خلف خلف من رام الله: شكلت العملية العسكرية التي نفذتها قوة من الجيش الإسرائيلي مدعمة بالطائرات المروحية في منطقة مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة، موجة من الأفعال والردود عليها، وبينما فتح الباب للتكهنات حول الدوافع التي دفعت إسرائيل لهذه العملية التي أودت بحياة ستة فلسطينيين، أعلن الجيش الإسرائيلي أن الهدف كان إعطاب نفق متكتك، وعلى أرض الواقع الارتدادات الموازية، تكمن في مسألتين مهمتين، هما: ضرب اتفاق التهدئة القائم بين حماس وإسرائيل منذ نحو أربعة شهر، كذلك تعكير أجواء الحوار الوطني الفلسطيني الذي تحتضنه القاهرة، في العاشر من الشهر الجاري.
فإسرائيل تدرك أن انتهاء الانقسام بين الضفة الغربية وغزة، وما يحمله من معاني تتصل بتشكيل حكومة وحدة فلسطينية، سيسرق الأوراق من بين يديها، ويجعلها تعود إلى المربع الأول من الصراع, بل أنها ستصبح مطالبة بابتكار حجج جديدة تقنع العالم الغربي بضرورة مواصلة فرض الطوق المشدد على غزة، المتواصل منذ ما يزيد عن العامين.
وهذا الافتراض يستمد مبرراته، من الوقائع على الأرض، لا سيما أن التذرع باستهداف نفق كانت تعده منظمة فلسطينية على حدود غزة، ليس مقنعًا، لمهاجمة القطاع بقوة من الجيش، معززة بالدبابات والطائرات وفرق المظليين، بل يوجد من الطرق الكثير لإعطاب النفق دون تنفيذ هكذا هجوم كاسح، كما أن الجيش الإسرائيلي أعلن منذ نحو أسبوع عن اكتشافه لنفق تحفره المنظمات الفلسطينية، فلماذا انتظر كل هذه الفترة حتى يهاجمه؟
أيضا قادة تلأبيب وجنرالاتها الذين منحوا الضوء الأخضر للجنود لينفذوا المهمة في غزة، على دراية تامة بحساسية الموقف الفلسطيني وتعقيداته، فالوضع الداخلي هش، ويوجد عدم اتفاق على مجمل القضايا، وأهمها التهدئة وديمومتها. فحركة الجهاد الإسلامي لتحرير فلسطين، أعلنت في أكثر من مناسبة بأنها سترد على خروقات إسرائيل، وانتهاكاتها في الأراضي الفلسطينية، سواء في الضفة أم غزة. وفي داخل حركة (حماس) ذاتها، يوجد من يطالب بضرورة عدم تمديد التهدئة إلا إذا شملت الضفة الغربية، وتوقفت عمليات الجيش الإسرائيلي بشكل تام.
بمعنى أن الهجوم على غزة قد يؤدي إلى إعادة الصراع إلى دائرته الأولى، وبالتالي ليس من السهولة إجراء حوار فلسطيني فلسطيني في مثل هذه الأجواء، ونتيجة لكل ما ذكر أعلاه، فأن مراقبين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يعتقدون أن العملية التي نفذتها إسرائيل في غزة، تحمل أهدافًا عدة، أولها، خلط الأوراق على الساحة الفلسطينية من خلال دفع المنظمات الفلسطينية للرد، في وقت يعلن قادة تل أبيب أمام العالم، أنهم متمسكون بالتهدئة بعكس الفلسطينيين. وهو ما تبلور فعلا في تصريحات صدرت عن ممثلو الدوائر الأمنية في إسرائيل، خلال جلسة تشاورية ترأسها وزير الأمن إيهود باراك اليوم الأربعاء.
حيث أفادت الإذاعة الإسرائيلية انه تم خلال الجلسة المذكورة، التأكيد على رغبة إسرائيل في الحفاظ على التهدئة وعدم تصعيد الأوضاع. ومن ناحيتها، ردت الفصائل الفلسطينية على الهجوم الإسرائيلي، من خلال القذائف الصاروخية المحلية، وأطلقت منها منذ ساعات الصباح نحو40 باتجاه التجمعات السكنية الإسرائيلية.
ويذكر أن الهجوم الذي نفذه الجيش الإسرائيلي أمس ضد غزة، يعيد الأضواء على الخبر الرئيس لصحيفة هآرتس، الصادرة بتاريخ 2/11/2008، والذي جاء على النحو الآتي quot;مصالحة بين فتح وحماس ستسرق الأوراق من إسرائيلquot;، وبحسب الصحيفة، فإن الإمكانية التي ينبغي لإسرائيل أن تستعد لها هي أن الجمود السياسي كنتيجة لعملية الانتخابات في إسرائيل، سيدفع أبو مازن نحو قرار تاريخي بالتوجه مرة أخرى نحو المصالحة مع حماس.
وتقول هآرتس: quot;في مثل هذه الحالة، فان أثر ذلك على العلاقات مع إسرائيل سيكون دراماتيكيا، وإذا ما خرج السيناريو المصري إلى حيز التنفيذ، فمعنى الأمر أنه في غضون نحو شهر وأسبوع ستتحد مرة أخرى غزة مع الضفة في كيان سياسي واحد، تحت حكومة مستقلة. في مثل هذه الحالة ستضطر إسرائيل إلى القرار إذا كان في نيتها قطع علاقاتها مع الحكومة المستقلة وتغير من جديد كل قواعد اللعب التي سادت منذ انقلاب حماس في غزة، في القطاع، وفي الضفةquot;.
التعليقات