. وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم إن من حق كل دولة الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان. واعتبر المعلم أن الغارة الأميركية على منطقة البوكمال quot; عدوان إرهابي وعمل إجرامي لا مبرر له quot;. واستنكر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها اليوم برئاسة رئيس المجلس محمد ناجي عطري القصف الأميركي ورأى أنها تمثل quot;ذروة ارهاب الدولة الذي تمارسه الادارة الأميركية منتهكة بذلك ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي والشرعية الدولية quot;.
وعبر المجلس عن استنكاره واستغرابه الشديدين لما صدر على لسان المتحدث باسم الحكومة العراقية وتبريره غير المقبول وغير المسؤول لهذا العدوان الغادر الذي انطلق من الاراضي العراقية ضد بلد عربي مجاور وشقيق. وقرر مجلس الوزراء إغلاق كل من المدرسة والمركز الثقافي الأميركيين في دمشق وطلب من وزيري التربية والثقافة اتخاذ الاجراءات اللازمة للتنفيذ بالتنسيق مع الجهات المعنية. كما قرر المجلس تأجيل موعد اجتماع اللجنة العليا السورية العراقية المزمع انعقاده في بغداد يومي 12 و 13 من نوفمبر المقبل.
وقال المعلم إن بلده ينتظر quot;توضيحا رسميا بنتائج التحقيقquot; من الحكومتين الأميركية والعراقية، وquot;ليس تبريرات، وذلك قبل أن تتخذ السلطات السورية إجراءات أخرى مناسبة، إذا لم تكن تلك التوضيحات مقنعةquot;. واستبعد المعلم الحل العسكري، قائلا إن سورية ليست بلدا مغامرا على غرار جورجيا، مشيرا إلى وجود quot;خيارات للرد تعلم الولايات المتحدة أنها ستكون مؤلمةquot;. وفي معرض الرد على سؤال بخصوص التعليل الأميركي لضربة عسكرية من هذا القبيل، قال وليد المعلم إن الحدود السورية المشتركة مع العراق تمتد على طول 630 كيلومترا، كما أن سورية توجد بين بلدين يشهدان quot;انتشار الحركات السلفية والقاعدةquot;. كما قال لا وجود لبلد في العالم يحكم ضبط حدوده، كما أن quot; ضبط الحدود يحتاج إلى طرفين.quot; وقال أيضا إن السوريين عرضوا على الأميركيين تعاونا أمنيا ثلاثيا أميركيا عراقيا سوريا، لكن واشنطن انسحبت quot;حرصا على علاقاتها مع إسرائيلquot;.
تشييع القتلى |
واكدت دمشق في رسالتها لبان كي مون ومجلس الامن ان العمل العدواني غير المبرر يأتي في الوقت الذي اعترف فيه الجانبان الاميركي والعراقي بالجهود الكبيرة التي بذلتها سورية للحفاظ على أمن العراق ومنع أي تسلل غير مشروع الى أراضيه. وقالت ان هذا العمل العدواني الذي قامت به القوات الاميركية في العراق ضد المدنيين السوريين الابرياء داخل الاراضي السورية يشير الى اصرار هذه الادارة الاميركية على المضي قدما في سياساتها التي لم تجلب الى المنطقة سوى القتل والدمار ولم تسهم الا في تصعيد التوتر ونشر حالة من عدم الاستقرار والفوضى في المنطقة.
من آثار الغارة الأميركية كما عرضها التلفزيون السوري |
وقالت ان الحكومة السورية اذ تلفت الانتباه الى هذا العمل العدواني السافر فانها تتوقع من مجلس الامن ومن الدول الاعضاء في الامم المتحدة تحمل مسؤولياتهم لمنع تكرار هذا الانتهاك الخطر وتحميل المعتدي مسؤولية قتل المواطنين السوريين الابرياء حفاظا على الامن والاستقرار في الشرق الاوسط. وجاء في رسالة دمشق لبان كي مون ومجلس الامن انه quot;في الساعة الرابعة وخمس وأربعين دقيقة من بعد ظهر الأحد26 تشرين الأول 2008 قامت أربع طائرات مروحية أميركية قادمة من العراق بخرق الأجواء السورية بعمق ثمانية كيلومترات في منطقة البوكمال مزرعة السكرية واستهدفت مبنى مدنياً وأطلقت النار على العمال داخل المبنى ما أدى إلى فقدان ثمانية مواطنين سوريين لأرواحهم وهم المواطن داود محمد العبد الله وأولاده الأربعة والمواطن أحمد خليفة والمواطن علي عباس الحسن وزوجته وجرح مواطن اخر وعادت الحوامات الأميركية بعدها إلى داخل الاجواء العراقيةquot;.
خبير إسرائيلي: الغارة على البوكمال تمت بعلم وتعاون استخباراتي سوري بضغط أميركي
من جانبه قال الخبير الاستخباراتي الإسرائيلي رونين بيرغمان مؤلف كتاب quot;الحرب السرية مع إيرانquot;، إن الاستخبارات السورية كانت على علم مسبق بالغارة الأميركية وأنها تعاونت مع الأميركيين في تنفيذها. وذكرت شبكة تلفزيون سكاي البريطانية أن بيرغمان، الذي يعمل محللا أمنيا واستخباراتيا في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، استند في مزاعمه إلى تصريحات لاثنين من كبار المسؤولين الأميركيين، أحدهما كان موظفا رفيع المستوى في وزارة الدفاع الأميركية.
ونقلت شبكة سكاي عن بيرغمان قوله إن الغارة وقعت بعد الضغط المكثف الذي مارسته الولايات المتحدة على سوريا لوضع حد للنشاطات التي يقوم بها تنظيم القاعدة عبر الحدود السورية-العراقية.وأضاف بيرغمان أن السوريين لم يكونوا مستعدين لمواجهة المسلحين المرتبطين بالقاعدة كي لا يظهروا أمام الرأي العام وكأنهم انحنوا للضغوط الأميركية، وفي نهاية الأمر قرروا إعطاء الضوء الأخضر للأميركيين للقيام بالمهمة بأنفسهم.
ونقلت شبكة سكاي عن بيرغمان قوله إن الحكومة السورية أبلغت الأميركيين أنها ستمنحهم ممرا لضرب المسلحين ولن تؤذي قواتهم. وزعم الخبير الإسرائيلي أن الاستخبارات السورية كانت تتعاون بصورة سرية مع نظيرتها الأميركية خلال حربها مع تنظيم القاعدة. وأشار إلى أن الغارة الأميركية quot;الغامضةquot; على البوكمال أثارت عدة أسئلة يصعب الإجابة عليها، وعلى وجه الخصوص لماذا لم تظهر القوات السورية أي مقاومة للطائرات الأميركية؟
وتابع بيرغمان أن الغريب في الأمر أن صور الفيديو التي التقطت للغارة الأميركية لم تظهر أي رد من قبل الدفاع الجوي أو الأرضي السوري ضد المروحيات الأميركية التي شاركت في الهجوم، علما بأن سوريا ينتابها ارتياب من الطائرات المروحية التي تستخدمها إسرائيل عادة لغايات تجسسية وقد أنفقت الكثير من المال لتطوير دفاعها الجوي خاصة ضد المروحيات.
وللصحف الأميركية رأي آخر في الغارة
على صعيد آخر، وصفت صحيفة واشنطن بوست الغارة الجوية بأنها تحذير لسوريا. وقالت الصحيفة في عددها الصادر الثلاثاء، إن المسؤولين الأميركيين كانوا قد اشتكوا منذ فترة طويلة من أن الحكومة السورية تسمح للمقاتلين العرب بعبور الحدود السورية لدخول العراق، ولكن منذ العام الماضي أثنى كبار القادة العسكريين الأميركيين على الجهود السورية المبذولة للحد من تسلل المقاتلين.
وأشارت الصحيفة إلى أن المسؤولين الأميركيين كانوا قد قدروا في الأشهر الأخيرة أن يكون عدد قليل من المقاتلين بنحو 20 مقاتلا في الشهر يعبرون الحدود إلى العراق، ما يشكل انخفاضا إلى أكثر من 100 مقاتل كانوا يعبرون الحدود خلال شهر واحد في عام 2006.
إلا أن الصحيفة أضافت أن المسؤولين الأميركيين قالوا إن غارة الأحد التي يبدو أنها تشكل أول اعتراف بقوات برية أميركية تعمل في سوريا، كانت تهدف إلى إرسال تحذير للحكومة السورية. ونقلت عن مسؤول كبير رفض الكشف عن هويته قوله إن الهدف منها هو وقف التهديد الشامل مؤكدا أنه لم يكن هناك من خيار آخر.
يذكر أن أربع مروحيات كانت تحمل القوات الأميركية شنت الغارة على منطقة معزولة من السكان والمباني بحثا عن أحد المسلحين العراقيين الذي كانت وزارة الخزانة الأميركية قد وصفته في فبراير/ شباط الماضي بأنه المسؤول الأساسي عن تسهيل نقل الأسلحة والأموال والمقاتلين إلى العراق. وذكر مسؤولون من وزارة الخزانة اسمه الكامل بدران تركي هشان المزيدي وكنيته أبو غادية، وقالوا إن أبا مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق كان قد عينه قائدا لعمليات تنظيم القاعدة في سوريا في عام 2004.
وذكر مسؤولون ومحللون للصحيفة، أن هذه الشبكة التي كان يديرها أبو غادية كانت تعمل على تهريب المئات من المقاتلين الأجانب إلى العراق، بما في ذلك العديد من الذين أصبحوا انتحاريين. كما أشار مسؤول كبير إلى أن أبو غادية كان يدير إحدى أكبر شبكات المقاتلين الأجانب خارج سوريا والأكثر فعالية، وكان مسؤولا مباشرة عن مئات من المقاتلين الأجانب الذين قتلوا الآلاف من العراقيين.
نيويورك تايمز: توقيت العملية
ومن ناحيتها، وصفت صحيفة نيويورك تايمز اليوم التوقيت بأنه كان مفاجئا على الأقل لأن المسؤولين الأميركيين كانوا قد أشادوا في الأشهر الأخيرة بجهود سوريا لوقف حركة العبور عبر الحدود. ولكن في تبرير الهجوم ذكر المسؤولون الأميركيون أن إدارة بوش مصممة على العمل في ظل توسيع تعريفها للدفاع عن النفس الذي يوفر الأساس المنطقي لعمليات على أهداف للمسلحين في دول ذات سيادة من دون أخذ موافقة هذه الدول، وفق ما تابعت الصحيفة.
وأوضحت أنه أسوة بالغارة التي شنتها قوات كوماندوس أميركية على باكستان قبل أكثر من سبعة أسابيع، يبدو أن عملية يوم الأحد على سوريا تعكس تكثيفا لجهود إدارة الرئيس بوش لإيجاد طريقة خلال الأشهر الأخيرة من ولايتها لهجوم على المسلحين حتى خارج حدود العراق وأفغانستان، حيث إن الولايات المتحدة هي هناك في حالة حرب.
فرنسا: الغارة الأميركية على سورية قتلت أطفالا ولا يمكن وصفها بالناجحة
من جانبها قالت باريس اليوم إنه لا يمكن وصف غارة تقتل مدنيين وأطفال بـquot;الناجحةquot; منتقدة بذلك ما صرح به مسؤول أميركي حول الغارة. وكرر المتحدث باسم الخارجية الفرنسية اريك شوفالييه في رده على سؤال لوكالة (آكي) الإيطالية موقف بلاده إزاء هذه الغارة، وقال quot;لقد أعربنا عن انشغالنا الكبير وأسفنا لمقتل مدنيين ومن بينهم أطفال ونتمنى كشف ملابسات ما حصلquot;، وأوضح أن بلاده تذكر بضرورة احترام سلامة أراضي الدول بما فيها سورية، مشيرا إلى البيان الذي صدر عن قصر الإليزيه مساء أمس وتضمن هذا الموقف.
وأوضح المتحدث الفرنسي أنه quot;لم ير موقفا أميركيا رسمياquot; حول هذه الغارة، وقال quot;أطلعت على تصريحات تقول إن هذه العملية كانت ناجحة، ومن وجهة نظرنا لا يمكن لأي عملية تقتل مدنيين وأطفالا أن تكون ناجحة فهذا الأمر واضح بالنسبة لناquot;، وفق تعبيره في مؤتمر صحافي، مشيرا إلى ما نقل عن مسؤول أميركي لم يكشف عن هويته، وقال إن العملية تمثل نجاحا في ملاحقة المقاتلين الأجانب.
التعليقات