واشنطن: قبل اقل من 24 ساعة على توجه الناخبين الأميركيين الى صناديق الاقتراع لصناعة التاريخ سواء بالتصويت لاختيار اول رئيس اسود في تاريخ أميركا او اكبر رئيس للبلاد على الاطلاق سادت حالة من الترقب في صفوف الجميع وسيطر التفاؤل الحذر على انصار اوباما فيما راهن مؤيدو ماكين على المفاجآت. وبينما يبدو الاقتصاد الأميركي في اسوأ حالاته منذ الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي وخوض البلاد لحربين في العراق وافغانستان يفاضل الأميركيون بين مرشحين اثنين يشتركان في امتلاك خلفية قوية ولكن بتفاصيل مختلفة ويفترقان في امور اخرى ابرزها فلسفتهما السياسية وحياتهما الاجتماعية ورؤيتهما لافضل طريقة ينبغي لأميركا ان تنتهجها في التعامل مع العالم.
وعلى الرغم من تقليل الدوائر السياسية الأميركية من فرص فوز المرشح الجمهوري السيناتور جون ماكين (72 عاما) استنادا الى استطلاعات الرأي التي تمنح منافسه الديمقراطي السيناتور باراك اوباما (47 عاما) افضلية كبيرة على مستوى البلاد بشكل عام وفي الولايات الرئيسية الحاسمة في السباق بصفة خاصة الا ان كثيرين هنا يؤكدون ان الاقرار بوصول اوباما الى البيت الابيض مازال امرا من المبكر تأكيده.
ويستند هؤلاء الى عدة عوامل من الصعب التنبؤ بتأثيرها قد تؤدي الى تغيير الناخبين لارائهم عند وصولهم الى صناديق الاقتراع الا انهم ايضا يعولون على قدرة ماكين على تحويل الانتخابات لصالحه في مرات سابقة لعل ابرزها في صيف عام 2007 حينما اظهرت الاستطلاعات تراجع فرصه في الفوز بحق الترشح عن حزبه في ظل تأييده لاستراتيجية الرئيس الجمهوري جورج بوش في العراق لاسيما قراره بزيادة قوام القوات الأميركية هناك الا ان ماكين عاد الى الساحة من جديد وقهر جميع منافسيه وانهى السباق التمهيدي على القمة.
وفي المقابل يرى الواثقون من فوز اوباما صعوبة قلب الطاولة على المرشح الديمقراطي في ظل تمتعه بتأييد الأغلبية في الولايات المتأرجحة الرئيسية مثل فلوريدا وفيرجينيا واوهايو وبنسلفانيا بل وضم ولايات جمهورية تقليدية الى قائمته مثل كلورادو ونيومكسيكو ونيفادا على نحو يزيد من صعوبة المعركة على ماكين.
كما يستند هؤلاء ايضا الى التاريخ في تدعيم فرص اوباما في الفوز حيث لم يحقق اي مرشح رئاسي الفوز بالانتخابات مع انخفاض شعبيته في استطلاعات الرأي بهذا الشكل منذ عام 1948 حينما خالف الديمقراطي هنري ترومان التوقعات وفاز بولاية ثانية على حساب منافسه الجمهوري توماس ديوي.
وتمتد قائمة العوامل التي تدعم من فرص فوز اوباما لتشمل الحالة التي يمر بها الاقتصاد الأميركي في الوقت الراهن حيث لم ينجح اي مرشح للحزب الحاكم في البيت الابيض من الفوز بأي انتخابات رئاسية سابقة في حال وجود ازمة اقتصادية في البلاد لاسيما في ظل سيطرة الهاجس الاقتصادي على اهتمامات الناخبين واعتبارهم اوباما المرشح الافضل لادارة الاقتصاد على نحو منحه الافضلية في غالبية استطلاعات الرأي وبهوامش كبيرة على ماكين.
وتلعب اختيارات المرشحين دورا كبيرا في اقناع الناخبين بأهليتهم لتولي منصب الرئاسة ففي حالة اوباما اظهر اختيار المرشح الديمقراطي للسيناتور المخضرم جو بايدن لخوض الانتخابات معه على منصب نائب الرئيس قدرة اوباما على اصدار الاحكام فيما اثار اختيار ماكين لحاكمة ألاسكا سارة بالين الشكوك حول المرشح الجمهوري.
فعلى الرغم من تمكن بالين من تحقيق زخم لحملة ماكين في الفترة التي تلت انتهاء المؤتمر العام للحزب الجمهوري في سبتمبر الماضي فقد ابعدت بالين في نفس الوقت الكثير من المستقلين عن ماكين لاسيما بعد الكشف عن المزيد من سياساتها وافكارها ومؤهلاتها التي لم تقنع الكثيرين بقدرتها على تولي الرئاسة في حال حدوث مكروه لماكين البالغ من العمر 72 عاما.
لكن يبقى في النهاية ان الانتخابات الرئاسية ستتم بين مرشح ابيض واخر اسود وهو امر غير مسبوق في التاريخ الأميركي ما يفتح الباب امام تكهنات قد تبدو غير منطقية استنادا لاستطلاعات الرأي الا انها تظل مقبولة استنادا لتجارب سابقة على مستويات اقل لعل ابرزها خسارة المرشح الاسود عمدة لوس انجلوس توم برادلي لانتخابات عام 1982 على منصب حاكم كاليفورنيا امام منافسه الجمهوري رغم تفوق الاول في جميع استطلاعات الرأي.
ولم تتوقف التجارب السابقة عند برادلي بل طالت مرشحين اخرين سودا في نيويورك وفيرجينيا اظهرت استطلاعات الرأي تفوقهم بهوامش وصلت الى 9 نقاط مئوية على منافسيهم ولكن اقتصر هامش فوزهم في النهاية على ما بين نقطة واحدة الى نقطتين مئويتين ما جعل الجميع يتخوف دائما من تأثير اللون والعرق على الانتخابات.
ورغم التجارب السابقة فان الكثير من المحللين يعتقد ان هذه الانتخابات ستكون مختلفة وان عامل اللون لن يؤثر فيها بشكل كبير لتقلص اهتمام الأميركيين انفسهم بهذه القضية وفي ظل تصاعد القلق من حالة الاقتصاد ومستقبل البلاد في الفترة القادمة. ومما يعزز من ذلك الاعتقاد ان ارقام التصويت المبكر تظهر حماسا كبيرا لدى الناخبين الديمقراطيين وارقاما قياسية في التصويت بينهم مقارنة بنظرائهم الجمهوريين على نحو يمنح اوباما فرصة اكبر في الفوز بالانتخابات.
ولكن رغم ذلك يتخوف بعض مؤيدي اوباما من احجام اعداد كبيرة من الشباب الذين يعدون الفئة الاكثر تأييدا للمرشح الشاب عن الذهاب الى صناديق الاقتراع بأغلبية تضمن الفوز للمرشح الديمقراطي لاسيما ان هذه الفئة لم تقدم ما يطمئن هؤلاء في انتخابات سابقة وتخلت عن مرشحين ابدت حماسا كبيرا لهم كان اخرهم الديمقراطي جون كيري عام 2004.
وايا ما كانت نتيجة انتخابات الغد فانها ستظل علامة فارقة في التاريخ الأميركي ليس فقط لانها المرة الاولى التي تجري فيها انتخابات الرئاسة بين مرشح اسود واخر ابيض بل ايضا لان المرشح الاسود مولود لاب كيني مسلم وام بيضاء من ولاية كانساس فيما يعد الثاني بطلا عسكريا قضى نحو 6 اعوام في الاسر خلال حرب فيتنام.
وتبقى قصة باراك حسين اوباما بحسب مراقبين شاهدا على مدى التقدم الذي طرأ على الثقافة الأميركية والحياة السياسية والاجتماعية في البلاد فهو شاب ذو خبرة قليلة مقارنة بمنافسه الجمهوري مولود في ولاية هاواي ونشأ لاسرة فقيرة لكنه ذهب بمنح حكومية الى افضل المدارس قبل ان يحصل على درجة الدكتوراة في القانون من جامعة هارفارد.
ويقول اوباما انه لم ير والده سوى مرة واحدة لفترة شهر عندما كان عمره 10 اعوام حيث غادر ابوه أميركا بعد طلاقه من والدة اوباما حينما كان يبلغ عمر الاخير عامين وعاد الى كينيا ولقي حتفه هناك في حادث سيارة عام 1982 . وبعد ذلك تزوجت والدة اوباما من طالب اندونيسي مسلم هو لولو سويتورو وانتقلت معه الى اندونيسيا عام 1967 بصحبة اوباما الذي درس في مدارس اندونيسية طيلة 4 اعوام قبل ان يعود الى هاواي ليعيش مع جده وجدته لامه ثم يواصل دراسته في مدارس خاصة بمنح حكومية نظرا لتفوقه الذي استمر حتى التحق بجامعة هارفارد ثم انتقل الى مدينة شيكاغو ليعمل كناشط محلي قبل ان يتزوج زميلته في العمل ميشيل وينجب منها ابنتين.
وفي المقابل تختلف تفاصيل حياة المرشح الجمهوري جون ماكين بشكل كامل فهو ابن وحفيد لاثنين من قيادات البحرية حملا رتبة ادميرال والتحق بالاكاديمية البحرية الأميركية وتخرج ملاحا جويا ليشارك في حرب فيتنام ويقع في الاسر عام 1967 ويظل لدى الفيتناميين لنحو 6 سنوات قبل ان يتم اطلاق سراحه ويعود الى أميركا بعد انتهاء الحرب ويظل في البحرية قبل ان يتقاعد عام 1981 ثم يخوض انتخابات الكونغرس في العام التالي ويفوز بعضوية مجلس الشيوخ لدورات متتالية امتدت الى 26 عاما حتى الان.
وماكين متزوج من سيدة تنتمي الى عائلة غنية هي سيدني ماكين وتعد الزيجة الثانية له ولديه 7 من الاولاد والبنات بينهم فتاة تبناها وزوجته سيدني من بنغلاديش و 4 احفاد من الزيجتين ويقيم في فينيكس بولاية اريزونا. وخاض ماكين الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في عام 2000 وخسر امام الرئيس الحالي جورج بوش بعد حملة انتخابية شرسة.
وبعيدا عن حياتهما الشخصية فان اوباما وماكين يختلفان في فلسفة كل منهما فالاخير يعد شخصية محافظة بالرغم من الاستقلالية التي اظهرها طوال تاريخه في مجلس الشيوخ ومعارضته في مرات عديدة لمقترحات من حزبه لاسيما في قضايا مثل الهجرة غير الشرعية والضرائب وتعذيب المشتبهين بالارهاب وهي المعارضة التي قلصت من شعبيته لدى القاعدة الجمهورية التقليدية ودفعته لاحقا الى اختيار نائبته المحافظة سارة بالين للتقرب من هذه القاعدة.
وعلى النقيض من ذلك يعتبر اوباما احد اكثر اعضاء الكونغرس تحررا الا انه بنى تاريخه السياسي القصير في المجلس التشريعي لمدينة شيكاغو ثم لاحقا في مجلس الشيوخ على قدرته على التواصل مع اعضاء الحزب الجمهوري لتحقيق الصالح العام. واذهل اوباما المراقبين باسلوب ادارته لحملته الانتخابية وتحقيقه ارقاما قياسية في جمع التبرعات اسهمت في توصيل رسالته الى الناخبين والتغلب على منافسته الديمقراطية السيناتور هيلاري كلينتون التي ظلت لفترة طويلة الاوفر حظا للفوز بالرئاسة وليس فقط الانتخابات التمهيدية عن حزبها.
وحول المواقف السياسية لكلا المرشحين فان اوباما يدعو الى الانسحاب من العراق في غضون 16 شهرا من توليه الرئاسة فيما يريد ماكين تواجدا أميركيا مفتوحا في العراق يتم رهنه بتحقيق اهداف الحملة العسكرية هناك. ويتفق المرشحان في الدعوة الى زيادة الجهود ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان في افغانستان الا ان اوباما يحث على جهد عسكري اكبر في المناطق الحدودية الباكستانية فيما يدعو ماكين الى العمل مع الباكستانيين بشكل اكبر واتخاذ اجراءات مشتركة لمجابهة القاعدة وطالبان.
ولم يخف اوباما استعداده للاجتماع برؤساء دول مناوئة للولايات المتحدة مثل ايران وفنزويلا وكوبا دون شروط مسبقة فيما يعارض ماكين أي لقاءات مماثلة دون شروط. ويتفق المرشحان في الدعوة الى استقلال أميركا في مجال الطاقة وانهاء اعتمادها على النفط المستورد من الشرق الاوسط الا ان اوباما كان اكثر شراسة في ذلك حيث تعهد بتبني سياسات لزيادة الاعتماد على الطاقات البديلة واستثمار 150 مليار دولار في هذا المجال وانهاء الاعتماد على نفط الشرق الاوسط في غضون 10 اعوام بينما دعا ماكين الى زيادة التنقيب عن النفط في السواحل الأميركية وبناء 45 مفاعلا نوويا بحلول عام 2030 .
وايا ما كانت برامج المرشحين فانه من المؤكد انها ستتأثر كثيرا بحسب اعترافهما بالظروف الاقتصادية للبلاد واي تغيرات دولية قد تطرأ في المستقبل كما انه ايا ما كان الفائز بتلك الانتخابات فانها ستظل في كتب التاريخ الأميركي كواحدة من علامات التغيير في الولايات المتحدة.
التعليقات